د. سيد علي إسماعيل
أول أوبرا مصرية – كما يُقال – كتبها «كامل صليب» الموسيقي الإسكندري خريج كلية الآداب عام 1949، وكان يطمع في عرضها بدار الأوبرا في القاهرة، وقابل مديرها سليمان نجيب، فأرسله إلى وزارة المعارف، وكتب سليمان حزين مذكرة للوزير طه حسين فأحالها إلى الدكتور الحفني، وهنا تغيرت الوزارة وأصبح محمد رفعت وزيراً للمعارف، وعندما عُرضت عليه المذكرة صرخ قائلاً: “إيه الكلام الفارغ ده؟ هوه إحنا فاضيين للمزيكة؟”. وبعد ثورة 1952 رأس اللجنة الموسيقية العليا الصاغ أبو عوف، الذي تحمس للموضوع، وأقسم أن هذه الأوبرا سترى النور على الرغم من جميع العناصر الرجعية! ولكن الظروف كانت أقوى من الصاغ، فاتجه كامل صليب إلى الشباب فكانوا أبطالاً! فالطالب الذي قام بدور البطولة كان يعمل مدرساً للألعاب نهاراً، ثم يغني في البروفة ليلاً، حتى احتبس صوته أسبوعاً كاملاً! أما الأوركسترا فكانت من الإذاعة مقابل 80 جنيهاً، يقودها «فافيادس» الذي انسحب قبل العرض بأيام ناهيك عن عدم توفر ال80 جنيه! وتأجلت الحفلة وانهارت الأعصاب بسبب عدم وجود المال، فذهب «الفريد فرج» المحرر بالجمهورية إلى إدارة الجريدة وادعى أنه سيتزوج وطلب سلفة قدرها 100 جنيه، ظل يعاني من سداد أقساطها عدة سنوات! ولكن للأسف ال100 جنيه لم تكن كافية. فقام مخرج العرض «حمدي غيث» بكتابة خطاب أخذه الفريد فرج وسافر به في الساعة الثانية بعد منتصف الليل إلى كفر شلشلمون حيث طرق باب العمدة وهب من في الدار، وصاح الفريد فرج “أنا من طرف حمدي” وصرخ العمدة “ماله حمدي .. خير!!”، وسلمه الفريد الخطاب. وقرأه العمدة فعرف أن شقيقه في أمان، ولكنه يطلب خمسين جنيهاً لإنقاذ الأوبرا .. ودفع عمدة كفر شلشلمون خمسين جنيهاً لكي يصنع لمصر أوبرا عالمية! وبالفعل تم عرض هذه الأوبرا في قاعة يورت بالجامعة الأميركية عام1956 .. وإلى هنا تنتهي قصتنا!!
ستسألني: ما اسم هذه الأوبرا، التي لم أذكر اسمها، ووصفتها بأنها أول أوبرا مصرية عالمية؟ سأقول لك “والله العظيم ما أعرف”! ولو سألتني من هو «كامل صليب» سأقول لك: أقسم بالله ما أعرف إنه غيّر اسمه وأصبح «كامل الرمالي»، وإياك أن تسألني لماذا غيّر اسمه من صليب إلى الرمالي؟! ولكن إحقاقاً للحق أقول: إنني بحثت في موضوع قصة هذه الأوبرا، فعرفت أن الأوبرا اسمها «حسن البصري» وأنها لم تعرض كاملة في قاعة يورت بل تم عرض فصلها الثاني فقط! ولم يبق أمامك الآن عزيزي القارئ إلا سؤال واحد مشروع، وهو: ما علاقة هذا كله بصلاح عبد الصبور وذكراه؟! سأقول لك: إن كافة التفاصيل التي ذكرتها عن هذه الأوبرا، ما هي إلا معلومات بسيطة من مقالة كبيرة، نشرها صلاح عبد الصبور باسمه في جريدة «الشعب» عام1956، تحت عنوان «قصة أوبرا القاهرة .. هل هي قصة بطولة»! وهذه المقالة الضخمة أعدّها أول مقالة كتبها صلاح عبد الصبور ونشرها في بداية حياته الثقافية، وربما تكون أولى كتاباته على الاطلاق، وهذا هو الجديد، الذي أنشره اليوم لعل أحد الباحثين يهتم بالمفاتيح الموجودة في هذه الكلمة، ويكتب لنا بحثاً عن أول أوبرا مصرية عالمية كانت مجهولة لنا واسمها «حسن البصري»، وعن مؤلفها كامل صليب أو كامل الرمالي ونشيد بمجهوده الواجب علينا إبرازه والحفاظ عليه، مع البحث عن علاقة صلاح عبد الصبور بهذا الموضوع، ولماذا كتب عنه هذه المقالة في هذا الوقت؟!