أصدر المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية “دراية” تقريراً رصد من خلاله أبرز محطات الدبلوماسية الإنسانية المصرية في الفترة من 2014 حتى 2023، والتي باتت أحد أهم ملامح الدبلوماسية التي تنتهجها الدولة المصرية الحديثة في علاقاتها الدولية وتستهدف من خلالها فى المقام الأول بناء السلم والأمن العالميين وحماية الإنسان وتأمين احتياجاته، لاسيما وقت الأزمات والمحن التي تمر بها شعوب العالم.
يشير د. صلاح هاشم رئيس منتدى “دراية” أن الدولة المصرية لها باع كبير قديماً وحديثاً فى تقديم المساعدات الإنسانية للشعوب المنكوبة فى جميع دول العالم، فالتاريخ الإنساني يشهد لمصر بالريادة فى مجال الدعم والإغاثة لمختلف شعوب العالم، والتي أبرزت الوجود الإقليمي والدولي للدولة المصرية وساهمت بصورة مباشرة فى بناء صورة ذهنية داخلية وخارجية عن مصر كدولة رائدة فى مجال المساعدات الإنسانية.
يؤكد “هاشم” أن مصر بنهجها الدبلوماسي الإنساني تحرص على تقديم كافة سبل الإغاثة والمدد والمساعدة لكافة دول العالم في محيطها العربي والإقليمي والدولي وبخاصة فى أوقات المحن والأزمات، فعلى المستوى العربي تعد دولة السودان الشقيقة أكثر الدول استقبالاً للمساعدات الإنسانية المصرية، ففي أبريل من العام الجاري 2023 وأثناء الأزمة السودانية السياسية الأخيرة سارعت الدولة المصرية لتهدئة الأوضاع وتقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية للشعب السوداني، حيث وجهت القيادة المصرية بإرسال طائرتي نقل عسكريتين إلى مطار بورتسودان محملتين بأطنان من الشحنات الطبية، بالإضافة إلى سفينة إمداد أخرى تابعة للقوات البحرية المصرية والتي وصلت إلى ميناء بورتسودان ومحملة بمئات الأطنان من المواد الغذائية والإعاشية والمستلزمات الطبية، إلى جانب الجسر البري الذي سيرته مصر بكافة أشكال المساعدات الإنسانية والإغاثية للأشقاء السودانيين أثناء أزمة السيول التي يتعرضون إليها سنوياً، بالإضافة إلى المساعدات الصحية لمواجهة تداعيات جائحة كورونا ومرض الملاريا، حيث أرسلت مصر أكثر من 182.5 طن من المساعدات الطبية إلى السودان، تشتمل على نحو 21.5 طن ألبان أطفال، و161 طنا من الأدوية بكافة أنواعها، ومحاليل، ومستلزمات طبية وجراحية ووقائية، هذا وتقدم مصر نحو 10 منح دراسية سنوًيا للأطباء السودانيين ضمن برنامج الزمالة المصرية، كما أتاحت بروتوكولات عالج فيروس “سي” للجانب السوداني للاستفادة منها، وتم تفعيل نظم الترصد والتحكم للأوبئة بين البلدين.
أشار هاشم أن الدولة المصرية كانت ولا تزال وعلى مدار عقود طويلة الداعم الأكبر للقضية الفلسطينية، سواء على المستوى الدبلوماسي أو الإنساني، فبعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي المسئولية فى 2014، حرصت القيادة المصرية على فتح ملف إعمار غزة، وبذلت جهوداً كبيرة فى هذا الإطار.
