اذا كانت حرب الاستنزاف التي بدأت في يونية 67 ــ شهر النكسة نفسه ــ وبعثت برسائل إيجابية للمصريين مثلما بعثت برسالة مهمة للعدو مفادها أن الأمة لم تمت، مقدمة لانتصار أكتوبر المجيد، فإن خطة الخداع الاستراتيجي لاتقل أهمية في تحقيق الانتصار لأنها أحدثت المفاجأة وحققت التوازن في ظل تفوق العدو الملحوظ آنذاك.
قبل حرب أكتوبر كانت الصورة صعبة وشديدة التعقيد وجميع المعطيات تنحاز للعدو، فلدى اسرائيل شيك على بياض من الولايات المتحدة “الحليف الاستراتيجي” الذي يمدها بأحدث الأسلحة والمعدات وقت الحاجة وبالكم والنوع المطلوبين.
كما يمتلك العدو الغطاء السياسي المتمثل في دعم عدد من الدول الغربية ذات التأثير على المستوى الدولي، وأيضاً هناك خط بارليف الذي أجمع العالم وقتئذ على أن القنبلة الذرية نفسها تعجز عن تدميره، أضف الى ذلك آله اعلامية ضخمة تتحدث باستمرار عن أسطورة الجيش الذي لايقهرفي محاولة لتدمير الروح المعنوية للمصريين.
في المقابل كانت مصر ــ قيادة وشعباً وجيشاً ــ تضع نصب عينيها هدفاً واحداً هو استعادة ماتم احتلاله في 67 مهما كان الثمن أو التضحيات، فالأرض بالنسبة لنا تمثل العرض والشرف، وسيناء ليست مجرد رمال وجبال ولكنها كرامتنا التي جرحت في يونية وفي باطنها رفات أجدادنا الذين جادوا بأرواحهم على مر التاريخ ليبقى الوطن عزيزاً أبياً مرفوع الرأس.
كان العدو يظهر عضلاته بكل غطرسة بينما كنا نحن نعمل في صمت بل أن الخطة المصرية قامت على تغذية وتضخيم هذه الغطرسة والشعور بالزهو والايحاء للعدو بما يريد تصديقه بأننا لن نحارب أو بالأحرى لن نستطيع الحرب، وحتى المناوات والتدريبات ليست أكثر من محاولة لتهدئة الرأي العام الذي كان يضغط باستمرار مطالباً باستعادة الأرض.
ومن خلال هذه الخطة العبقرية تم تجهير قواتنا للحرب تحت سمع وبصر العدو الذي لم يفهم حقيقية مايحدث إلا وجيشنا يعبر القناة ويحدث الزلازل ليس في تل أبيب وحدها وانما في الغرب أيضاً وأجهزة مخابراته التي ترصد شيئاً وفوجئت بالانتصار الكبير الذي غير الكثير من المفاهيم الاستراتيجية بالمنطقة والعالم.
***
بعد خمسين عاماً مازلنا نستخلص العبر والدروس من الانتصار العظيم، ولعل أهم تلك الدروس التي نحتاج اليها اليوم بشدة أن أساليب الحروب اختلفت وأصبحت السوشيال ميديا أحد أهم الأسلحة في حروب الجيلين الرابع والخامس، واذا كان الأعداء يستخدمون السوشيال ميديا كأبواق لترويج الأكاذيب والتلاعب بالشعارات والمسميات لخلط الأوراق حتى يعتاد الناس الى سماع عبارات مشوهة خاصة فيما يتعلق بانتصار أكتوبر الذي مازال ينال من مراوغات وأكاذيب الإعلام الإسرائيلي رغم مضي كل هذه السنوات واعتراف قادة اسرائيل بالهزيمة الذين كانوا يصرخون طالبين النجدة من الغرب وليس أدل على ذلك من الرسالة المقتضبة التي بعثت بها رئيسة وزرائهم “جولدا مائير” ليلة العبور الى وزير الخارجية الأمريكي هنري كسينجر ومفادها “تل أبيب تحترق”.
من هنا تأتي أهمية تدشين منصة اعلامية عن الحرب لتوثيق انتصار أكتوبر منذ هزيمة يونيو 67 ومروراً بحرب الإستنزاف ثم انتصار أكتوبر العظيم، ليس لكونها وسيلة للرد على المغالطات والأكاذيب المتكررة فقط ولكن أيضاً للحفاظ على قصص وحكايات الإنتصار العظيم للأجيال الجديدة حتى لايأتي يوم تخوننا الذاكرة بينما الأعداء لايتوقفون عن التضليل والتزييف.
أيمن عبد الجواد
[email protected]