حين يدين البابا فرنسيس بابا االفاتيكان، وجوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، وعشرات الشخصيات ذات التأثير في أرجاء العالم.. حين يدين كل هؤلاء حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد المواطنين الفلسطينيين العزل في قطاع غزة.. فإن القول بأن العالم كله يقف إلى جانب إسرائيل في عملية طوفان الأقصى، وما تلاها من إعلان قادة الكيان الصهيوني عن خطوات تستهدف الإبادة الجماعية، لمواطني غزة.. هذا القول يحتاج إلى مراجعة.
إنه – للأسف – لم يصدر عن مسئول إسرائيلي، لكن صاحبه – الإعلامي العربي – يتصور أنه يدافع عن عدالة القضية الفلسطينية!
الهدف عظيم، لكن التعبير ينقصه الوعي، ما يذكرنا بمقولة الإسكندر عن الأصدقاء الذين يدعو الله أن يحميه منهم، لأنه – الإسكندر – يتكفل بمحاربة أعدائه!
العالم ليس رؤساء الغرب، ولا كبار ساسته. المعنى أكبر من أن نطلقه على أفراد أو كيانات تعمل لصالحها، وليس لصالح شعوبها، فضلًا عن صالح العالم جميعًا.
حتى الولايات المتحدة التي تدعي نصرة الحرية وحقوق الإنسان، وصف رئيسها من يناضلون لانتزاع حريتهم وكرامتهم وأرضهم بأنهم شر مطلق، وأمر بإرسال حاملة طائرات ومدمرات وذخائر ومساعدات لوجستية، كأنه يعد لحرب عالمية ثالثة، في مواجهة شعب أعزل، يعاني – في مساحة أرض هي التي تبقت من بلده – تدمير البنايات والطرق والمعابر، لإحكام حرب التجويع بمنع الماء والطعام والكهرباء، بالإضافة إلى التهديد بضرب غزة نوويًا، وعلى حد تعبير عضو في الكنيست الإسرائيلى، فإنه يجب أن تلقى على القطاع قنابل جهنم. والمعنى واضح!
إنها علاقات المصالح الشخصية، والاحتكارية، والسطو على مصائر الشعوب ومقدراتها. وهو ما يحفز المثقف المسئول على أن يحسن النظر من الزاوية الصحيحة إلى تكوينات المشهد في هذا العالم.
العالم ليس قادة آخر ما يشغلهم – أو لا يشغلهم على الإطلاق – سلامة البشرية!
العالم هو بابا الفاتيكان وأمين الأمم المتحدة وساسة وعلماء ومفكرون وصحفيون ومثقفون ينتمون إلى القاعدة الإنسانية في اتساعها، وتشمل منظمات حقوق الإنسان داخل الأمم المتحدة وخارجها، والمظاهرات التي عبر بها الشارع في أثينا وباريس ومدريد واستانبول ولندن وغيرها من عواصم العالم ومدنه عن إدانته لممارسات الاحتلال الصهيوني، ومناصرته لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
هذا هو العالم الذى تسللت الميديا الصهيونية إلى العديد من دوائر التأثير فيه. ما يفرض أن نتجه إلى التعبير الحقيقي عن العالم، التجمعات الأهلية والشعبية، لتوضيح عدالة القضية الفلسطينية، مقابلًا للزيف الإعلامي الصهيوني الذي أجاد تطويع عملاء على مستوى رؤساء الدول بمغريات ومصالح مشتركة.
نحن – باختصار وبساطة – نتوجه بإعلامنا إلى أنفسنا، إلى نحن. نعرّف أصحاب القضية بعدالة قضيتهم !.. أما الإعلام الصهيونى فهو ينطلق بالأكاذيب والدعاوى الأسطورية إلى الرأى العام العالمي من خلال سيطرة إعلامية واضحة، تشمل الكتاب والصحيفة والفيلم والمسرحية والبرنامج الإذاعى والتليفزيونى. يضع نفسه دومًا فى موضع البريء، الجزيرة المسالمة المحاطة بالأعداء.
الأمثلة كثيرة، تطالعنا بها – صباح مساء – وسائل الإعلام الأجنبية، والعربية أحيانًا.
الرأى العام العالمى بعد مهم فى أية قضية دولية، ومخاطبته تحتاج إلى استراتيجية تحسن العرض والمناقشة والتحليل، وتدحض الأكاذيب بالحقائق الموضوعية. لا يكفى شعورنا بأننا على حق وعدونا على باطل. المهم أن نؤكد حقنا – أمام الرأي العام العالمى – ونعري محاولات الإعلام المضاد.
الإعلام العربي يكتفي – حتى الآن – بالتحرك العقيم في إطار اللغة العربية، بمعنى أن معظم نشاطه يتجه إلى الداخل، إلى المواطن العربي، صاحب القضية، المتضرر الأول من سلبياتها، والمستفيد الأول من إيجابياتها، والذي يمتلك – على مستوى رجل الشارع العادى – وعيًا بقضاياه، ربما لا يمتلكه الكثيرون من المتصدين للعمل السياسى، بينما الإعلام الخارجي يعاني هزالًا شديدًا، وخفوت صوت، في مواجهة نشاط دائب للإعلام الصهيوني في امتداد قارات العالم الست.
أصحاب الحق يدركون حقهم جيدًا، ويعملون على نصرته – أو هذا هو المفروض – بكل الوسائل المتاحة. وفي مقدمة هذه الوسائل التي يفرضها عصر ثورة المعلومات، تأكيد الحق العربي مقابلا للمزاعم الصهيونية.أذكرك بقول مريد البرغوتي: ” عندما كنا فى فلسطين، لم نجفل من اليهودى، ولم نعاده. كرهته أوروبا العصور الوسطى، ولم نكرهه نحن. كرهه فرديناند وإيزابيلا، ولم نكرهه نحن. كرهه أدولف هتلر، ولم نكرهه نحن. عندما طلب مكاننا كله، ونفانا منه، أخرجنا وأخرج نفسه من قانون التساوي، صار عدوًا، وصار قويًا، صرنا غرباء وضعفاء”.أذكرك بقول رئيس الأركان الإسرائيلي إن الفلسطينيين وحوش في هيئة بشر، وقول عسكري إسرائيلي آخر، إن الفلسطينيين” صراصير سنحصرهم فى زجاجة ليأكلوا بعضهم بعضًا.
وعلى الرغم من ابتزاز الصهيونية للعالم بمزاعم عن اضطهاد النازية لليهود، فإني أذكر بآلاف المذابح التي عاناها الفلسطينيون، بداية من دير ياسين [ فى يومى 9 و10 إبريل 1977 قامت وحدات الأراجون وعناصر من الهاجاناه والبلماخ ، بقتل 250 عربياً من النساء والشيوخ والأطفال ، فى قرية دير ياسين الفلسطينية ، ودفنهم فى مقبرة جماعية، وحين سئل مناحم بيجين عن المذبحة – عقب توليه السلطة فى منتصف 1977 – قال : ” الشيء الجميل أنها لم تترك عرباً فى القرية”!. ] واستمرارًا في كفر قاسم وبحر البقر وأبي زعبل وصبرا وشاتيلا وغيرها من المذابح التى مارسها الجيش الإسرائيلي من قيام الدولة العبرية حتى الآن.
بالمناسبة، تابعت في التليفزيون، وأنا أكتب هذه الكلمات، هجوم جماعات المستوطنين على جنازة لأحد شهداء مذابح غزة، وقتل عدد من المشيعين!
*