كتب – عبدالرحمن أبوزكير :
شهدت جلسات “الملتقى الثقافي الأول للتراث القنائي غير المادي بين الثبات والتغيير”، والذي تنظمه جمعية تنمية المجتمع للمرأة الريفية والحضرية بقنا، بالتعاون مع المجلس الأعلى للثقافة، ومحافظة قنا، والمجلس القومي للمرأة، حضورا كبيرا للمشاركة في جلسات مناقشة الأبحاث خلال اليوم الأول.
يُعقد الملتقى بقصر ثقافة قنا، برعاية الدكتورة نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة، والدكتورة نيفين القباج، وزيرة التضامن الاجتماعي، وبرعاية وحضور اللواء أشرف الداودي محافظ قنا، وأيمن بدوي عبداللطيف رئيس مجلس إدارة جمعية تنمية المجتمع للمرأة الريفية والحضرية بقنا، والدكتور هشام عزمي الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، والدكتور محمد شبانة مقرر لجنة التراث الثقافي غير المادي “الفنون الشعبية” بالمجلس الأعلى للثقافة ورئيس الملتقى، والدكتور أحمد سعد جريو، نائب رئيس مجلس إدارة جمعية تنمية المجتمع للمرأة الريفية والحضرية بقنا وأمين عام الملتقى، وأعضاء لجنة التراث الثقافي غير المادي بالمجلس الأعلى للثقافة.
وفى اليوم الأول للملتقى، ناقشت الجلسات 5 أبحاث في الفنون القولية؛ وذلك فى جلستين منفصلتين، وأدار الجلسة الأولى الدكتور محمد شبانة، مقرر لجنة التراث الثقافي غير المادي “الفنون الشعبية” بالمجلس الأعلى للثقافة ورئيس الملتقى، بحضور الكاتب الكبير فتحي عبدالسميع، وشهدت عرض بحث للشاعر القنائي الكبير أمير فن الواو عادل صابر، بعنوان “غناء الجنائز وعبقرية المرأة الفطرية في فن العدودة”، وبحث آخر للكاتب والشاعر مصطفى جوهر بعنوان “الصورة الشعرية .. مصادرها وتجلياتها في “واو” الشاعر عبدالستار سليم، والبحث الثالث بعنوان “فنون التربيع المصرية بين السياق الشعبي والسياق الجماهيري” للشاعر الكبير مسعود شومان، رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية بالهيئة العامة لقصور الثقافة.
فيما أدار الجلسة الثانية د.حنا نعيم، عضو مجلس أمناء التراث بوزارة الثقافة، وشهدت عرض بحث ل ” أشرف أيوب”بعنوان “احتفالية شعبية قبطية، دراسة ميدانية على بعض قرى الصعيد .. قرية الرحمانية نموذجا”، وبحث آخر للدكتورة أميرة الشوادفي بعنوان “الثنائية الضدية المستلهمة من سيرة بني هلال في المسرح”.
وفي بحثه المعنون “غناء الجنائز وعبقرية المرأة الفطرية في فن العدودة”، قال أمير فن الواو الشاعر القنائي الكبير عادل صابر، إن فن “العدد” أو “العدودة” من ثمار أشجار الحزن الذي نما وترعرع في قلوبنا بعد أن رويناه بدموعنا على الراحلين من الأهل والخلان والأصدقاء … وقال إن فن العدد فن شعبي خالد خلود الموت والأحزان، وكلما أوغلت في الجنوب كلما ازدادت العدودة قوة ورصانة وكلما كثرت طموس الحزن وطال أمدها.
وأشار الشاعر عادل صابر، إن العدودة الواحدة تتكون من بيتين من الشعر أو أربعة أغصان؛ كل غصن منهما بحرفي روي متشابهين، حيث تبدأ النائحة بالغصن الأول وتكاد تصل إلى منتصفه حتى تكمل النساء وراءها باقي الأغصان بمصاحبتها، وتختلط الأصوات المبحوحة الحزينة معا لتصنع سيمفونية من أروع سيمفونيات الحزن الخالدة .
واستعرض الشاعر الكبير عادل صابر، كيفية جمع فن “العدودة” واستراتيجية الباحث الشعبي في مهارة الجمع، كما تطرق إلى الصورة الشعرية الفطرية فى فن العدودة، مشيرا إلى أن فن العديد ينقسم إلى أغراض متنوعة تقال وفقا لطبيعة الراحلين من حيث السن والجنس والقيمة الاجتماعية ونوع الوفاة التي لقيها الراحل، فمنه ما يقال عن الشباب وكبار السن والرجل والمرأة واليتيم والغريق والقتيل وقليل الخلفة وأحوال القبر والغاسل والفحار وأغراض أخرى متعددة .. وقدم بعض النماذج التي تخص بعضاً من أغراض هذا الفن الخالد.
وفى البحث الثاني المعنون “الصورة الشعرية .. مصادرها وتجلياتها في (واو) الشاعر عبد الستار سليم” للكاتب والشاعر مصطفى جوهر؛ تناول مصادر الصورة الشعرية في أحد الفنون القولية؛ وهو فن الواو والذي كان الشاعر عبد الستار سليم ومازال أحد أهم رواد جمعه والتعريف به، وأحد أهم كتابه والتنظير التاريخي له.
