فكرة غرس الوعي الحضاري وتأصيل الهوية المصرية وتدعيم أركانها أصبح وأمسي ضرورة وطنية وقيمية، لتجنب مفرزات عصرالحداثة والعولمة ودعوات التمرد علي الهوية والتحلل من الجذور.
وهناك حقائق ينكرها بعض المغرضين من سقم ،تشي بأن مصر المحروسة ذات هوية أصيلة وخصوصية متنوعة تجمع بين روح الحضارة الفرعونية المتفردة وعظمة الرسالة الإسلامية السامية بسماحتها ووسطيتها ونقاء سجايا وأدبيات أقباط مصر، وشرايين لقلب العروبة وبوابة القارة السمراء ،فتشكلت هوية خاصة صلبة لها أصول وروافد قوية ومتجذرة ومرموقة.
ومن آن لآخر يخرج بعض المرجفين في المحروسة يشككون في هوية أم ادنيا ويحاولون إختلاق الأزمات وتعكير صفو الأجواء بين عنصري الأمة من المسلمين والأقباط ، تحت دعاوي عديدة لها أهداف مستترة.
ولاشك أن هؤلاء المغرضين والمشككين في هوية مصرالثقافية والحضارية ينفذون أجندات مشبوهة تحت ستار التنوير وإيقاظ الوعي والتحديث والعصرنه وغيرها.
والراصد الأمين للاحداث سيري أنه علي مدار أحداث التاريخ القديم والمعاصر نجحت مصر بوحدتها الوطنية وهويتها العتيقة، وعقيدتها القوية الراشدة في تجاوز محن وصعاب ومحطات متشابكة كادت تعصف بالوطن.
وفي هذا السياق وسدا للطريق علي المتشاحنين وخلال لقاء لهما مؤخرا للتهنئة بعيد الأضحي المبارك اتفق شيخ الأزهر والبابا تواضرس علي ضرورة العمل سويا للحفاظ علي الهوية الوطنية وإطلاق حملات توعوية تثقيفية لمواجهة محاولات التغريب والإنسلاخ من الهوية العربية، ورفع الوعي لدي أبناء الوطن جميعا وخاصة الشباب والأجيال الجديد وإعادة المجال التربوي الأخلاقي لمساره الصحيح وحماية المجتمع من الأفكارالشاذه التي لاتناسب طبيعة المجتمع المصري والشرقي دينيا وأخلاقيا، ورفض أي ثقافات أو ممارسات شاذة لايقبلها الدين ولا العرف ولا النفس البشرية السوية.
أما الدعوات الغريبة لإلغاء خانة الديانة ببطاقة الرقم القومي التي يطالب بها بعض المثقفين فقد حسم القضية وزير العدل المستشارعمر مروان مؤكدا أن خانة الديانة هي إثبات رسمي للديانة،وهيأمرمهم لترتيب الحقوق المدنية للمسلمين والأقباط كالزواج والميراث والطلاق وغيرها.
ويري البعض أن صراع الهوية في مصر أصبح معضلة كبري،وصراعا عبثيا وإشكالية تاريخية، لكن هؤلاء لم يتعلموا دروس التاريخ ولم يستوعبوا تنوعها وطابعها التعددي ، وستظل مصر حاضنة لهوية متنوعة من طبقات حضارية تراكمت على امتداد تاريخها.
ويبدو أن هؤلاء لم يقرأوا تلك الحكمة التي خرج بها الكاتب الإنجليزي جون نيوبري بعد أن راجع خصائص الطبقات الحضارية المصرية، حيث قال: ” إن مصر وثيقة من جلد رقيق، الإنجيل مكتوب فيها فوق هيرودت، وفوق ذلك القرآن، وتحت الجميع لا تزال الكتابة القديمة تقرأ بوضوح وجلاء”.
وقد حلم مفكرون وساسة أن تكون القاهرة قطعة من أوربا حتى في معمارها، مثل باريس أو لندن، أوإسلامية شكلا ومضمونا ، أو تحتفظ أن بطابعها الفرعوني الفريد ، لكنها في حقيقة الأمرهجين أصيل يجمع كل ما هذه الروافد من خير وجمال.
وفي تصوري أن إثارة المعارك الفكرية حول هوية مصر هو أمر مفتعل ، وخيوط سوداء تحركها أياد خبيثة للنيل من وحدة وإستقرار الوطن.
مصرالآن تنطلق إلي الأمام ودشنت مؤخرا الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان لتأصيل للكرامة الإنسانية ومبدأ المواطنة وحرية التعبير السلمي، واعتقد أن هناك ضرورة قومية لإضافة بعد جديد أو محور يتضمن ضرورة تعزيز وتحصين الهوية الوطنية باعتبارها أهم محددات الشخصية الوطنية الراشده، وما لها من حقوق وواجبات ، في إطار المسئولية الإجتماعية وفي سياق وطني منضبط.
ويبقي أهم محددات صيانة الهوية الوطنية هو إعادة بناء الوعي باعتبارها قضية محورية في حياة الشعوب وتنشيط الذاكرة الوطنية التي تعرضت لمحاولات المحو والشطب والتغيير أو التغييب والتضليل والمحاولات المستمرة للتغريب والإختطاف، علاوة علي الكسل والخمول واللامبالاه.
إن تعزيز ثقافة بناء الوعي القيمي والحضاري والإعتزاز بالقيم الحضارية المصرية كفيل ببث روح الأمل وتحصين وجدان الأمة لمجابهة دعوات التنصل من الموروث والتطرف والتضليل الفكري والإنحراف الثقافي.