»»
بقلم ✍️ د.محمد يحيى بحيري (مدرس الميكروبيولوجيا والمناعة بكلية الصيدلة جامعة مدينة السادات)
لم يعد غريبا الآن أن ترى صوراً و فيديوهات تبدو كأنها واقعية للغاية لتكتشف بعد ذلك أنها مفبركة تماما ومن انتاج أحد برامج الذكاء الاصطناعي ، ولم يعد غريبا أن ترى من ينهمك في محادثة ويطرح تساؤلاته ويتلقى الردود المنطقية والعميقة ليتضح بعدها أن محاوره النابه هو برنامج من برامج الذكاء الاصطناعي الحديثة. هذه التطورات المتسارعة تؤذن ببزوغ فجر لعصر جديد هو عصر الذكاء الاصطناعي بكل آماله و مخاوفه.
هذا الذكاء الاصطناعي أتي ليحاكي وظائف كانت حكرا على الذكاء البشري وينجز مهاما كانت تُعد ضربا من ضروب الخيال في الماضي القريب ،فمن برامج الذكاء الاصطناعي بتطبيقاتها العديدة المبهرة إلى المركبات ذاتية الحركة بإمكانياتها المذهلة إلى إنشاء النماذج الرقمية لمحاكاة الواقع ومحاولة التنبوء به وغيرها العديد من الانجازات المدهشة.
ولكن بينما يفتح هذا الصديق المدهش أمام الانسان امكانيات كبيرة هائلة ويقدم حلولا جديدة لمشكلات كثيرة، فإنه يثير في ذات الوقت مخاوف كثيرة على المستوى العالمي تتعلق بإمكانية وقوع هذه التقنيات في الأيدي الخطأ واستخدامها في عالم الجريمة التزييف وكذلك المخاوف المتعلقة بحلول الآلة محل الانسان بكثير من الوظائف و كذلك يطرح تحديات تتعلق بتوفير البيئة التنظيمية والتشريعية المتعلقة بهذا العالم الجديد الذي يتطور كل ساعة و يقدم مشكلات جديدة تماما في كل يوم.
لذلك تبرز ضرورة دراسة الابعاد الكاملة لهذه التقنيات ومدى تأثيرها على النواحى الحياتية المختلفة، فهذه التقنيات الفريدة التي تساعد على التحليل والتنبوء بحاجة هى ذاتها إلى من يحلل أبعادها ويتنبأ بتأثيراتها المختلفة.
لقد أثبتت العقود الماضية بتطوراتها التكنولوجية المذهلة أن عقارب الساعة لا تعود للوراء فيما يتعلق بالتطورات التكنولوجية ، وأن التقنيات الجديدة تثبت نفسها وتلغي التقنيات القديمة وتحل محلها وتفرض أسلوبها وقيمها في دنيا التكنولوجيا والاقتصاد والعلوم.
وخير مثال على ذلك: الانترنت وشبكات الهواتف المحمولة التي غيرت وجه العالم واقتحمت شتى المجالات بلا جدال. كذلك أثبتت السنوات الأخيرة أن كم وكيف البحوث في مجال الذكاء الاصطناعي قد بلغ الكتلة الحرجة التي توشك على الانفجار الكبير الذي يغطي ويغير نواحي الحياة المختلفة. لذلك فإن الاستعداد لتبعات هذه التقنيات الصديقة والمخيفة في ذات الوقت قد أصبح ضرورة وأمرا ملحا بلا جدال.
كما أن هذه الامكانيات الهائلة للذكاء الاصطناعي على تحليل البيانات واختيار الحلول عندما تتزاوج مع قدرات شبكات الجيل الخامس في نقل البيانات ستولد طاقات هائلة تقتحم مختلف نواحي الحياة وتجعل من الاستغناء عنها أمرا بالغا الصعوبة يهدد بخروج من يحاول ذلك خارج دائرة المنافسة.
إن انسان هذا العصر، مثل انسان العصور القديمة قد اوشك على مقابلة وحوش جبارة في المستقبل القريب، ولكنها هذه المرة وحوش الكترونية جبارة تحتاج الى من يحاول فهمها وترويضها وكسب صداقتها لتسخير طاقاتها في خدمة البشرية، بينما التغافل والتجاهل أو معاداة هذه التقنيات لن يؤدي إلا الى خسارة من يحاول ذلك.
وفي ذات الوقت فالانسانية في امس الحاجة ايضا لدراسة الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لهذه التقنيات الجبارة لمحاولة استيعابها وتعظيم الاستفادة منها وتقليل الآثار السلبية لها. وأخيرا، فما بين مبشر ومحذر وما بين متفائل و متشائم، يستمر الذكاء الاصطناعي في فرض نفسه و تثبيت اقدامه يوما بعد يوم، و يستمر في إبهارنا بإمكانياته وتخويفنا في ذات الوقت من ابعاد هذه الامكانيات ، و يثبت أنه يستحق لقب الصديق المخيف عن جدارة َ!.