وتناول – الباحث – متكآت الصورة الجمالية التي اعتمد عليها الشاعر في إنشاء الشقين البياني والدلالي في أحد الفنون القولية؛ الذي توارثه الجنوب. وأكد أن العمل الأدبي والشعر خاصة يرتكز على محورين أساسيين؛ البنية المعرفية، تلك التي تختزن حمولة الفكرة والطرح أو القضية التي تسعى الذات الشاعرة الى مجادلتها ومناقشتها؛ وسواء بالصورة التقريرية أو بالصورة الإنشائية ومن هنا محور الارتكاز الثاني أو الجناح الآخر – الذي تحلق به القصيدة – يتمثل في البنية الجمالية، وهو ما عرف في البلاغة بالبيان وتعددت روافده من تشبيه بأنواعه وكناية واستعارة ؛ والتي تمثل جميعها أركان بناء الصورة . بينما تتعدد مصادرها بين الطبيعة الجامدة : نور وماء … إلخ. والطبيعة الحيه : الطير والحيوان … إلخ. والمصادر الإنسانية.
وأوصى الباحث بتضمين مناهج دراسة الأدب والبلاغة الثانوية والجامعية بالفنون القولية ومن ثم دراستها الجمالية والدلالية ؛ إذ أنها تتسق مع البنية الثقافية والاجتماعية للطالب والأستاذ وتتغلغل فيهما ما يجعل من تلك الفنون القولية مادة ترسخ الهوية الثقافية لدى المواطن المصري.
وجاء البحث الثالث بعنوان: “فنون التربيع المصرية بين السياق الشعبي والسياق الجماهيري” للشاعر الكبير مسعود شومان، رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية بالهيئة العامة لقصور الثقافة، وأشار الى أن الإبداع الشعبي – عرف منذ زمن بعيد يستعصى على التحديد – عددا من الأشكال الرباعية، تجلت هذه الأشكال في عدة أنواع، بينها تباينات تخص سباق أدائها، ومناسباته، وطرائق تشكيلها، بل وأوزانها، من هذه الأشكال ما عرف باصطلاح خاص أو باصطلاح دال على شكل الرباعية، من هذه الفنون الشعرية، نجد تجليا لعدد من الأنواع منها: الدوبيت / الدوباي / الهابيت – النميم – المسدار – الموال الرباعي – البوشان – الرباعية – الكان وكان – القوما – الحماق – المربع – الواو، ولقد عرفت الجماعة الشعبية فنونا من “التربيع متعددة يصعب حصرها جميعا إلا بعد جمع ميداني وتدوين وتصنيف للوقوف على هذه الفنون والإلمام بها وبطرائق بنائها وجماليتها.
وقدم “شومان” إطلالة تعريفية بهذه الفنون مع التركيز على فنى المريع والواي، وجماليات الشفاهة في بنائهما، وتتنوع تجلياتهما بين الشعراء الشعبيين ممن امتلك الناس أشعارهم وحفظوها وآمنوا بما تقدمه من منظومة قيم متسقة مع مجمل عاداتهم وتقاليدهم . والشعراء الأفراد الذين لم يقدر لأسماء بعضهم الذيوع والانتشار، فضلا عن بحث بعض آليات استلهام جماليات فنون التربيع في مربعات عدد من الشعراء الأفراد.
أما البحث الرابع فجاء بعنوان” الميمر .. احتفالية شعبية قبطية – دراسة ميدانية على بعض قرى الصعيد – قرية الرحمانية نموذجا”، للباحث أشرف أيوب معوض، والذي أوضح أن الميمر هو لون ووزن من أوزان الشعر الشعبي المشهور في سوريا والعراق ومتداول في المحافل الريفية والأوساط الشعبية وأوجد هذا النوع من الشعر الشعبي، هم السريان.. وتعنى كلمة ميمر في صعيد مصر (سيرة) وهو من العادات الشعبية للأقباط .
وأشار إلى ان الميمر عادة يبدأ بأن ينذر أحد الأفراد نذراً لأحد القديسين أن وفقه الله في أمر ما أو شفاء مريض أو قضاء مصلحة أو زواج أن يعمل ميمر للقديس، وعند قضاء الأمر تبدأ الأسرة في إقامة الميمر حيث تدعو الأهل والأقارب وكاهن ومعلم الكنيسة وأفراد القرية كلها، وتقوم بإعداد وليمة الطعام ، (صينية) ممتلئة بالقمح وتوضع فوقها عدد معين من أرغفة العيش الشمسى ، وتغرس فيها الشموع مع كوب ماء ويجلسون في حلقة يتوسطها من يقرأ (ميمر) أحد القديسين، وكلما وصلوا إلى فصل جديد في السيرة، يأخذون في ترتيل المدايح الشعبية بالآلات الموسيقية كالناقوس والطبلة يسمونها “الأرباع” وهناك أرباع تقال للحاضرين الميمر من المسلمين والذين جاءوا يجاملوا جيرانهم المسيحيين أصحاب الميمر.
