يكتبها- وليد شاهين
إمام المداحين.. وصاحب الصوت الخاشع.. والطبقات العليا فى الألحان
تربى على التصوف.. ولحن قصائده.. وغنى مع أم كلثوم
رغم مرور 39 عاماً على رحيل الشيخ سيد محمد النقشبندى؛ إلا أن الأيام لم تستطع أن تمحو صوته من ذاكرة محبيه، رغم كثرة ما يظهر حالياً من أصوات.. فكان منصرفا بحسه الكامل إلى ما يقول وينشد.. وارتبط صوته بشهر رمضان الكريم وأصبح فى الذاكرة المصرية السمعية من مثيرات الشجن حول رمضان.. فاسمه النقشبندى معناه فى اللغة العربية “نقش حب الله علي القلب”.
عاش الشيخ سيد محمد النقشبندى عبداً فقيراً زاهداً عابداً محباً مخلصاً كريما..ً لم يترك من حطام الدنيا شيئا يذكر.. تربع بعذوبة صوته في قلوب مستمعيه وكان مدحه للرسول صلي الله عليه وسلم نبضاً سماوياً يغزو القلوب فتتفتح لمدحه كل القلوب .. إنه بحق” إمام المداحين والصوت الخاشع والكروان الرباني وقيثارة السماء ” كما أحب مستمعيه ومحبيه وكبار الأدباء والكتاب فى مصر أن يلقبوه.. ومنهم من وصفه بلحن ملائكى.. ووصفه الدكتور مصطفي محمود في برنامجه التلفزيوني العلم والايمان ذات مرة بأنه مثل النور الكريم الفريد الذي لم يصل إليه أحد.
كما أنه ينتمى إلى أصول تربت على حب العلم والتصوف.. فجده الشيخ سيد هو محمد بهاء الدين النقشبندي الذي قد نزح من بخارة بولاية اذربيجان الي مصر للالتحاق بالازهر الشريف ، ووالده احد علماء الدين و مشايخ الطريقة النقشبندية الصوفية و التي يرجع نشاطها الي الصحابي سلمان الفارسي رضي الله عنه .
اتسمت حياة الشيخ بكثرة الترحال.. حيث ولد فى 12 من مارس عام 1921 بقرية دميرة مركز طلخا بمحافظة الدقهلية ثم انتقل مع اسرته قبل أن يبلغ العاشرة من عمره الي مدينة طهطا بصعيد مصر وبها حفظ القرآن الكريم علي يد الشيخ أحمد خليل قبل ان يستكمل عامه الثامن، والتحق بالتعليم الأزهرى فدرس الفقه والحديث وحفظ مئات الأبيات الشعرية للإمام البوصيرى وابن الفارض، وأحمد شوقى كما كان يحفظ الأبيات الشعرية ويقرأ الكثير من مؤلفات المنفلوطى والعقاد وطه حسين.. ثم اتجه الشيخ إلى الإنشاد الديني، و في العشرين من عمره بدأ يقرأ القرآن الكريم في ليالي شهر رمضان.
انتقل الشيخ من طهطا وهو فى الخامسة والعشرين من عمره إلى مدينة قلين بكفر الشيخ.. وظل يتنقل حتى استقر به المقام فى مدينة طنطا عام 1952وأصبح النقشبندى مقرئا للقرآن فى محافظة الغربية وكان قريباً من محافظها اللواء وجيه أباظة الذى كان يستدعيه فى بعض السهرات الصوفية للإنشاد.
تزوج من ابنة خاله صديقة محمد يوسف عام ١٩٤٢ وكانت على شاكلته كرماً وصفاءً وعطاءً واخلاصاً وأنجب منها البنين والبنات ثم توفيت فتزوج من آخرى وأنجب منها ايضا.. وتعيش حاليا بمدينة بالمنصورة.. و لم يترك لأبائه ميراثاً مادياً كما يحرص الأخرين لأنه عاش على دين الآخرة وابتعد عن ثراء الدنيا الحاضر..
