كتبها- وليد شاهين
أهدته أم كلثوم عقدها الذهبي كتعبير عن شدة إعجابها بأدائه الصوتى فى التلاوة
جليس الفقراء.. حبيب كبار القراء.. اعتمدته الإذاعة والتليفزيون فى عامٍ واحد.. وترك تراثاً قرآنيا 7 آلاف ساعة
صوته الشجى وهو شاباً استوقف الشيخ “مصطفى إسماعيل” فى الطريق، وشغل فكر الشيخ “عبد الباسط” بموهبته، وتعهد أهل قريته بعد وفاته ألا يدخلنها عليهم بعده قارئاً لإحياء أى عزاء فى سرادق واكتفوا بتسجيلاته حتى يومنا هذا.. فهو صاحب الصوت الذهبى الذى أبهر الكبار.. واستأنس به الفقراء.. وأحبه عمالقة القراء لتواضعه وتسامحه واحترامه الشديد لأساتذته وزملائِه العظماء.
وُلِد الشيخ “حمدي محمود الزامل” صبيحة يوم الأحد 22 ديسمبر 1929 فى قرية مِنية محلة دَمنة مركز المنصورة بمحافظة الدقهلية، لأبوين من عائلة تحفظ القرآن الكريم، فكانوا يطلقون عليها عائلة المشايخ لكثرة حفظة كتاب الله بها، بدأ فى حفظ القرآن الكريم علي يدي خاله الشيخ “مصطفي إبراهيم” مُنذ أن بلغ سِن الثالثة من عمره حتي أتم حفظه قبل بلوغه سِن العاشرة، وجَوّده علي يد الشيخ “عُوف بحبح” والذي كان عالمًا فِي علوم القرآن الكريم.. وهو أيضاً من نفس عائلته.
التحق الشيخ “حمدي” بالمعهد الديني الأزهري بالزقازيق وكان يفتتح اليوم الدراسي بتلاوة القرآن الكريم بصوته المُميز، وبعد أن انتهي من المرحلة الابتدائية التحق بالمعهد الديني بالقاهرة، وحظى على استحسان وتشجيع كل من سمع صوته، حتى استمع إليه الشيخ “توفيق عبد العزيز” أحد العلماء المتخصصين في علوم القرآن وأصول التجويد والقراءات، فبَشرَه بمستقبل باهر.
ومن شدة حبه لكبار القراء من رعيل الإذاعة الأول.. ترك المعهد الأزهري قبل أن يتم المرحلة الثانوية وتفرغ للقراءة وتعلم أصولها، وذلك بتشجيع من شيخه “عُوف بحبح” الذى أقنع والده بضرورة تفرغ ابنه “حمدى” لتلاوة القرآن، بعدها أخذ الشيخ “حمدى” يقلد تلاوات الكبار من القراء؛ فظهر جمال صوته مبكراً وقوته ومساحات صوته التي أهلته لأن يكون قارئاً له وزنه وثقله بين سائر القراء فى الدقهلية وما حولها من البلدان.
في نهاية الخمسينيات كان الشيخ “مصطفي إسماعيل” مُتجها في طريقة إلي مدينة المنزلة، وكان الشيخ “حمدي” يقرأ في مأتم بإحدى القرى وكان السرادق مقام علي الطريق الرئيسي، فلمّا سمع الشيخ “مصطفي” صوته أوقف سائقه ليستمع، فأعجب بأدائه وسأل عنه أحد المارّة فأخبره بأنه شاب جديد اسمه “حمدي الزامل”، فقال له: “أبلغه أن الشيخ مصطفي سمعك وسيكون لك مستقبل باهر”.. وبعد فتره كان الرئيس جمال عبدالناصر في مدينة المنصورة لعقد مؤتمر جماهيري، وكان المفترض أن يفتتح الحفل الشيخ “مصطفي إسماعيل” ولسبب مّا أعتذر عن الحفل، فقرأ الشيخ “الزامل” وافتتح المؤتمر، وأبدى “عبدالناصر” إعجابه الشديد بصوته وأدائه في التلاوة، ومنذ ذلك الحين ذاع صيته في جميع محافظات الجمهورية، ثم توطدت العلاقة بينه وبين الشيخين “مصطفي إسماعيل”، و”عبد الباسط عبد الصمد” حيث أبدى الأخير إعجابه الشديد بأداء الشيخ “الزامل” وكان يثني عليه في كل مكان.
