كشفت أهم نتائج تحليل الطلب فى سوق العمل خلال الربع الاول من العام الجارى ارتفاع إنتاج الوظائف الجديدة لذوى الياقات البيضاء خلال ربع الدراسة مسجلا نحو 22 ألف وظيفة تقريبا،مقارنة بالربع السابق الذى سجل نحو 19 ألف تقريبا، وبشكل عام بدأ إنتاج الوظائف الجديدةفي التراجع بقوة بداية من الربع الرابع من عام 2022 حتى الربع الثاني 2023 ثم عودة ارتفاعه بعد ذلك.
جاء ذلك خلال الندوة التى نظمها المركز المصرى للدراسات الاقتصادية بحضور وزيرة الهجرة السفيرة سها الجندى الى جانب عدد من المسئولين والخبراء والمتخصصين وادارت الندوة الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التفيذى للمركز.
اشارت نتائج تحليل الطلب الى سيطرة المركزية الشديدة على إنتاج الوظائف حيث يتركز 87% من إنتاج الوظائف بالعاصمة، ومن الناحية القطاعية فإن قطاع خدمة ودعم العملاء هو الأكثرإنتاجا للوظائف بنحو 30.1% من وظائف المنتجة خلال ربع الدراسة، فى حين أن هناك تراجعا مستمرا في قطاعات تطوير البرمجيات والمبيعات والتجزئة وارتفاع شبه مستمر في الهندسةالمدنية والمعمارية، واستقرار المحاسبة والتمويل.
بحسب التحليل فان أهم الفرص المتاحة للمصريين ذوى الياقات البيضاء كانت في دولالخليج بالتركيز على الإمارات والسعودية، وهو ما يرجع إلى ظهور فرص للعمل في الخليج علىمواقع التوظيف المصرية لأول مرة منذ أكثر من عامين، ومثلت هذه الوظائف حوالي 40% من الوظائف المصرية المتاحة في الربع الأول من 2024، وهو ما يتطلب تحليلها لفهم طبيعةالمهارات التي تسعى دول الخليج إلى اجتذابها من مصر.
وأظهرت النتائج أن الفرص المتاحة للوظائف فى دول الخليج يتطلب أغلبها العمل من الدولةوليس من خارجها، وتنحصر 75% من الوظائف في جميع هذه الدول في 8 مجالات هى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إدارة الأعمال، الهندسة المدنية والمعمارية، المحاسبةوالمالية، تطوير الأعمال، اللوجستيات، ولكن باختلاف الوزن النسبي من دولة لأخرى، على سبيل االمثال، مجال تكنولوجيات المعلومات والاتصالات هو الأكثر إنتاجا للوظائف في السعودية،والثاني في الإمارات، وقطر، والخامس في الكويت، وتعد دول الخليج الأكثر طلبا لمستويات الخبرة الأعلى.
بحسب نتائج تحليل الطلب على وظائف ذوى الياقات الزرقاء “العمال” فان الاقتصاد المصري ينتج نصف ما كان ينتجه من وظائف لذوي الياقات الزرقاء منذ عامين، ولا تمثل الوظائف الصناعية سوى 10% فقط في المتوسط من إجمالي إنتاج الوظائف في مصر.
كما تظهر النتائج تزايد إنتاج الوظائف الصناعية بشكل مستمر منذ بداية 2023 بعد تراجع متواصل في 2022،وتعافي القطاع السياحي نسبيا خلال النصف الأول من 2023، وتراجعه مرة أخرى في الربع الثالث 2023 قبيل الأحداث في غزة. وتشترط 38% على الأقل من الوظائف، تعليم عالي، وهوما يمثل هدرا للموارد البشرية وتوظيفها في غير موضعها.
كما تشير النتائج الى تعافى القطاع السياحي نسبيا خلال النصف الأول من 2023، وتراجعه مرة أخرى في الربع الثالث 2023 قبيل الأحداث في غزة.
من جانبها علقت السفيرة سها الجندي وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، على نتائج التحليل مؤكدة أنه واحد من أول الدراسات التى تتم فى هذا الموضوع بهذا التوسع،معربة عن أهميته الشديدة، وأشارت إلى أن موضوع التدريب من أجل التوظيف وربط الدراسةبسوق العمل، على رأس أولويات الوزارة، وهناك اتجاه متزايد للتعاون مع عدد من الدول خاصةالأوروبية والتى تعانى من فجوة ديموغرافية فى عدد الشباب، حيث تهتم هذه الدول باستيرادالعمالة المصرية، وتركز الوزارة على تدريب العمالة وتأهيلها لمتطلبات سوق العمل فى هذه الدول ومواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية من خلال التوسع فى مراكز التدريب.
وأشارت الوزيرة إلى أن الأزمة الاقتصادية والتى خلفت ازدواج فى سعر الصرف تسبب فى تراجع تحويلات العاملين المصريين بالخارج خلال الفترات الماضية، وهو ما أدى إلى التفكير فى خلق بدائل لهذه التحويلات من خلال طرح مبادرات خدمية يتم سداد مقابلها بالدولار مثل مبادرةسيارات المصريين بالخارج، ومبادرات مع وزارة الإسكان.
وأكدت الجندى أنه بدراسة أسباب تصدر دول الهند والفلبين والصين قائمة الدول الأكثرتحقيقا لتدفقات من تحويلات العاملين بالخارج، تبين أن السبب هو وجود عمالة مدربة قادرةعلى المنافسة بشدة فى السوق العالمي.