أوضح أنه في أكتوبر 2014، أطلقت مصر المرحلة الأولى من مؤتمر القاهرة لإعمار غزة بمشاركة 30 دولة و18 منظمة إقليمية ودولية، إذ تم تخصيص نحو 5.4 مليار دولار للفلسطينيين، نصفها لإعادة إعمار القطاع والباقي لتقديم مختلف الخدمات للشعب الفلسطيني، وفي مايو 2020 وأثناء جائحة كورونا، أرسلت مصر عدد من شحنات الدعم والمساعدات الإنسانية إلى الأشقاء الفلسطينيين متضمنة مئات من الأطنان من الأدوات والمستلزمات الطبية بقيمة تصل لنحو 14 مليون جنيه، فضلاً عن تجهيز نحو 11 مستشفى ميداني في 3 محافظات لاستقبال المصابين، كما تم الدفع بنحو 165 سيارة إسعاف مجهزة بعناية مركزة وتنفس صناعي، فضلاً عن تطوع 1200 طبيب لعلاج المصابين.
في الإطار نفسه أيضا أشار تقرير “دراية” أن مصر قدمت أضخم قافلة مساعدات اشتملت على نحو 130 شاحنة محملة بعدد 2500 طن مواد غذائية، وأدوية، وألبان أطفال، وملابس، ومفروشات، وأجهزة كهربائية، وغيرها من المواد المتنوعة المقدمة من خلال صندوق تحيا مصر، الذي خصص بدوره حسابا بنكيا للمساهمة في إعادة إعمار غزة، بالإضافة إلى الدعم المصري المطلق للسلطة الفلسطينية في مواجهة تداعيات جائحة كورونا، والجهود المصرية الدبلوماسية والإنسانية الحثيثة في العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة.
أشار هاشم أن جسور المساعدات الإنسانية المصرية للأشقاء في الوطن العربي متعددة وممتدة، فمصر لم تدخر جهداً في مساعدة الشعب الليبي الشقيق في أزمة إعصار “دانيال” الأخيرة، فكانت مصر أول الداعمين للأشقاء الليبيين في تلك الأزمة وأعطت القيادة السياسية المصرية توجيهاتها المباشرة للقوات المسلحة بالبدء في تنفيذ خطة متعددة المحاور لدعم السلطات الليبية في مواجهة التحديات الناجمة عن تلك الكارثة، فضلاً عن المساعدات الإنسانية التي قدمتها مصر للشعب المغربي الشقيق في أزمة الزلازل الأخيرة التي تعرضت إليها دولة المغرب في نفس الأثناء.
ذكر تقرير “دراية” أن المساعدات الإنسانية التي تقدمها مصر في نطاق محيطها العربي امتدت من أقصى غرب الوطن العربي لشرقه حيث مدت مصر يد المساعدة لدولة لبنان الشقيقة بعد انفجار مرفأ بيروت، كما قامت مصر بإرسال مئات من الأطنان من كافة المساعدات الإغاثية والإنسانية والطبية أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا مطلع العام الجاري، واستعرض تقرير “دراية” كافة المساعدات الإنسانية والطبية التي قدمتها مصر للعديد من الأشقاء في الدول العربية كالأردن وجيبوتي واليمن وليبيا وتونس والعراق … وغيرها، لمواجهة تداعيات جائحة كورونا في ذروتها عامي 2020، 2021.
أكد رئيس منتدى “دراية” أنه وبحكم التزامات مصر التاريخية والاستراتيجية تجاه محيطها الإفريقي، وسعي قيادتها السياسية لإعادة الدور الرائد للقاهرة فى القارة السمراء، قدمت مصر المساعدة والدعم للشعوب الإفريقية في مواقف ومحطات عدة، يأتي أبرزها دعم مصر لدولة غينيا الاستوائية لإغاثة ضحايا التفجيرات التي شهدتها مدينة باتا خيل في مارس 2021 على المستوى الإنساني والطبي، فضلاً عن المساعدات الإنسانية التي قدمتها الحكومة المصرية لدولة جنوب السودان في الأزمات المختلفة التي تعرضت إليها كأزمة المجاعة التي تعرضت إليها دولة جنوب السودان عام 2017، وأزمة السيول والفيضانات التي ضربت دولة جنوب السودان في أغسطس 2021.