امتدت علاقة الشيخ “الزامل” بالكبار من أهل التلاوة والنغم، حتى أنه زار سيدة الغناء العربي أم كلثوم فى منزلها بصحبة عمدة بلدتها “طماى الزهايرة”، وطلبت منه أن يقرأ القرآن فانبهرت بأدائه وأهدته عقدها الذهبي كتعبير عن شدة إعجابها وفخرها بالشيخ حمدي الزامل كونه ابن مدينتها، وبعد عام توفيت أم كلثوم، وفي ذكري الأربعين قدمه الشيخ “مصطفي إسماعيل” للقراءة، فسمعه الموسيقار محمد عبد الوهاب وأعجب بتلاوته، وبعد أن انتهي من القراءة جاء بجوار كرسي التلاوة وسأله: “أين تعلمت الموسيقي ياشيخ حمدي؟” فرد عليه: “إنها موهبة من عند الله”، فقال له: “أنت خامة ممتازة” ونصحه بضرورة الانضمام إلى الإذاعة المصرية.
اعتُمد الشيخ “حمدى الزامل” بالإذاعة المصرية ثم التليفزيون فى عامٍ واحد وكان ذلك فى 1967، وهذه واقعة قلما تحدث أن يجاز القارئ من الجهتين فى وقتٍ واحد، وقرأ في جميع المحافل الإذاعية، وكان يتلو قرآن الفجر مرة كل عشرين يوما على الهواء مباشرة، وصار من معالم شهر رمضان الإذاعية بتلاوته في صلاة الفجر، ولم يتكاسل مرة واحدة عن تلاوات الإذاعة، وعلى الرغم من كثرة الدعوات الخاصة التي كانت تنهال عليه من جميع أنحاء المعمورة، إلا أن الشيخ كان لا يفضل السفر خارج مصر، إلا لأداء مناسك الحج والعمرة.
ترك الشيخ “الزامل” لمحبيه تراثاً إذاعياً قرآنياً بلغ سبعة آلاف ساعة مسجلة عبر الإذاعة والتليفزيون المصري والمناسبات المختلفة، وللأسف لم يجمع منها سوى سبعمائة ساعة فقط، بجهود ذاتيه من محبيه ومُرِيديه خاصةً من أبناء قريته حيث طافوا مصر شرقاً وغرباً للحصول على تلك التلاوات.
استحوذ الشيخ على قلوب وأسماع وأذهان محبيه، واتسم يحبه الشديد للفقراء ومداومة مجالستهم، فكان سريع الإنفاق لمساعدة المحتاجين، ولا يتقاضى أجراً في مناسباتهم، بل كان ينفق عليها من ماله الخاص، لذلك استحق أن يتسلل إلى قلوب الفقراء قبل الأغنياء.
أصيب الشيخ “حمدى الزامل” بغيبوبة سكرى شديدة، انتقل على أثرها إلى مستشفى المقاولون العرب بالقاهرة، لكن الله أراد أن يسترد أمانته بعد أسبوعٍ واحدٍ يوم الأربعاء الموافق 12 مايو 1982، ودفن بقريته مسقط رأسه.. رحم الله شيخنا الجليل رحمة واسعة واسكنه الفردوس الأعلي مع النبين والصديقين والشهداء لما قدمه من تلاوات آياته المحكمات بتدبرٍ وخشوع.












