بقلم ✍️ أحمد رفاعي آدم
(روئي وأديب)
تعجز الحروف وتكبو الكلمات أن توفي شعبنا الصامد في فلسطين وأهلنا الأحرار في غزة حقهم، فلا وصف يليق بصمودهم، ولا ثناء يبلغ شرف بطولاتهم، وإنهم ليصدق فيهم قول الله عز وجل: (من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلاً) صدق الله العظيم.
ورغم جراحهم التي تنزف وأوجاعهم التي يتقطع لها نياط القلب نجد أنفسنا عزيزةً بنصرهم ونفوسنا شامخةً بجهادهم، وأرواحنا متحررةً بعزتهم وصبرهم. لقد سطَّر الفلسطينيون -ولا زالوا- واحدة من أعظم ملاحم العروبة بعد نصر ٦ أكتوبر ١٩٧٣، حتى أننا بتنا على يقين من أنه مهما كانت نهاية هذه الحرب فإن الحقيقة التي لن يكذبها ذو بصر وعقل وبصيرة هي أن فلسطين انتصرت ونسفت الفقاعة الصهيونية المكذوبة إلى غير رجعة.
ولقد عجبتُ لمن يدعي معرفته بغيره وهو يعجز عن معرفة نفسه، فإن الإنسان حتى الآن لم يستطع أن يعرف نفسه، وإنما يعرف جوانب يسيرة منها، و لذلك وجهنا الله عز وجل في كتابه الكريم إلى التبصير والتدبير والتأمل في شئون أنفسنا بقوله (وفي أنفسكم أفلا تبصرون)، كما نادى فلاسفة الأرض وحكماؤها بضرورة أن يعرف الإنسان نفسه بنفسه.
أقول ذلك لهؤلاء الذين طالما أدعوا معرفتهم اليقينية بأخلاق الغرب وآمنوا إيماناً لا يتزعزع بمبادئه وقوانينه ودساتيره، فجعلوا منه كعبة يمموا وجوههم شطرها، وحرصوا على الحج إليها. لكن يأبى الله إلا أن يكشف قبح ذلك الغرب مدعي الإنسانية والحضارة والأخلاق ويكشف زيف تعاليمه وقيمه ومبادئه في هذه الحرب العصيبة.
كيف لا وقد شاهد العالم بكل أطيافه وعقائده وتعاليمه نفاق أمريكا وأوروبا وشهد أحرارُه على أكاذيبِ قادة الغرب وبغض نواياهم تجاه شعب فلسطين الأعزل.
لقد سقط قناع الغرب إلى غير رجعة -آملُ ذلك- وظهرت أخلاقه البربرية على حقيقتها، وقد آن الأوان لندرك ذلك جيداً. إنهم لا يعرفون إنسانية غير إنسانية شعوبهم، ولا يعترفون بحقوق إنسانٍ إذا لم يكن من بني جلدتهم، وليس هناك حق غير الذي يرونه في مصلحتهم، وليس هناك عدل إلا الذي ترجح به كِفتهم. فأين الأخلاق في ذلك؟ يُقتَل الأطفال والنساء والشيوخ العزل فيبررون أن المحتل له حق الدفاع، تُنسَف مستشفى المعمداني ويستشهد المئات فيها فيختلقون الأكاذيب أن الفاعل ليس إسرائيل، تُمارَس الإبادة الجماعية على مرأى ومسمع من حكوماتهم فلا يكلفون أنفسهم عناء الرفض للمجازر ولا التنديد بتردي الوضع الإنساني! أبَعْدَ كلِّ هذا نَعمى أن نرى حقيقتهم الهمجية ومبادئهم العنصرية؟ والله لا يكون ذلك إلا من أحمق!!
خلاصة القول؛
لقد كشفت الحرب الظالمة على غزة حقيقة الدول الغربية وعرَّت وجوههم القبيحة أمامنا، فلا سبيل بعد الآن إلى التعلق بحبائلهم، ولا حاجة للسعي من أجل الدخول في ركابهم. ليس علينا سوى أن نتعرف على أنفسنا لندرك عظيم سجايانا وجميل أخلاقنا فنشحذ الهمم ونعلنها ثورة على الفشل والكسل والتراخي والتشبه بالغرب المخادع، إنها فرصتنا القوية لننهض بأجيالٍ طاشتْ عقولُها وتخبَّطَتْ أولوياتها وانحرفتْ سلوكياتها. إنَّ الحرب على غزة وعزة المجاهدين فيها وبطولات المدنيين هناك فرصة سانحة لنعيد الأمة على الطريق الصحيح، فنبني من جديد؛ نبني تعليماً يشبهنا، ومصانع تنتج لنا، وعلوماً تحقق غاياتنا، ونجاحات تضعنا من جديد على جادة الطريق نحو المستقبل. إنَّ الحرب على غزة فرصة لن تكرر أمامنا كعرب لنتحد؛ نتحد فيساعد قوينا الضعيف فينا، ويعطي غنينُا الفقير منا، ويُعَلِّم عالِمُنا الجاهل بيننا! فإننا أقوى إذا اتحدنا .. إنها الحقيقة التي لا يعلمها سوى الغرب ولذلك تراهم لا يَضِنُّون بجهدٍ ولا يبخلون بمالٍ ليحولوا بيننا وبين ذلك. فإنهم وإن كانوا يسعون لتشتيتنا فقد آن الأوان لنعرف أنفسنا وندرك حقيقة ذواتنا ونفطِن لضرورة إعتمادنا على أنفسنا.. حفظ الله مصر وفلسطين، وكل العرب.
تحية إجلالٍ وتقدير لكل الشهداء وهنيئاً لهم أفراحهم في جنَّاتِ السماء.