✍بقلم د.محمد يوسف المملوك
موجه شئون القرآن الكريم بالأزهر الشريف
وباحث دكتوراه بكلية دار العلوم
*دعاء ليلة القدر:
أفضل ما يدعو به المسلم في ليلة القَدْر العفو والمغفرة من الله -سبحانه-، إذ رُوي عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: «قلتُ يا رسولَ اللهِ أرأيتَ إن علِمتُ ليلةَ القدرِ ما أقولُ فيها؟ قال: قُولي اللَّهمَّ إنَّك عفُوٌّ تُحبُّ العفوَ فاعْفُ عنِّي».
*وقت ليلة القدر:
ذهب بعض العلماء إلى أن ليلة القدر هي ليلة إحدى وعشرين؛ وذهب بعضهم إلى أنها ليلة ثلاث وعشرين
– ما ورَد في أنَّها ليلةُ الثَّالث والعِشرين:
عن عبداللهِ بن أُنيسٍ رضِيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((أُريتُ ليلةَ القَدْر، ثمَّ أُنسيتُها، وأَراني صُبحَها أسجُدُ في ماءٍ وطِينٍ))، قال: فمُطِرْنا ليلةَ ثلاثٍ وعِشرين، فصلَّى بنا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ فانصرَف، وإنَّ أثَرَ الماء والطِّين على جَبهته وأنفِه. قال: وكان عبدالله بن أُنيسٍ يقول: ثلاث وعِشرين. رواه مسلم .
وذهب أبي بن كعب سيد القراء رضي الله عنه وأرضاه وكان يقسم على أنها ليلة سبع وعشرين،
– ودليل ما ورَد في أنَّها ليلةُ السَّابع والعِشرين ما ورد في الحديث حيث
قال أُبيُّ بنُ كَعبٍ رضِيَ اللهُ عنهُ في لَيلةِ القَدْرِ: ((واللهِ، إنِّي لأَعلمُها، وأكثرُ عِلمي هي اللَّيلةُ التي أَمرَنا رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ بقِيامِها، هي ليلةُ سَبعٍ وعِشرينَ)) رواه مسلم.
وذهب بعض العلماء إلى أنها تتنقل؛ جمعاً بين الروايات، أي: أن ليلة القدر تكون في كل عام في ليلة غير التي سبقت، ولا يلزم أن تكون في سائر الليالي والأعوام في ليلة معينة، وهؤلاء القائلون بالتنقل ذهبوا إلى هذا جمعاً بين الروايات الصحيحة.
فعن ابنِ عبَّاس رضِيَ اللهُ عنهُما أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((الْتمِسوها في العَشر الأواخِر من رمضانَ؛ لَيلةَ القَدْر في تاسعةٍ تَبقَى، في سابعةٍ تَبقَى، في خامسةٍ تَبْقَى)) رواه البخاريُّ.
وعن ابن عبَّاس رضِيَ اللهُ عنهُما: قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ: ((هِي في العَشر، هي في تِسع يَمضِين، أو في سَبْعٍ يَبقَين))؛ يعني: ليلةَ القَدْر. رواه البخاريُّ
وما ورَد في الْتِماسها في السَّبع الأَواخِر:
(1) عن عبداللهِ بن عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهُما قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ: ((الْتمِسوها في العَشرِ الأواخِرِ – يعْنِي: ليلَةَ القدْرِ – فإنْ ضَعُفَ أحدُكم أوْ عَجَزَ، فلا يُغْلَبَنَّ علَى السَّبْعِ البواقِي)) رواه مسلم.
وعن ابن عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهُما عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((تَحرُّوا ليلَةَ القَدْرِ في السَّبْعِ الأواخِرِ)) رواه مسلم.
و عن ابن عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهُما، أنَّ رِجالًا من أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ أُرُوا ليلةَ القَدْر في المنامِ في السَّبع الأواخِر، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ: ((أَرَى رُؤياكم قد تَواطأتْ في السَّبع الأواخِر؛ فمَن كان مُتحرِّيَها، فلْيَتحرَّها في السَّبع الأواخِر)) رواه البخاريُّ، ومسلم.
وأياً كان الأمر فإن ليلة القدر في رمضان قطعاً، ومن قام العشر الأواخر كلها إيماناً واحتساباً متأسياً بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يوافقها، وقد كان إذا دخلت العشر أيقظ أهله وأحيا ليله، وشد المئزر، وهذه كناية عن السعي والجد في الطاعة والعبادة، إلا أنه لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم قام ليلة بأكملها، وإنما يصلي بعض الليل، ويذكر بعضه، ويسبح في بعضه، ويقرأ القرآن في بعضه، فهذه العشر المباركات معين لا ينضب، قال الله جل وعلا: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} أي: أن العبادة فيها تزن وتساوي عند الله عبادة ألف شهر ليس فيهن ليلة القدر، ولا ريب أن المؤمن العاقل المتبع لهدي محمد صلى الله عليه وسلم لا يمكن له بحال أن يفرط في هذه الليالي المباركات.
والصحيح أنها في العشر الأواخر دون تعيين والحكمة من إخفائها لكي يجتهد الناس في العبادة في العشر الأواخر كلها ، كما أخفى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس وأخفى اسمه الأعظم بين أسمائه الحسنى.
*علامات ليلة القدر:
يحرص المسلمون على تتبُّع ليلة القَدْر، ومعرفة علاماتها التي تدلّ على وقوعها، وقد ذكرت السنة النبوية علامات ليلة القدر أكثرها لا تظهر إلا بعد أن تمضي، فمن هذه العلامات ما يلي :-
1- نزول الملائكة أفواجًا؛ وتكون أكثر من الحصى على الأرض، فقد قال -تعالى-: «تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ»، ورُوِي عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: «وإن الملائكةَ تلك الليلةَ أَكْثَرُ في الأرضِ من عَدَدِ الحَصَى».
2- اعتدال الجوّ فيها؛ فلا يُوصف بالحرارة، أو البرودة؛ إذ رُوِي عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما-: «ليلةُ القدْرِ ليلةٌ سمِحَةٌ، طَلِقَةٌ، لا حارَّةٌ ولا بارِدَةٌ، تُصبِحُ الشمسُ صبيحتَها ضَعيفةً حمْراءَ».
3- طلوع الشمس دون شعاع في صباح اليوم التالي لها؛ فقد ورد عن أبيّ بن كعب -رضي الله عنه-: «وآيةُ ذلك أنْ تَطلُعَ الشَّمسُ في صَبيحَتِها مِثلَ الطَّسْتِ، لا شُعاعَ لها، حتى تَرتفِعَ».
4- أن يحدث للإنسان سكون في النفس.
5- يشعر الشخص بإقبال على الله عز وجل في هذه الليلة.
أسأل الله أن يبلغنا ليلة القدر، وأن يبارك لنا فيها، وأن يشرح صدورنا، وأن ييسر أمورنا، وأن يفرج همومنا اللهم آمين.