طبيعي أن يصاب بعض أفراد المجتمع- أي مجتمع- ببعض الأمراض النفسية، لكن أن يصاب أغلب أفراد المجتمع بكل الأمراض النفسية، فهذا هو غير الطبيعي ويتطلب تدخل الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، ومجلس إدارة اتحاد التايكوندو، ومستشفى الرمد في روض الفرج، والترسانة البحرية في امبابة، وسيد كرشة في مصر القديمة.
قرأت بعض البوستات لأفراد، مجهولي النسب والهوية، يتشفون فيها في طلاب الثانوية العامة الذين صدمهم وسحقهم ومحقهم، هم وأسرهم وجيرانهم، امتحان الكيمياء لثالثة ثانوي. الامتحان الذي أجمع كل الخبراء والمعلمين أنه فوق مستوى الطالب السوبر، وكأن الذي وضعه لديه مشكلة ما مع الطلاب، والعمال، والفلاحين، ودكاترة الأسنان، وتجار الصنف،والباعة السريحة، وخبراء التنمية البشرية، ومفكري القرن التاسع عشر، وأي حاجة ممكن حضرتك تحطها سواء كانت حيوانات أو نباتات أو جمادات، أو حتى جمالات أخت سيد حركات ..لاحظ أننا في أجواء الأمراض النفسية وكل شئ يجوز!
يتحدث هؤلاء- مجهولو النسب والهوية- على طريقة الأطفال المجبولين على العداونية وكأنهم يقولون لطلاب الثانوية العامة: “هيييييه .. أحسن..تستاهلوا” ويقول أحدهم مخاطبا الطلاب: ” عشان تعرفوا إن المتغطي بالسناتر عريان” طيب ياعم العدواني،و القاتل الأجير، قل لنا حضرتك يتغطوا بإيه؟
الرجل الذي يبدو أنه من المحاسيب ترك كل شئ ولم يتحدث عن الامتحان وصعوبته وعداونيته، نعم هو امتحان عدواني بامتياز، ترك كل شئ وركز مع السناتر، وكأن السناتر هي سبب صعوبة الامتحان، شماعة وخلاص، لم يذكر لنا أن المدارس ليس فيها اصلا فصول لطلاب الثانوية العامة، وأن جداول حصص الثانوية العامة في المدارس هي جداول صورية ، وأن هناك عجزا كبيرا في المدرسين، وأن الطلاب لايحصلون على كتب مطبوعة، وإذا أرادوا تحميلها على التابليت بيدوخوا السبع دوخات، وأنهم بالتالي، وطبقا لهذا الوضع العبثي، لايذهبون إلى المدارس.. طيب ياأستاذ يذاكروا إزاي، ويروحوا فين غير السناتر، هل وفرت لهم الوزارة البديل حتى لايلجأوا إلى السناتر؟
عن نفسي لدي ابنة في الثانوية العامة ، والحمد لله أنها أدبي، أي لاتكلفني في الشهر أكثر من عشرة آلاف جنيه، لزوم السناتر والمذكرات والدروس الأونلاين وخلافه، لست غنيا ولالصا، ويعلم الله كيف ومن أين وعلى حساب إيه، أدبر هذا المبلغ، هل هناك أب عاقل يفعلها، لو كانت هناك مدارس بحق وحقيق، لو كانت هناك دراسة بحق وحقيق، لو كانت هناك رغبة حقيقية من وزارة التربية والتعليم في إقامة تعليم جاد ومفيد وناجح ينهض بالبلد.. هل يمكن لأي دولة في العالم أن تنهض بدون تعليم جيد.. لو حد يعرف تجربة أي دولة نهضت بدون أن يكون التعليم لديها أولا يقول لنا حتى نستفيد.
قال إيه إللى رماك ع المر؟ قال إللي أمر منه..أولياء الأمور يلجأون إلى سناتر الدروس الخصوصية مضطرين، أعرف بعضهم باع عفش بيته من أجل دروس ابنه في الثانوية العامة، وغيره اقترض، وغيره باع ورثه، وغيره حول سيارته الخاصة إلى أوبر أوكريم أو رحيم، وهكذا..لماذا يضحي الأباء بكل مايملكون ومالايملكون من أجل تعليم أولادهم؟ لأنهم لم يجدوا تعليما عاما يدرك القائمون عليه أهمية التعليم وضرورته لكي نصبح دولة ذات شأن، أو لعلهم يدركون فيتعمدون تدميره.