على مدى تاريخه، يلعب مسرح الثقافة الجماهيرية دورا فنيا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا، بل وأمنيا كذلك.
ولمن لا يعرف فإن هيئة قصور الثقافة لديها عشرات الفرق المسرحية التي تنتشر في كل أقاليم ومحافظات ومدن وقرى ونجوع مصر، وتقدم عروضها لأهالينا هناك بالمجان، كخدمة ثقافية تتناسب والدور الذي أنشئت من أجله هيئة قصور الثقافة، باعتبارها هيئة غير هادفة للربح.
على سبيل المثال لا الحصر، فقد قدمت الهيئة هذا العام، ضمن مشروع نوادي المسرح، 160 عرضا مسرحيا، شارك في تقديمها خمسة آلاف شاب وفتاة، تكلفة هذه العروض حوالي 800 ألف جنيه فقط، ميزانية العرض الواحد خمسة آلاف جنيه، ولا يحصل صناع هذه العروض على أي مكافآت من أي نوع.
لك أن تتصور هذا العدد من العروض، وهذا العدد من الفنانين والفنيين، وهذا المبلغ الزهيد المخصص لإنتاج هذا الكم وتشغيل هذا الكم، ماذا لو أوقفنا هذه النشاط، أو وضعنا العراقيل أمامه، أو لم نوفر له الأجواء المناسبة لوصوله إلى الناس؟
النتيجة ستكون كارثية بالتأكيد، لأن هذا المسرح، فضلا عن الدور الفني والثقافي والاجتماعي الذي يلعبه، فهو يلعب أيضا دورا سياسيا باستيعابه كل هذه الطاقات التي يمكن لجهات أخرى أن تتلقفها حال وضع العراقيل أمامها وصرفها عن ممارسة هذا النشاط المهم والحيوي والضروري.
وفضلا عن عروض نوادي المسرح، فإن هناك مئات العروض الأخرى التي تقدمها فرق القصور والبيوت والقوميات والتجارب النوعية، وكلها عروض تتوجه إلى جمهور الأقاليم الذي لا يجد منفذا له سوى بيت أو قصر الثقافة، وفي حال عدم وجود هذا المنفذ وهذا النشاط فإن هذا الجمهور سيكون هدفا لجهات أخرى يسوءها أن يكون هذا البلد آمنا مطمئنا، ويكون ناسه على درجة من الوعي والاستنارة.
وإذا كان البعض يرى أن ظروف البلد لا تسمح بمثل هذا النشاط المجاني، فعليه أن يدرك أن عائد هذا النشاط لا يقدر بثمن على كافة المستويات، وبالتالي فإن استمراره ودعمه يعد من الواجبات الوطنية المهمة والضرورية.
المشاكل التي يتعرض لها هذا المسرح تنذر بكوارث، وعلى المسئولين عن الثقافة في هذا البلد إدراك ذلك، حتى لا نبكي بعد ذلك على اللبن المسكوب.
وقد شهدت الأيام الماضية حراكا مسرحيا في أقاليم مصر، وتقدم المسرحيون ببيانات لوزيرة الثقافة لبحث مشاكل هذا المسرح والسعي لإيجاد حلول عاجلة لها.
والذي حدث أن الوزيرة د. نيفين الكيلاني اهتمت بالأمر، وعقدت اجتماعا مع رئيس هيئة قصور الثقافة عمرو البسيوني، ورئيس الإدارة المركزية للشئون الفنية الفنان تامر عبد المنعم، لكن الاجتماع لم يتطرق لمشاكل المسرح كلها، واكتفى فقط بالتطرق إلى مشروع سينما الشعب والتنسيق بينه وبين العروض المسرحية.
هذا الأمر أغضب المسرحيين الذين أصدروا عدة بيانات واعتراضات ضد اختزال مشاكل المسرح في العلاقة بينه وبين مشروع سينما الشعب، وللأمانة فقد انتبهت الوزيرة إلى ذلك، وكلفت رئيس الهيئة بعقد اجتماع غدا مع عدد من ممثلي المسرحيين في الأقاليم لعرض مشاكلهم واقتراحاتهم، وهو أمر جيد نرجو أن يخرج بنتائج لصالح استمرار وتطوير هذا المسرح.
لا أحد بالتأكيد ضد النشاط السينمائي الجاد، شريطة ألا يطغي، وهو يطغى بالفعل، على النشاط المسرحي ويعطله ويضربه في مقتل.
وفضلا عن النشاط السينمائي، المرحب به في حدود عدم القضاء على النشاط المسرحي، فعلى المسئولين إدراك أن هناك عشرات المشاكل الأخرى، التي يعاني منها مسرح الثقافة الجماهيرية، وسوف يتم طرح هذا المشاكل خلال الاجتماع، وتقديم مقترحات حلها.
وإذا كانت الدولة تعاني ظروفا اقتصادية صعبة نعلمها جميعا، وإذا كان هناك سعي مشروع ومقبول للتقشف والتعامل الاستثماري في عدد من المؤسسات والوزارات، فإن الثقافة الجماهيرية تحديدا حالة خاصة يجب النظر إلى أنشطتها المجانية باعتبارها استثمارا في البشر، وإسهاما في حماية الأمن القومي للبلاد.