كانت مصر قد أرسلت ثلاث طائرات عسكرية محملة بمئات الأطنان لجنوب السودان من المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية والبطاطين والأدوية والمستلزمات الطبية، إلى جانب المساعدات الطبية والدوائية للتغلب على فيروس كورونا في مايو 2020، حيث قامت مصر وانطلاقاً من مسئوليتها الإنسانية تجاه أشقاءها بالقارة الإفريقية التي تنتمي إليها، بتقديم العديد من المساعدات الطبية والدعم الصحي لدول أوغندا والكونغو وزامبيا ومالي.. وغيرها.
أكد هاشم أن جهود الدبلوماسية المصرية الإنسانية لم تقف عند هذا الحد بل امتدت المساعدات المصرية لتصل للعديد من دول العالم على النطاق الدولي وبخاصة أثناء الأزمات والكوارث التي تعرضت إليها، ففي يونيو 2022 وعقب الزلزال المدمر الذى وقع بالمنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان، قامت بمصر بتقديم الدعم والمساعدة اللازمة أفغانستان، حيث أرسلت جمعية الهلال الأحمر المصرية فريقاً إغاثياً لأفغانستان للوقوف على الاحتياجات العاجلة وبحث سبل الدعم والتعاون، فضلاً عن شحنة من المعونات الإغاثية العاجلة ، شملت مواد إغاثية، وبطاطين، ومستلزمات طبية وأدوات نظافة.
أشار تقرير “دراية” أنه وفي فبراير 2023 وبعد تعرض تركيا لزلازل مدمر وجهت القيادة السياسية المصرية بضرورة تقديم كافة أوجه العون والمساعدة الإغاثية الممكنة للحكومة التركية، حيث تم إرسال طائرتين عسكريتين محملتين بأطنان من المواد الإغاثية والطبية، والمساعدات الإنسانية العاجلة، إلى الشعب التركي، وأثناء ذروة جائحة كورونا التي اجتاحت دول العالم المختلفة عامي 2020 و2021.
كانت توجيهات القيادة المصرية لوزارة الصحة وكافة الجهات المعنية بضرورة تقديم المساعدات والمستلزمات الطبية للعديد من دول العالم كالصين التي استقبلت طائرة عسكرية مصرية محملة بنحو 10 أطنان من المستلزمات الوقائية تتضمن الكمامات والمطهرات الكحولية، فضلاً عن الولايات المتحدة الأمريكية التي استقبلت هي الأخرى طائرة عسكرية محملة بشحنة من المساعدات المصرية الطبية والبدل الواقية لمواجهة تداعيات فيروس كورونا وارتفاع معدلات الإصابة والوفيات آنذاك.
في السياق نفسه أشار هاشم إلى أن جهود الدبلوماسية المصرية امتدت لتصل الهند، ففي مايو 2021 أرسلت مصر 3 طائرات نقل عسكرية محملة ب 30 طنًا من الأجهزة والمستلزمات الطبية لمساعدة الحكومة الهندية في مجابهة انتشار فيروس كورونا، بالإضافة إلى إيطاليا التي امتدت إليها يد المساعدة المصرية، حيث وجهت القيادة المصرية في إبريل 2020 بإرسال طائرتين عسكريتين إلى إيطاليا، محملتين بأطنان من المستلزمات الطبية والبدل الواقية ومواد تطهيرية، لتخفيف العبء عن الشعب الإيطالي في ظل النقص الحاد لديه في الأدوية والمستلزمات الطبية وقت تفاقم أزمة كورونا وارتفاع معدل الإصابات والوفيات.
أفاد رئيس منتدى “دراية” أن تلك المحطات الإنسانية التي رصدها التقرير والذي تم نشره مؤخراً تؤكد على أن الوجه الإنساني للدبلوماسية المصرية منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي المسئولية بات أحد أهم الأدوات التي تعتمد عليها الدولة المصرية لتعزيز دورها الريادي على الصعيد العربي والإفريقي والدولي.