استأذنتك – في كلمات سابقة – أن أتحدث عن دوري الأهلي والزمالك. أعني دوري كرة القدم، لكنني ترددت كثيرًا لأسباب واضحة، في مقدمتها غلبة التعصب بما لا يخفى.
هأنا أتحصن بجرأة ليست في طبعي، فأكتب عن هذه الظاهرة، ولو من قبيل إنجاز الحر ما وعد، وأبادر فأشير إلى النية الحسنة، بعيدًا عن التعصب، اللهم إلّا تشجيع نادي الاتحاد السكندري، ليس لأنه ينافس على البطولة – أتمني! – إنما لأنه النادي الذي أحب فيه مدينتي الإسكندرية.
حصل نادي ليفربول الإنجليزي – بعد تألق النجم المصري محمد صلاح في فريقه لكرة القدم –على شعبية هائلة بين المشجعين المصريين، وهي – كما تعرف – شعبية مكلفة بتأثير جبايات التشفير. يكفي لتشجيع أحد الأندية المحلية أن يتابع محبوه مبارياته أمام التليفزيون (الجمهور ممنوع من حضور المباريات ) يعبرون عن فرحتهم لانتصار الفريق، واستيائهم من هزيمته، على صفحات الفيس بوك وغيرها من وسائل الاتصال الإلكتروني.
بالطبع، فإن التشجيع اتجه إلى ليفربول لأنه النادي الذي انضم إليه اللاعب المصري، لا شأن لهم بموقعه على الخريطة. كانوا سيحرصون على تشجيعه حتى لو كان في جزر موريشيوس، أو واق الواق. إنه النادي الذي يلعب له النجم المصري.
العادة أن مشجعي ليفربول يتابعون قوائم الأندية المشاركة في الدوري الإنجليزي صعودًا وهبوطًا، يسعدون بارتقائه القمة، ويحزنون لو أن أداءه خضع لمنطق أن المباريات مكسب وخسارة.
ما ينبغي ملاحظته أن الفريق باسم مدينة صناعية، هي ليفربول، وأن معظم الأندية المنافسة تنتمي إلى مدن أخرى، باسمها الصريح، مثل مانشستر سيتي، ليستر سيتي، نوريتش سيتي، وغيرها.
الصورة تتكرر – إلى حد كبير – في الدوري الإيطالي، فأسماء الأندية تنتسب إلى مدن إيطالية، مثل روما ونابولي وميلان وجنوة.
ويطالعنا التكرار في الدوري الأسباني من خلال أندية ريال مدريد وأتليتكو مدريد وإشبيلية وغرناطة وبلد الوليد.
التراث الكروي في مصرنا الغالية يضع الأهلي والزمالك، أو الزمالك والأهلي، في رأس كل قائمة للدوري، وهي قائمة لا تقتصر على تنظيم المباريات، لكنها تشمل تحليل مباريات الناديين، وأخبار نجومهما، وقدرتهما على اجتذاب المواهب الطالعة في الأندية، لتأخذ – في أحيان كثيرة – موضعها على دكة الاحتياطي.
المهم أن تكون الأسبقية في الأخبار والتحقيقات والحوارات والتحليلات الكروية للأهلي والزمالك، يفرد لهما معظم المساحة، بينما تظل الأندية الأخرى – بصرف النظر عن نتائجها، أو مكانتها في الدوري – على الهامش، أو في أدوار الكومبارس.
أدعوك إلى متابعة برامج قنوات الرياضة، تبدأ وتنتهي بالأهلي والزمالك، ولا بأس من أن تتخللها فقرات قصيرة للأندية الأخرى، وفي تحليلات الصحف للمباريات، فإن المألوف إفراد صدر صفحة لأحد الناديين، وصدر صفحة ثانية للنادي الثاني، إذا لم تأذن المساحة إلّا بصفحة واحدة، فإنها تقسم – بالتساوي – بينهما، وما يتبقى تحظى به الأندية الأخرى.
استثناء الحصول على بطولة الدوري تمثل في مرات قليلة، حصل فيها الإسماعيلي وغزل المحلة والترسانة والأولمبي والمقاولون العرب على درع البطولة، ولم تزد مرات حصول كل الأندية على الكأس، منذ بداية المسابقة في 1926، عن 26 مرة، بينما ذهب الكأس في باقي السنوات إلى الزمالك أو الأهلي.
قبل أن تعترض أوترفض، فإني أدعوك إلى الائتناس بموضوعيتك، وحياديتك إن أمكن، في القراءة والمشاهدة والسماع. الأولوية المطلقة للأهلي والزمالك، وبقية الأندية لزوم الديكور!
بح صوت شيخ النقاد الرياضيين نجيب المستكاوي لتحقيق الفرص المتكافئة بين أندية الدوري، لا شأن لذلك بالمدينة التي تمثلها، ولا بالجماهيرية التي تحظى بها.
لم يحاول المستكاوي – ولا شخصي الضعيف – أن ينتقص من قيمة الناديين الكبيرين، فجماهيريتهما الهائلة، وما أحرزاه من البطولات الدولية، إضافة مهمة للرياضة المصرية.
أنا أشجع الزمالك والأهلي، اتساقًا مع تشجيعي للرياضة المصرية، والذي دفعني إلى حفظ قوانين غالبية اللعبات، والتعرف إلى إسهام كل لعبة في تحقيق الصورة اللائقة للرياضة المصرية.
روى لي أستاذنا نجيب محفوظ عن فتوات زمان. كان الفتوة يهوي بنبوته على خصومه، بينما يقتصر دور مساعديه على تلقي ضربات الخصوم.
أخشى أن دوري كرة القدم يعيد حكاية الفتوات. تدين الفتونة للأهلي والزمالك، بينما تكتفي الأندية الأخرى بتلقي الضربات.
التعبير مجازي، وإن كنت أجده مناسبًا في وصف التأثير الطاغي للناديين على الأحداث الكروية.
يسألني من ألتقيه للمرة الأولي: انت أهلاوي والّا زملكاوي؟
لماذا التصور المسبق؟ لماذا لا أشجع المصري أو الإسماعيلي أوالمنصورة أو المنيا أو أسوان؟
المطلوب – لا أكثر – أن تتسع القاعدة بما يثريها، ألفنا منطق أبناء البطة السوداء في حظ اللعبات الرياضية فردية وجماعية – قياسًا إلى حظ كرة القدم، وهو ما يبين في سطوتها الإعلامية، وانكشافها بالتالي، في الملتقيات الدولية!