في عام 1951م تأسست حركة عدم الإنحياز لمواجهة الهيمنة الأمريكية والغربية بشكل عام، وجاءت الفكرة من رحم المعاناة ومن بنات أفكار الزعماء جمال عبد الناصر وجواهر لال نهرو “رئيس وزاراء الهند آنذاك” وتيتو “رئيس يوغسلافيا الأسبق”، ولأن العالم يكون دائماً بحاجة الى مثل هذه الأفكار الثورية فسرعان ما انتشرت ولاقت صدى كبيراً لينعقد أول اجتماع للحركة في العام نفسه وتتوالى الإجتماعات لاعادة التوازن الى بلدان العالم الحر.
وكأن التاريخ يعيد نفسه، فبعد مضي خمسة وخمسين عاماً على تأسيس حركة عدم الإنحياز تأتي فكرة شبيهة الى حد كبير وان كانت بمنظور اقتصادي يتماشى مع تحديات المرحلة، فإذا كانت الأولى تتناسب مع الأزمات السياسية وسعي الكثير من الدول الى التحررمن الإحتلال العسكري الغربي، فإن فكرة الإحتلال والسيطرة أصبحت تدور وتتمحور الآن حول الهيمنة الإقتصادية ولإستحواذ على خيرات الدول خاصة في قارتنا الأفريقية، لذلك جاءت الحاجة الى تجمع “بريكس” الذي تقدمت مصر للإنضمام له وشارك رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولى في اجتماعات القمة التي عقدت مؤخراً في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا لتبدأ صفحة جديدة ومهمة للتعاون بمبدأ المصلحة المشتركة وتحقيق الرفاهية للجميع وليس لدول على حساب أخرى.
***
خبراء الإقتصاد أشادوا بسعي مصر للإنضمام للمجموعة باعتبارها خطوة مهمة وجادة للخروج من هيمنة الدولار والإستغناء بصورة كبيرة عن النقد الأجنبي في استيراد السلع لأن التعامل بين الأعضاء سيكون بالعملات المحلية أو حتى عبر استحداث عملة موحدة على طريقة اليورو بالتشارو والتوافق بين الجميع، فضلاً عن فتح أسواق جديدة للمنتجات المصرية والسعي الحثيث لتطوير البنية الصناعية والاستفادة من خبرات الدول المشاركة فى تطوير وزيادة معدلات التصنيع، مع العلم أن مصر تستورد معظم احتياجاتها من القمح من روسيا وبالتالي يمكنها الإستغناء عن العملة الأمريكية بشكل كبير.
قالوا أيضاً أن عضوية مصر لمجموعة “بريكس” تفتح الباب على مصراعيه أمام حركة التجارة والإستثمار وتمنح مصرالحق في الحصول على قروض ميسرة من بنك التنمية التابع للمجموعة، إضافة إلى أن التعامل التجاري بين هذه الدول ومصر بغير العملة الأمريكية يرفع قيمة الجنيه المصري أمام سلة العملات الأخرى ويقلل من الاعتماد على الدولار ويخفض الطلب عليه.
***
بلغة الأرقام تستحوذ مجموعة بريكس على 25% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و42% من سكّان العالم، وأكثر من 16 % من التجارة العالمية، وتشمل دول بريكس مليارات الأشخاص عبر ثلاث قارات، وتضم اقتصادات متفاوتة النمو، وهناك رغبة للإلتحاق بالمجموعة من دول عديدة ، فبعد انضمام دول عربية مهمة مثل مصر و السعودية والجزائر والامارات، هناك أكثر من 40 دولة أبدت اهتمامها بالانضمام إلى المجموعة، وقدّمت 23 دولة طلبات رسمية بالفعل من أجل ذلك حسبما أعلنت جنوب أفريقيا، ومن ثم فإن المجموعة تسعى إلى أن تصبح قوة اقتصادية عالمية قادرة على منافسة “مجموعة السبع (G7) التي تستحوذ على 60% من الثروة العالمية.
الفرصة مواتية ومثالية لمصر لتحقيق أقصى استفادة من انضمامها لمجموعة “بريكس” سواء بفضل موقعها الجغرافي والإستراتيجي المتميز والذي كان مطمعاً في أم الدنيا على مر التاريخ أو الإستفادة من تطوير البنية الأساسية من الطرق ووسائل النقل وغيرها اضافة الى قناة السويس الجديدة وأيضاً المنطقة اللوجستية لمنطقة القناة في اقامة استثمارات ومشروعات عملاقة توفر فرص عمل لأبنائنا وتقضي على شبخ الدولار وتعيد الإستقرار الى الميزان الإقتصادي بمصر والمنطقة والعالم.
حلم تحويل مصر الى مركز اقليمي وبوابة لحركة التجارة العالمية لم يعد بعيداً، وسيحول مصر الى قوة اقتصادية مهمة وكبيرة ولو كره الكارهون.
أيمن عبد الجواد
[email protected]