بقلم ✍️ أ.د عصام محمد عبدالقادر
(أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس كلية التربية بنين بالقاهرة جامعة الأزهر)
الخبراء يسعون دوما للكشف عن مستويات جوانب التعلم لدى المتعلم بواسطة أدوات متنوعة تستهدف قياس مجالات التعلم المعرفية والمهارية والوجدانية، وهذا الأمر يصعب تحقيقه بعيدا عن التقويم البديل؛ حيث يسعى هذا النمط من التقويم لرصد الواقع الفعلي، من خلال وظيفية البنى المعرفية والمهارات وأبعاد الوجدانيات التي تبدو ملامحها على المتعلم من ميول علمية وحب استطلاع علمي واتجاهات نحو المادة ومن يكسبه خبراتها، ومتبقى عناصر العملية التعليمية.
وتكمن وظيفية خبرة التعلم في مدى مقدرة المتعلم على ممارسة مجالاتها؛ حيث يمكنه حل المشكلات أو القضايا التي تعرض عليه بأسلوب علمي يقوم على النظامية في وقت ما، وعلى الابتكارية في وقت أخر، ويبدو التباين في مدى توافر الخيارات المطروحة من عدمه.
وفي البيئة التعليمية المنضبطة نقرر عبر أهداف واضحة ماذا نريد من المتعلم أن يمارسه؛ بغية اكتساب الخبرة التي نود أن يتحصل عليها أو يمتلكها؛ لتضاف إلى رصيده التعليمي، وهذا الأمر لا ينفك قطعًا عن تحديد أدوات الرصد والقياس، والتي تمكننا من مدى معلومية مستوى الخبرة لديه، وتقرر نمط التعزيز المناسب حال التمكن، والتغذية المرتدة حال التعثر، أو الخطأ النسبي، أو الإخفاق الكلي، وهذا تنعكس دلالته المباشرة على الأستاذ؛ ليستفيد من تلك الأحداث؛ حيث يطالع أدائه من خلال فلسفة التقييم الذاتي.
وهنا نفكر مليا في مجالات الخبرة المقدمة للمتعلم؛ لنرى هل يطغى مجال على آخر؟، أم هناك تكافؤ في التناول، وعندما تدعو الضرورة للتباين؛ فما المعايير التي ينبغي مراعاتها؟، وقد يرد تساؤل آخر يتمثل في: ما مدى اتساع نطاق الخبرة بالنسبة للمتعلم؟، وهنا يلزم أن نتأمل جوانب عدة كي نتمكن من الإجابة عن هذه التساؤلات.
وطغيان تناول مجال عن آخر في سياق الخبرة أمر تحكمه طبيعة هذه الخبرة، وما لدى المتعلم من خبرات سابقة تتسق معها أو ترتبط بها، وفي التقويم البديل الأفضلية للجانب المهاري في طغيانه على الجانبين الأخرين؛ لأنه يزيد من فاعلية المتعلم ويعظم من أدواره ويجعل التعلم أكثر واقعية؛ بالإضافة إلى الزيادة المطردة التي تنال المجالين الأخرين؛ فيصعب أن يصل لمستوى الإتقان في الجانب المهاري بعيدًا عن معرفة غير مشوبة ووجدان يحث على بذل الجهد لمزيد من التعلم.
إن قياس مجال بعينه لدى المتعلم يعطي دون شك تقديرًا منقوصًا، وحرصنا على اكساب المتعلم خبرة التعلم مكتملة، يستوجب الاهتمام بتصميم مهام أنشطة تعليمية تستهدف مجالاتها المختلفة؛ لنضمن مقصودية الممارسة التعليمية، ونبتعد عن نمط التلقين الذي نحتاج الحفظ والاستظهار منه في حيز ضيق، ومن ثم نطلق عنان التفكر بمهارات متعددة ومتنوعة وفق أنماطه التي تتناسب مع طبيعة الخبرة التعليمية.
وحري بالذكر ضرورة أن تتوافر في أذهاننا المستنيرة كمهتمين ومربين وقائمين على إكساب الخبرة لدى جيل سوف يتحمل المسئولية في وقت ما أقربه، معايير حاكمة لصورة الخبرة التي نستهدف أن يمارسها ويتحصل عليها المتعلم، ويتضح ذلك من دقة تصميم المهارة أو المهمة التي يؤديها المتعلم لتعبر أو تكشف عن كفاياته، أو مهاراته، أو خلفيته المعرفية، أو مقدرته التأملية، ويترجم هذا كله نتاج الخبرة بشكل وظيفي قابل للملاحظة والرصد، وهذا ما يوجب آليات التقويم البديل التي نحن بصدد الحديث عنها.
وجميعنا يعاني من الاعتماد الرئيس في اقتصار التقويم على الجانب المعرفي في مستويات محددة، وحل تلك القضية يقوم على قناعة كبرى بأهمية التقويم البديل واعتماد أدواته في قياس وتقييم وتقويم وتصنيف المتعلمين؛ لنحدد بدقة صورة وواقع الخبرة التي يمتلكها المتعلم، وما يصلح أن يقوم به من مهام في المستقبل، والرؤى الطموحة في تنمية ملكاته التي قد يتفرد بها؛ ليصل لمرحلة الابتكار، ومدى ملاءمة خبراته لسوق العمل المتغير والمتسارع التطور، وغير ذلك من أهداف يصعب حصرها.
وفي إطار قد نلتف جميعا حوله، وهو أن التقويم البديل يُسهم في تنمية المهارات الاجتماعية لدى المتعلمين بصورة مقصودة؛ حيث إن هناك مهارات تشاركية تعتمد على الأداء الجماعي، وهذا التعاون يؤدي بالفرد إلى أن ينمو نموا صحيا؛ فمن المعلوم أن الصحة العامة تقوم على سلامة العقل وتنمى بممارسة مهارات التفكير، كما تقوم على البُعد النفسي والبُعد الاجتماعي اللذين يحققان ويكملان الصحة النفسية لدى الفرد.. ودي ومحبتي.
[email protected]