وقال إن الدراسة تحاول التعرف على بعض أشكال الإحتفالات الشعبية القبطية باعتبارها تراث مصرى ينبغى التعرف عليه وذلك محاولة لفهم طبيعة الثقافة المصرية ومن هذه الاحتفالات هى (الميمر) والذي مازال يقام في قرى الصعيد (قرية الرحمانية) باستخدام المنهج الفولكلوري. وكشفت الدراسة عن بعض أشكال الإحتفالات الشعبية القبطية باعتبارها تراث مصرى ينبغي التعرف عليه . وأوصى بضرورة العمل على سرعة تسجيل الميمر كاحتفالية شعبية مصرية ، والعمل علي سرعة تسجيل المخزون الثقافي لدي معلمي الكنائس من مدائح وأغاني شعبية اجتماعية .
أما البحث الخامس فجاء بعنوان: ” الثنائية الضدية المستلهمة من سيرة بنى هلال في المسرح” للدكتورة أميرة الشوادفي، وأكدت أن التراث يعد هو الوليد الشرعي للوجدان الشعبي، فالتراث جزء من الوعى الفينومينولوجي بالماضي الذي يعمق المتلقى بماهية جذوره وثقافته، ويؤثر الوعى التراثي الذي يقدم للمتلقى من خلال الدراما المسرحية على تماسك وتجانس البناء للشخصية خارجياً وداخليا.
وقالت إن التراث يشمل كل ماهو موروث من قيم وتقاليد ورؤى لذلك يجدر بنا الاشارة إلى أن الظواهر المسرحية في بطون تراثنا تأخذ مكانا مازال بحاجة إلى الكشف والتنقيب والاستفادة القصوى منه لتقليل الفجوة بين سيرورة الحداثة والتراث.
وأشارت الى ان الفولكلور علم تاريخي إنساني ثقافي، واستدعاء التراث أو الفولكلور في النصوص المسرحية من بالعديد من التحولات كالاستعارات والتمثلات ، والتعارضات الناتجة عن التأويل والقراءة الخاطئة للتراث كشكل خارجي للنص دون الغوص في أيديولوجيا النص المسرحي الشعبي ، لذلك يعد استلهام وتوظيف التراث في المسرح قائم على الحضور المركزي للتراث داخل النص أو العرض ، وتلك الهيمنة النسقية يتم ترجمتها من قبل المتلقى إلى أفعال وأفكار يفسر بها الواقع من منظور تراثه الثقافي ولعل المسرح العربي ذاته نشأ نشأة تراثية حينما قدم مارون النقاش مسرحيته هارون الرشيد، مستلهما التراث الشعبي العربي، وتبعه فيما بعد أبو خليل القباني وغيره من الرواد. كما قدم يسرى الجندى وشوقى عبد الحكيم محاولات عديدة في مجال التأليف المسرحي واستلهام الموروث الشعبي من قصص وحكايات وملاحم وسير.
أضافت: مع بداية الثمانينات بدأت ظاهرة العودة للتراث العربي والاسلامي بين بعض النصوص المسرحية ، كعودة فوزى فهمى للتاريخ الاسلامي خلال فترة الرشيد والتجريب على عناصر شعبية متوارثة كالراوى وصندوق الدنيا في مسرحية لعبة السلطان، ومسرحية الظاهر بيبرس لعبد العزيز حمودة واعتماده على الظواهر التاريخية المسرحية وخيال الظل واستدعائه للشخوص المسرحية التي طرحها محمد بن دانيال في باباته الشهيرة والتي تمثل أهم نصوص خيال الظل مثل طيف الخيال والامير وصال ، واتجه محمد أبو العلا السلاموني للشكل المسرحي الشعبي المتمثل في السامر والاحتفالات الشعبية وعروض الارتجال والمحبظين كما نرى في مسرحية مآذن المحروسة وهي من النصوص التي تحتاج الى وعى كامل بقيمة الموروث لدى المخرج وكيفية توظيفه داخل الاطار المسرحي الشعبي ، وكانت الحكايات الشعبية والسير الشعبية منبعاً لأعمال عديدة ، ولعل اللجوء إلى ألف ليلة وليلة هو معادل للجوء الإغريق الأساطيرهم ، ومن أشهر كتاب المسرح الذين استلهموا ألف ليلة وليلة (الفريد فرج). ينتج في باطن ذلك الزخم الدرامي المستلهم تضاد
وقالت “الشوادفي”: للثنائيات التي تشكل اللاشعور الجمعي الذي يتكون من النماذج البدائية الجمعية التي تشكلت من تراكم أفكار المجتمع ومعتقداته عبر اجيال ، وهذه النماذج في حال صراع دائم ، فلكل نموذج ضده ، ويعبر الناس في رموزهم العقائدية ، أو انتاجهم الفنى عن هذه الثنائيات المتصارعة لذلك تعود أسس فلسفة مصطلح الثنائية الضدية إلى فكرة أن الإنسان قد هوس بتحديد موقعه في العالم لما واجهه من انشطار وشرذمة.