استدرجته إلى المنزل .. وضعته فى البرميل.. وأخفت الجثة فوق السطح
خرجت تبحث عنه مع أسرته .. وكاميرات المراقبة كشفت الجريمة
الأقصر : عبدالرحمن أبوزكير :
تجردت ربة منزل بإحدى قرى محافظة الأقصر، من كافة المشاعر الإنسانية، وتحولت إلى شيطانة في هيئة إنسان، بعدما دفعتها نار الغيرة لتزهق روح طفل صغير لم يتجاوز الخامسة من العمر، لا لشيء سوى محاولتها أن تطفئ نار الحقد المشتعلة في صدرها تجاه شقيقة زوجها – والدة الطفل الضحية – .
كان الطفل إبراهيم سيد حساني، البالغ من العمر خمس سنوات، يخرج من منزلهم في كل يوم ليقضى يومه في اللعب مع أبناء أخواله بمنزل جده الكائن بالقرب من منزلهم في ذات الشارع الذي تقيمه به أسرة الطفل “إبراهيم”، ويعود من وقت لآخر خلال ساعات النهار ليبث الطمأنينة في قلب والديه وهما يوزعان الابتسامات للطفل الذي لم يلبث قليلًا ويعود إلى منزل جده مرة أخرى قبل أن يعود ليلًا لينام في حضن والديه.
وفى ساعة مبكرة من الصباح، استيقظت والدة الطفل وأدارت – الغسالة – لتغسل ملابس أفراد الأسرة، ما جعل الطفل يستيقظ على صوت الغسالة، وبعد أن جلس في منزلهم لوقت قصير تناول خلاله وجبة الإفطار، ومع سطوع شمس النهار؛ خرج الطفل كعادته في كل يوم متجهًا إلى بيت جده ليقضي يومه في اللعب مع أبناء أخواله .
وبعد أن انتهت والدة الطفل من غسيل الملابس وترتيب بيتها، ذهبت لتحضر طفلها من بيت جده بعدما غاب عنها ساعات، وبعد أن دخلت إلى المنزل وسلمت على من فيه، بادرت بالسؤال ” فين إبراهيم ؟! ” .. وهى تظن انه يلعب مع الأطفال في أى ركن من أركان المنزل أو خرج لشراء حلوى من السوبر ماركت، ولكن الرد الذي ألقى على مسامعها كان كفيلًا لإثارة القلق وبث الرعب في قلبها، حيث أخبروها بان ” إبراهيم ” خرج منذ وقت طويل وقال أنه ذاهب إلى منزلهم .
هبت الأم من مكانها فجأة وهى تنفى رؤية ابنها منذ الصباح، فخرجت مسرعة إلى المنزل تبحث في كل ركن، ولحق بها من كل من كان في منزل جد الطفل، جميعهم يظنون أن الطفل ربما داخل المنزل وأخذته سنة من النوم دون أن تراه والدته، لكن عمليات البحث لم تتوصل إلى أى أثر للطفل.
“ابنى فص ملح وداب” .. هكذا قالت والدة الطفل “إبراهيم” بعدما فشلت في العثور عليه داخل منزلهم أو في منزل جده، لتبدأ بعدها رحلة بحث أعمق في كافة أنحاء القرية، وقد توزع الأهل والأقارب في كافة الشوارع للبحث عن الطفل، بينما توجه آخرون إلى الزراعات لعلهم يجدون أثر للطفل، ولكن دون جدوى.
مرت ساعة تليها ساعة، والوقت يمر ببطىء شديد، والجميع في مركز نجع العقاربة بمركز الطود بمحافظة الأقصر يبحث عن الطفل، ولكن دون جدوى، ولما جن الليل لم تتوقف عمليات البحث، فقلب الأم والأب يشتعل نارًا، وصراخ الأم يشق هدوء القرية حتى خرج جميع من فيها يساعد الأسرة في البحث عن الطفل.
مرت الساعات، والعداد يسجل مرور خمسة أيام على تغيب الطفل، الأمر الذي دفع والد الطفل للتوجه إلى مركز شرطة الطود وتحرير محضر بتغيب نجله، لتبدأ مباحث المركز على الفور في التحري حول الواقعة التى أصبحت لغزًا حير جميع سكان نجع العقاربة .
بدأت المباحث في الاستماع إلى أقوال أسرة الطفل حول ظروف وملابسات تغيبه، ثم بدأت بعد ذلك العمل ميدانيًا من خلال تفريغ كاميرات المراقبة الموجودة في المنطقة ومحيط المنزل، ليكتشف رجال الشرطة من خلال تفريغ الكاميرات أن الطفل دخل بالفعل منزل جده ولكنه لم يخرج منه للعودة إلى منزل والده.
كان الأمر صادمًا للجميع .. كيف ذلك والأسرة لم تترك ركنًا في المنزل إلا وتم فحص، حتى الأسرة والدواليب كانت محل فحص من الجميع دون العثور على الطفل .. ولكن المفاجأة التي أذهلت الجميع هي العثور على الطفل أعلى سطح المنزل !!
نعم .. عثرت الشرطة على الطفل فوق سطوح المنزل، ولكن جثة هامدة !!
تفاصيل الكشف عن جثة الطفل كانت محزنة وصادمة للجميع .. فقد عثر ضباط المباحث على جثة الطفل ملقاة داخل برميل “مش” وفوق عدد 6 برطمانات مش صغيرة، وأعلى غطاء البرميل قطع من العيش الناشف المختلطة ببعض الأتربة التى وضعت على الغطاء لتبعد أى شبهة ويبدو البرميل وكأنه لم يفتح منذ وقت بعيد.
