عاش أهالي المحروسة أياماً صعبة يضربون أخماساً في أسداس لتدبير مستلزمات المدارس وفي نفس الوقت يشترون حلاوة المولد باعتبارها طقساً أصيلاً لايمكن الاستغناء عنه مهما كانت الظروف أو الأعباء.
التقارير والتحقيقات الصحفية التي نقلت وتناولت الأمر عبر لقاءات مع المواطنين كانت أشبه بالكوميديا السوداء، فالناس يصرخون من تزايد الأعباء وكثرة المتطلبات ومع ذلك لم يجرؤ أحد أن يقول انه لن يشتري حلاوة المولد هذا العام مراعاة للظروف الاقتصادية الاستثنائية ربما اعتقاداً بأن ذلك يغضب النبي رغم أنه صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بالمناسبة أبداً ولم يفعل ذلك أحد من صحابته أو التابعين ولم يعرف المصريون شيئا اسمه مولد النبي الا في عهد الدولة الفاطمية.
الحقيقة أن الذي يغضب الله ورسولة ليس عدم تناول الحلاوة وانما تلك الحالة التي نعيشها من استغلال بعضنا البعض بصورة شديدة القسوة والثراء الذي يحققه الكثيرون من دماء البسطاء، وذكرى ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم قد تكون فرصة لنراجع مواقفنا ونعود الى سنته التي جاءت بالرحمة والمحبة والعدل، وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر.
التاجر الذي يحتكر السلع ويبالغ في أرباحه لدرجة أننا أصبحنا نجد أكثر من سعر للسلعة الواحدة وبفارق كبير بين هذا المتجر وذاك هو من يغضب الله ورسوله.
الطبيب أو المستشفى الذي يثقل كاهل المرضى برفع قيمة الكشف أو المبالغة في طلباته مستغلاً جهل الناس بالأمور الطية وبالإتفاق مع معامل التحاليل ومراكز الأشعة ولايراعي أنه يثقل كاهل المرضى وذويهم باجراءات طبية غير مطلوبة لا يرضي الله ورسوله.
الموظف الذي يحصل على اكرامية “مشيها اكرامية” حتى يعطيك حقك أو حتى يعطيك حق غيرك طالما دفعت المعلوم يغضب الله ورسوله.
المدرس الذي يهمل في مدرسته ويصبح شخصاً آخر كله حيويه وعبقرية ونشاطاً في الدروس الخصوصية، والمدارس التي ترفع قيمة المصروفات بشكل عشوائي مبالغ فيه ويثقلون على أولياء الأمور ولايراعون ظروف الناس يغضبون الله ورسوله.
الشيخ الذي يصر على طرح القضايا الشاذة على الملأ والإساءة الى الدين حتى يحقق “الترند” ويرفع نسبة المشاهدة بالقناة التي يعمل بها ليضمن تجديد عقده والإستمرار في “السبوبة” على حساب دينه يغضب الله ورسوله.
هذه مجرد نماذج من قائمة طويلة تضم كل فئات المجتمع فالرسول صلى الله عليه وسلم لن يغضب منك لأنك تجاهلت شراء العروسة والحصان وحلاوة المولد، ولكنه سيغضب منك اذا ضيقت على الناس وتاجرت بهم وبآلامهم وهو القائل “من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد بريء من الله وبريء الله منه”.
أيمن عبد الجواد
[email protected]