لست مشغولا بالدفاع عن المسرحيين في الأقاليم، أغلبهم لا يريد أن يخوض معركته، إما خوفا، وإما طمعا، وبعضهم لو طلب منه أحد المسئولين إصدار بيان ضد كاتب هذا السطور، لفعلها دون أن يطرف له جفن، مادام سيكون هذا المسئول راضيا عنه. فليذهب هو والمسئول إلى الجحيم.
الذي يشغلني هو المسرح نفسه، وحالته التي باتت تهدده بالانهيار التام في أقاليم مصر كافة، يكاد المسرح في الأقاليم، على رغم أهميته وضرورته، يكون النشاط الوحيد الذي تكال له اللكمات من كل جانب، كل من يستطيع توجيه ضربة للمسرح يتوكل على الله ويوجهها.
يبدو المسرح في الأقاليم كما لو كان بلا صاحب، يبدو هذا المسرح ملطشة للجميع، فما يكاد يخرج من نقرة حتى يقع في دحديرة كما يقولون، يتلذذ المسئولون، على مايبدو بالتنكيل بالمسرح، وجمهور المسرح، ودعك من صناع المسرح فأغلبهم يستحق التنكيل وزيادة، لأنهم بلا صوت، بلا موقف، بلا أي حاجة. أقصى ما يستطيعون فعله هو مهاجمة إدارة المسرح التي بلا حول ولا قوة.
حتى الآن فإن أغلب الفرق في الأقاليم لم تصلها مستلزمات الإنتاج، مستلزمات الإنتاج الآن يختص بها أحد الموردين، ويحصل على حوالي 40% من الميزانية حتى يقوم بالتوريد، قرار أصدره وزير المالية، وتم تعميمه على جميع مؤسسات الدولة، ورغم أنه لا يصلح للتطبيق في قصور الثقافة فقد طبقوه دون مناقشة، مع إنه لو كلف أحد المسئولين خاطره وأرسل لجنة إلى المالية لمناقشة الأمر لتم إعفاء قصور الثقافة ومسرحها من القرار، لكن لماذا يتعب المسئول نفسه وهو يستطيع أن يريحها؟
الغريب في الأمر أن أغلب رؤساء الأقاليم كبروا دماغهم، وكذلك وحداتهم المالية التي يسوءها أن تعمل، ويسوءها أن يعمل المسرح، لسان حالهم يقول يغور المسرح في ستين داهية، بلا مسرح بلا وجع دماغ، ثم إنه لا يجلب “اللقطة” التي تجلبها الاحتفالات والأنشطة الموسمية العابرة.
لا يكاد يمر يوم إلا ويتلقى المسرح إحدى اللكمات، من لكمة اشتراط حصول صناع العروض على موافقة الأمن بصلاحية المسرح، إلى لكمة المورد الذي لا يورد، لأن الوحدات المالية في الأقاليم لم تصرف له مستحقاته.
في المنصورة على سبيل المثال أغلقوا المسرح بعد سقوط الهرسة، وطلبوا من المسرحيين أن يقدموا عروضهم في أحد الشوادر، وهو لا يصلح بالطبع، حاول المسرحيون التفاهم وأعلنوا أن مدير القصر لديه استعداد لتظبيط المسرح وافتتاحه دون أن يكلف الهيئة شيئا، لكن يبدو أن هناك من لا يريد تشغيل المسرح، ويصر على موافقة الدفاع المدني رغم أن” الهرسة” ليست من اختصاص الدفاع المدني، لكنها تلكيكة وخلاص.
وفي باقي الأقاليم انتهت الفرق مبكرا من بروفاتها وأصبحت مستعدة لتقديم العرض، لكن مستلزمات الإنتاج لم تصلها. يعني لدينا مسارح صالحة للاستخدام لكن ليس لدينا مستلزمات إنتاج، ولدينا فرق أنتجت لكن ليس لديها مسرح تقدم عليه عرضها.
الأمر باختصار تجاوز العبث بكثير، لا أحد يريد أن يقدم حلا، ولا أحد لديه قدر من المرونة لاستيعاب آلاف الشباب في أقاليم مصر ومحاولة البحث معهم عن حل يتيح استمرار النشاط المسرحي في الأقاليم. لماذا إذن لا تعلنها وزيرة الثقافة صريحة وتقول مش عايزين مسرح في الأقاليم وتصدر قرارا بوقف النشاط المسرحي في قصور الثقافة؟
أما لو كانت الوزارة تريد المسرح، وتدرك أهميته وضرورته، فعليها أن تتدخل لحل كل هذه المشاكل، وبشكل عاجل حتى لا نندم جميعا بعد ذلك.