وقفت يوم العيد علي باب الحب والرحمة والتراحم بين الناس ، ورأيت ملاكا في ثوب إمرأة تجول الشوارع طلبا للرزق لإنفاق علي أطفال صغار لا حول لهم ولا قوة ، فوقع نظر هذه المرأة علي لعبة صغيرة فابتهجت إبتهاجا عظيما كطفلة صغيرة لا لأنها بلهاء يستفزها من تلك المناظر ما يستفز الأطفال الصغار، بل لأنها كانت تنظر إليها بعين صغارها وتمنت في تلك اللحظات أن تأخذ هذه اللعبة بين جناحيها وتطير إلي صغارها ، إنه فؤاد الأم الذي يخفق سرورا ولو لسعادة أبناءها ولكنها الحياة وقسوتها من أين تأتي بالمال لشرائها.
لا تأتي ليلة العيد حتي يطلع في سمائها نجمان نجم سعيد ونجم جريح سحقته الليالي والأيام ، أما الأول فللسعداء الذين اعدو لأنفسهم صنوف الطعام والشراب والملبس، وناموا في أسرتهم كالحمائم البيضاء في أعالي السماء أو علي المروج الخضراء ، أما الثاني فاللأشقياء يبيتون ليلتهم علي نار من الجمر من نظرات أبناءهم يسألونهم ماذا أعدو لهم في هذا اليوم من شياب ولعب رقيقة تزين أحلامهم فيعللون ذلك بوعود يعلمون جيدا أنهم لا يستطيعون الوفاء بها .
فهل لأولئك السعداء أن يمدوا لهم يد المعروف والحب والرحمة ، ويفيضوا عليهم في ذلك اليوم من الكرم والعطاء ليسجلوا لأنفسهم في أعظم سجلات البر والإحسان.
ما من بشر يحمل بين جنبيه قلبا يحفق بالرحمة والحنان، لا يستطيع أن يملك عينه من البكاء ، ولا قلبه النقي من الخفقان ، عندما يري في العيد وهو في طريقه إلي منزله، أو زياراته أطفال صغار ملابسهم بالية، عيونهم دامعة ، قلوبهم منكسرة تحاول أن تتواري وراء الجدران خوفا من عيون المارة ، فلا يجد بدا من العطف علي هولاء لأنه يعلم أن جميع ما اجتمع من صنوف السعادة وألوانها لا يوازي ذرة من السعادة التي يشعر بها في ثنايا قلبه عندما يسمح نظرات الألم والدموع من عيون هولاء ، هم يعيشون في سجن مظلم طوال العام فلا أقل من أن يتمتعوا برؤية شعاع الشمس وبريق الأمل ولو لمرة في كل عام.