بدأت شهرة الشيخ عام ١٩٦٦ عندما دعاه صديقه الحميم سيد محمد محمد لاحياء الليلة الختامية لمولد الحسين رضي الله عنه بالقاهرة فلبى الشيخ النقشبندى الدعوة وأقام حفلاً ترنم فيه بصوته وشدا بمدح الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم وأدهش مستمعيه فذاع صيته وتناقلته الإذاعات عبر موجاتها خاصةً بعدما التقى عن طريق الصدفة فى ذلك اليوم بالإذاعى أحمد فراج واستضافه في برنامجه الشهير ” نور علي نور” ثم سجل معه بعض التسجيلات لبرنامج “فى رحاب الله” كما سجل العديد من الأدعية الدينية للإذاعة عام ١٩٦٧لبرنامج “دعاء” الذى كان يذاع يومياً عقب آذان المغرب، كما اشترك في حلقات البرنامج التليفزيونى “فى نور الاسماء الحسنى” .. و سجل برنامج “الباحث عن الحقيقة” والذى يحكي قصة الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه ، بالاضافة إلى الإبتهالات الدينية.. حتى أصبح صوته مظهراً من المظاهر الدينية خلال شهر رمضان.. والذى ارتبط في أذهاننا بصوته في أدعية الإفطار وتسابيح الفجر.. حتى أصبح ملمحاً أساسياً من ملامح هذا الشهر الكريم.
اجمع خبراء الأصوات على أن صوت الشيخ سيد النقشبندى من أعذب الأصوات التي قدمت الدعاء الدينى.. فصوته مكون من ثماني طبقات.. حيث بدأ الشيخ حياته بتلحين القصائد بنفسه.. ودرس جميع المقامات الشرقية.
سافر إلى معظم الدول الاسلامية والعربية بدعوة من هذه الدول وحكامها ومنها: حلب و حماة و دمشق بسوريا لإحياء الليالي الدينية بدعوة من الرئيس السورى حافظ الأسد، كما زار أبو ظبي و الأردن و إيران و اليمن و أندونسيا و المغرب العربي و دول الخليج و معظم الدول الافريقية و الأسيوية، و أدى فريضة الحج خمس مرات خلال زيارته للمملكة العربية السعودية .
من أشهر المواقف المتواترة التى تعرض لها الشيخ أنه فى افتتاح مستشفى المبرة بطنطا غنت أم كلثوم مع الشيخ النقشبندى وذاب صوتها من قوة صوت النقشبندى.
ترك النقشبندى تراثاً كبيراً من الإنشاد والإبتهالات الدينية التى ما تزال غالبية الإذاعات العربية تعتبرها مادة خصبة لخارطتها الإذاعية خاصة فى رمضان، وله بعض الابتهالات باستخدام الموسيقى.
حصل الشيخ سيد النقشبندي علي مجموعة من الأوسمة و النياشين من الدول التي زارها.. كما منحه الرئيس الراحل محمد أنور السادات – بعد وفاته- والذى عرفه الناس بعشقه للشيخ عام 1979وسام الجمهورية من الدرجة الاولي.. وفي ليلة القدر عام ١٩٨٩ كرمه الرئيس حسني مبارك بوسام الجمهورية من الدرجة الاولي.. وكرمته محافظة الغربية التي عاش بها باطلاق اسمه على أكبر شوارع مدينة طنطا بعد وفاته مباشرة.
قبل وفاته بيوم واحد قال للشيخ عبد السميع بيومي: يا شيخ بيومي سوف أموات غدا في وقت الظهر وبالفعل صعدت روحه إلى بارئها فى ظهر يوم الرابع عشر من شهر فبراير عام ألف وتسعمائة وستة وسبعين عن عمر يناهز السادسة والخمسين.. وأثناء تجهيزه للغسل ونزع ملابسه وجدوا وصيته فى جيبه كتب فيها: أشعر إننى سأموت اليوم.. أوصيكم خيراً بزوجتى وأولادى ..ولا تقيموا لى مأتماً وادفنوا جثتى إلى جوار المرحومة والدتى!! وبالفعل دفن فى ضريح الشيخ محمد سليمان بجوار والدته فى حى البساتين بالقاهرة.. وفى نفس اللحظة التى كان يدفن فيها النقشبندى كانت الإذاعة المصرية تذيع دعاءه الشهير بصوته الشجى سبحانك ربى سبحانك ..سبحانك ما أعظم شأنك.. رحم الله شيخنا الجليل وأسكنه فسيح جناته.