أخرجت أجهزة الأمن الجثة من برميل المش، مع إخطار النيابة العامة بالواقعة والتى انتقلت على الفور لمعاينة الجثة، وأمرت بنقلها إلى المستشفى مع انتداب الطبيب الشرعي لتشريح الجثة وبيان سبب الوفاة، وطلبت تحريات المباحث حول الواقعة .
واصلت مباحث المركز جهودها لكشف ظروف وملابسات الواقعة المؤسفة، وبعد الاستماع إلى أقوال معظم أفراد الأسرة، لاحظت جهات التحقيق حالة الارتباك التي تسيطر على زوجة خال الطفل المجنى عليه، وتدعى “أميرة.أ.م” البالغة من العمر 31 عامًا، فنظراتها شاردة وتلعثمها في الكلام كان دافعًا لتضييق الخناق عليها وهى تحاول أن تنفى مشاهدتها للطفل في ذات اليوم وقالت: ” إبراهيم ده انا كنت اعتبره ابني .. انا مشفتوش في اليوم ده لأنى كنت بعمل شوية حاجات في شقتي.. وقلبى وجعنى عليه لما عرفت انه خرج من البيت وتاه .. وانا مكنتش بنام الليل زي أمه بالظبط وانا بدعى يرجع تانى “.
ظنت زوجة خال الطفل، أن كلامها سيمر مرور الكرام، وتحاول أن تظهر بـ 100 وش، وهى لا تعرف أن جهات التحقيق تراقب لغة جسدها قبل كلامها، فكلما تحدثت؛ زاد التلعثم وهى تحاول أن ترتب كلماتها المدهونة بماء الكذب .. وأمام موجة الأسئلة التي وجهت لها، وجدت ” أميرة ” نفسها أمام سؤال مباشر بأنه تقف خلف هذه الجريمة، وهى تنكر وتنهار في البكاء، ولكنها لم تصمد كثيرًا لتكشف عن وجهها الحقيقي وتقر بارتكاب الواقعة وأنها قامت بإلقاء الطفل في البرميل بعد أن زرعته مثل البصل، رأسه لأسفل ورجليه لأعلى، وذلك بعدما تحولت “أميرة” إلى مجرمة غلبت الشيطان بفعلتها النكراء.
حاولت أميرة أن تهرب من الجريمة، وهى تقول “أنا مش عارفة عملت كده ازاى .. أنا في واحدة كانت عاملة لي سحر وبتخلينى أتصرف تصرفات مش طبيعية ” .. إلا أن هذه الحيلة الكاذبة لم تشفع لها، وما بين محاولة الانكار والعودة للاعتراف، كشفت التحقيقات قيام المتهمة باستدراج الطفل بزعم اعطاءه حلوى ثم كتمت أنفاسه ووضعته في برميل المش أعلى سطح المنزل، حتى لا تظهر الرائحة وتتحلل الجثة مع الوقت دون أن يشعر أحد ولا تترك أثر لجريمتها، وهى لا تعلم أن المولى عز وجل بالمرصاد .. وتم التحفظ على المتهمة بعد تحرير المحضر رقم 5590 لسنة 2022 جنايات الأقصر.
لم يصدق والد ووالدة الطفل أن تكون “أميرة” هى مرتكبة الواقعة، حيث أشارا إلى قيامهما بالعطف عليها وسداد ديونها بعد أن تورطت في الحصول على مبلغ مالى لم تفلح في سداد، ولم يتخيل الأبوين أن يكون الجزاء قتل فلذة كبدهما.
النيابة العامة صرحت بدفن جثة الطفل بعد ورود تقرير الطب الشرعى، وأمرت بحبس المتهمة على ذمة التحقيقات.. وانتهت النيابة العامة في تحقيقاتها إلي إحالة المتهمة إلى محكمة الجنايات في القضية التي حملت رقم 5590 لسنة 2022 جنايات مركز الأقصر، والمقيدة برقم 1154 لسنة 2022 كلي الأقصر.
وبعد تداول القضية التي دارت أحداثها في شهر أغسطس من عام 2022، والتى شهدت جلسات ساخنة حاولت خلالها المتهمة أن تغير جلدها وتظهر بـ 100 وش وهى تنكر علاقتها بالواقعة وتردد أن هناك سيدة أخرى قامت بعمل سحر لها جعلها تتصرف بلا وعي ، ولكن المحكمة انتهت إلى إصدار حكمها الرادع بإعدام المتهمة شنقًا بعد موافقة فضيلة المفتى.
أصدر الحكم المستشار محمود عيسى سراج الدين، رئيس المحكمة، بعضوية المستشارين تامر ثروت شاهين، والمستشار طارق عبدالفتاح عمر، والمستشار ماجد محمود حميدة، والمستشار أحمد محمد الداوودي، وأمانة سر كل من حسن عبد الراضي، وأحمد الطاهر.
وعقب سماع الحكم تعالت هتافات أسرة الطفل المجنى عليه ” الله أكبر .. الله أكبر .. يحيا العدل ” وقال والد الطفل: “الحمد لله حق ابنى رجع .. الحمد لله الشيطانة أخدت عقابها” .. وفى المقابل انهارت المتهمة في البكاء حتى سقطت على الأرض؛ قبل أن يتم اقتيادها إلى محبسها مرة أخرى لتواجه مصيرها المحتوم.