فجأة ودون أي مقدمات يقع السيناريو العجيب المريب الذي لم يدر في أحلام أي عربي مؤيد للحق الفلسطيني أو في كوابيس الإسرائيليين ومن يساندونهم.. المئات من المقاومة يقتحمون المستوطنات ويقتلون ويأسرون دون أن تنتبه إسرائيل ــ أو هكذا يصور السيناريو ــ وبينما العالم كله يتابع ويحبس أنفاسه، كانت الاستخبارات الإسرائيلية تغط في نوم عميق ــ هكذا يصور السيناريو أيضاً ــ وبينما كان الفلسطينيون والعرب يهللون، كان قطاع لا بأس به يتخوفون من رد الفعل المتوقع والذي لم يتأخر كثيراً حيث بدأ التعامل الوحشي من قبل العدو المحتل بالصورة التي نشاهدها يومياً تجاه مدنيين مغلوب على أمرهم.
وبسرعة البرق أرسلت أمريكا حاملة طائرات هي الأحدث في العالم لدعم حلفيتهم أو ربيبتهم مع وعد بإرسال أخرى مع كافة الأسلحة والمعدات التي تحتاجها إسرائيل للدفاع عن نفسها ــ هكذا يروجون ــ ويحاولون اقناعنا
ثم ذهبت السكرة وجاءت الفكرة وظهرت نوايا العدو المحتل والمتمثلة في حلمهم القديم أو حلم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، وما لم يحدث بالخديعة والحيلة يأخذونه بالقوة تحت الضغط، فالفلسطينيون الهاربون من جحيم الضربات المتلاحقة سيتوجهون حتماً إلى سيناء ــ هكذا تخيل من وضع السيناريو ــ وقد قالها المتحدث العسكري الإسرائيلي صراحة.
لقد عبرت عن قلقي وكتبت على صفحتي بالفيس بوك من أول يوم لاقتحام المستوطنات وقبل رد الفعل الإسرائيلي على عملية المقاومة أننا بصدد سيناريو تم إعداده ويتم تنفيذه بمكر ودهاء، فإسرائيل التي تدعي أن لديها جهاز مخابرات متميز وأنها تستطيع منع برص من المرور إلى المستوطنات لم تعلم بما حدث الا بعد عدة ساعات أو علمت وغضت الطرف، وأمريكا ترسل أسلحة لإرهاب المنطقة، باعتبار أن الحرب على المقاومة لاتحتاج الى حاملات طائرات أو قبة حديدية أو المزيد من الأسلحة فإسرائيل بمثابة مخزن للأسلحة الأمريكية أصلاً.
كل ماتم من استعراض عضلات كان بهدف الردع.. ردع الفلسطينيين وتخويفهم بهدف إجبارهم على ترك أراضيهم ولو عبر سيناريو ساذج بدعوى إعادتهم لها بعد القضاء على حماس، أو ردع مصر والأردن بحاملات الطائرات الأمريكية حتى ترضخان وتقبلان الأمر الواقع، وما حاولوا التفاوض عليه خلال عقود حول مايسمى بصفقة القرن وتتمثل في تبادل الأراضي بحيث تحصل مصر على جزء من صحراء النقب وينتقل الفلسطينيون للعيش على جزء من سيناء وتنتهي القضية الفلسطينية إلى الأبد.. أقول مافشل بالتفاوض يتم الآن محاولة فرضه بالقوة وتحت ضغط القصف الإسرائيلي المتوحش.
هذا السيناريو الشيطاني فشل بسبب موقف الرئيس عبد الفتاح السيسي الوطني والصلب والذي لم تتوقعه أمريكا قبل إسرائيل، ثم خروج المصريين بالملايين في كل محافظات مصر ليطلقوا صرخة غضب وتحذير لعلهم يستوعبونها في تل أبيب وواشنطن.. الشعب المصري مسالم وصبور ولكن عندما يغضب ويفيض الكيل ينطلق كالمارد الذي خرج للتو من القمقم على طريقة القصص الخيالية وأفلام الأبيض والأسود، فيشعلها جحيماً على الأعداء، فليحذروا استفزاز المارد وقد جربوا نيران غضبه من قبل.
***
هناك أكثر من درس مستفاد مما جرى خلال الأيام الماضية، ومن الضروري أن نضعها في الإعتبار خلال تعاملاتنا المستقبلبية كدول وأشخاص .. أولها أن تسليح الجيش بأحدث الأسلحة والمعدات وتنويع مصادر السلاح ليس من باب الرفاهية ولكن لردع الأعداء وحماية القرار والإرادة المصرية، فلا عيش بلا كرامة ولا كرامة بدون قوة.
الدرس الثاني أن أمريكا ليست صديقاً للعرب كما تدعي، فالمواقف أكثر تعبيراً من الكلام والتصريحات.
الثالث: الغرب يثبت مجدداً وللمرة المليون أنه طرف غير محايد يرى بعين واحدة ويجب التعامل معه من هذا المنظور.
رابعاً: أهمية الإنضمام الى تحالفات دولية بعيدة عن سيطرة الغرب مثل “تجمع بريكس” بعد أن أكدت كل التجارب أن الغرب لايرى الا مصالحه.. اقتصادياً وأمنياً .
خامساً: خطورة وتأثير السوشيال ميديا التي تحولت الى إعلام بديل ومصدر مهم للحصول على المعلومات والأخبار، وهو أمر يستدعي اعادة النظر في استراتيجية الإعلام المصري والإستفادة أكثر من هذا اللون الخطير ولكن ليس عبر نشر أخبار الفنانين وترك الحبل على الغارب لجماهير الكرة لنشر الكراهية والتعصب.
سادساً: أثبتت الأيام الماضية أن وسائل التواصل لاعب رئيس في المعارك الحديثة “، وأعتقد أننا جميعاً ــ أو معظمنا ــ شاهد كيف تعاملت مع منشوراتنا “بوستاتنا” بتقييد وصول المنشورات للأصدقاء أو حذف بعضها تماماً اذا كانت تتحدث عن الحق الفلسطيني وسمعنا لأول مرة مصطلح “الخوارزمية”.
الموضوع واضح وضوح الشمس، ولو حضرتك بتضايقك كلمة مؤامرة فأرجو منك أن تضع التفسير المناسب لما حدث ومازال يحدث.
تحيا مصر .. وعاشت فلسطين، رغم أنف مارك والفيس بوك.
أيمن عبد الجواد