وتعليقا على تأثير دعوات توطين الوظائف فى دول الخليج على الطلب على العمالة المصرية،خاصة السعودية، أوضحت الجندى أن العمالة المصرية مطلوبة وليس هناك رغبة فى الاستغناء عنها، ولكن دول الخليج تسعى لاستقطاب عمالة مدربة على مستوى عالى، وهناك رغبة سعودية فى تكرار تجربة المركز المصري الألماني لتدريب العمالة من أجل السفر لألمانيا،بحيث يتم ذلك أيضا مع العمالة المسافرة للسعودية، مشيرة إلى أن التقديرات تشير إلى أن عددالعمالة المصرية بالسعودية نحو 3 مليون مصري، عاد منهم مليون عامل بعد أزمة كوفيد 19.
وأشارت إلى مشكلة تتعلق بوجود سماسرة من الدول الأوروبية والمملكة المتحدة يسعون لاجتذاب الأطباء والممرضين المصريين للسفر بالخارج، حيث هناك حاجة شديدة لهذه الفئات فى هذه الدول، ولكن هذا يتسبب فى مشكلة كبيرة نظرا لضرورة تحقيق التوازن مع الاحتياج الداخلى من هذه الأطقم الطبية والتمريض.
وأعلنت وزيرة الهجرة عن دراسة إنشاء مركز مصري للهجرة لتدريب العمالة من أجل توظيفهم بكفاءة، بناء على رغبة عدد من الدول الراغبة فى العمالة المصرية منها إيطاليا وهولندا وبلجيكاوإنجلترا والسعودية، مشيرة فى الوقت نفسه إلى وجود طلب على العمالة المصرية الموسمية فى مجالات الزراعة والمقاولات والتشييد.
من جانبه قال السفير اسماعيل خيرت مساعد وزير الخارجية للشئون القنصلية والمصريين بالخارج أنه ليس لدينا إحصائيات جيدة للعمالة المصرية بالخارج، ويقدر عدد العمالةالمصرية بالسعودية ما بين 2 – 3 مليون مصري، وتقوم أيضا دولة الكويت بـ“تكويت” الوظائف وبدأ عدد كبير من المدرسين المصريين هناك فى العودة، وأيضا قطر والإمارات.
وأشار خيرت إلى أن الطلب على العمالة فى دول الخليج يتغير من مرحلة لأخرى، فبعدما كان الطلب على المدرسين والأطباء أصبح الآن الطلب على المبرمجين والعاملين بقطاع السياحةوالنقل الجوي والبحري، وهناك ضرورة ملحة لتطوير العمالة المصرية للتوافق مع الاحتياجات المطلوبة.
وعلى جانب آخر أشار إلى مشكلة الهجرة غير الشرعية، حيث يتم القبض على نحو 500 – 1000 شخص شهريا أثناء محاولة الهجرة غير الشرعية عبر ليبيا، ومن ناحية أخرى تواجه العمالةالرسمية مشكلات تتمثل فى عدم معرفتهم بقوانين الدول التى يسافرون إليها مما يعرض كثيرمنهم إلى عقوبات تصل إلى الحبس، خاصة فى دول الخليج.
وقالت حنان الشيخة الرئيس التنفيذي للموارد البشرية بالبنك الأهلي المصري، أنه على مدارفترة التحليل يظهر تراجع مهارات الخريجين، وهو ما يتطابق مع الواقع تماما حيث لم يعدالخريج مؤهل لسوق العمل سوء من الناحية المهنية أو المهارات الحياتية، باستثناء خريجي تكنولوجيا المعلومات، مؤكدة ضرورة وجود وقفة لتأهيل خريجي الجامعات لمتطلبات سوق العمل.
وعلقت الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التنفيذي ومدير البحوث بالمركز، على ذلك بأنالتحليل منذ بدايته يظهر مشكلة تراجع مهارات العمالة وخاصة الخريجين، وهو ما يتطلب تغييرا هيكليا ومؤسسيا فى منظومة التعليم بالكامل وليس فقط برامج لتأهيل العمالة بعدالتخرج، باستثناء قطاع التكنولوجيا الذى يعمل بشكل جيد ولكن هناك حاجة لاتخاذ كل الخطوات اللازمة من قبل الحكومة للحفاظ على الكفاءات من الشباب فى هذا القطاع نظراللطلب المرتفع عليهم بالخارج.
وشددت عبد اللطيف على ضرورة وجود قاعدة بيانات للعمالة المصرية بالخارج، والعمالةالعائدة وخبراتهم ومجالات عملهم حتى يمكن الاستفادة من هذه الخبرات، مؤكدة استعدادالمركز للتعاون فى هذا المجال.
جدير بالذكر أن تحليل الطلب على الوظائف في سوق العمل المصري يستهدف سد الفجوةالإحصائية والمعلوماتية في هذا المجال، حيث تركز معظم البيانات المتاحة من قبل الجهات الرسمية المحلية والدولية على جانب العرض فقط، لذلك بداية من يونيو 2021 قام المركزبرعاية البنك الأهلي المصري بتجميع ومعالجة وتحليل جميع إعلانات التوظيف الموثوقةالمنشورة على الإنترنت، وإتاحة النتائج من خلال لوحة بيانات سهلة الاستخدام يتم تحديثهابشكل ربع سنوي، بما يمكن الجميع من رصد اتجاهات الطلب على المهارات في سوق العملالمصري وكيفية تغيره بمرور الوقت استجابة للتطورات الاقتصادية محليا وإقليميا ودوليا.