»»
لن يأفل يوما بريق النضال الفلسطيني، طالما كانت هناك أنفاس في الحياة وإرادة قوية تعشق الوطن والأرض، وتصون كرامة كل عربي في زمن عزت فيه المباديء، والقيم الإنسانية الجمعية وتراجعت للخلف، وحتي إشعار آخر!.
ويبقي الأمل ووعد الله الحق بالنصر والتمكين، وانتهاء وهم دولة اسرائيل وعبثية هذا الكيان الفاسد المفسد، علي أيدي ثلة من المؤمنين الصادقين..
وربما يسأل سأل ضيقا وضجرا من ضبابية المشهد متي هو ؟، ولكن عسي أن يكون قريبا، ويشف الله صدور قوم مؤمنين بنصره وتمام وعده الصادق وكان وعدا مفعولا.
ما يزال بصيص الأمل وبشريات شروق الفجر بعد ليل دامس وطويل تثبت قلوب قوم مؤمنين، رغم استمرار سيناريو الإفساد الصهيوني، وهذا الإجرام المنظم، وما اقترفته أيديهم بصلف وتجبر بمساندة وتواطوء من أطراف غربية معلومة لدي الجميع، ورغم ما أصاب الكثيرين من أبناء المعمورة من صنوف الإحباط قنوطا، يأسا من إمكانية خللة هذا الموقف الغربي المخز وضرورة استفاقته، وتصحيح مواقفه السياسية والوقوف بجانب الحق الفلسطيني المهيض واتخاذ مواقف فاعلة نحو وقف حرب الإبادة الجماعية للمدنيين والأبرياء، و التي تحرمها وتجرمها كافة الشرائع السماوية، والقوانين الأممية لو اتخذت طريقها لدنيا الواقع بعيدا عن استراتيجيات الكيل بمكيالين، النفعية المطلقة، الصمت الخبيث، وهذا التجاهل المريب.
كما يتوق من لديهم بقايا قلوب وضمائر حية لوضع حد لهذه الجرائم غير المسبوقة التي تركت آثارا جراحا عميقة في وجدان البشرية المكلومة، ونقاطا سوداء حالكة الظلمة في جبين الإنسانية الموجهة المغلوبة علي أمرها!.
ووسط هذه الأجواء المفعمة بالضيق والضجر الشعبي الأممي تواصل إسرائيل الحرب على غزة متجاهلة قراراً لمجلس الأمن يطالبها بوقف القتال فوراً، وأوامر من محكمة العدل بوقف هجومها على رفح، واتخاذ تدابير فورية «لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية، والعمل فورا لتحسين الوضع الإنساني المتدهور بقطاع غزة، والذي فاق كل التوقعات وكل حدود المواجهات العسكرية الشريفة وأطر الحرب المنصفة!.
ومع فداحة مأساة أهل غزة التي اوجعت قلوب كل الأحرار، وضبابية مشهد الأفق القريب، لكن روح المقاومة الصامدة تركت العديد من المؤشرات الإيجابية، علاوة علي تأثيرها المباشر وغير المباشر تجاه تغيير مواقف الشعوب نحو عدالة قضية الشعب الفلسطيني، وتفهم هؤلاء لفكرة الوطن والأرض والتاريخ، والدولة وحق أبناء فلسطين في الحياة كغيرها من شعوب الدنيا.
وفي سابقة تاريخية، وبعد 8 أشهر من اندلاع حرب غزة، أعلنت إسرائيل أمس الجمعة أنّ الأمم المتّحدة أبلغتها بأنّها ستُدرِج جيشها في «قائمة العار» المتعلّقة بعدم احترام حقوق الأطفال في النزاعات.
وعلى الرغم من أن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، سيصدر تقريره الجديد في 18 يونيو الحالي، سارع السفير الإسرائيلي جلعاد إردان لإعلان قرار الأمم المتحدة، معلناً أنّه تلقّى اتصالاً هاتفياً من مدير مكتب جوتيريش، يبلغه فيه بقرار الأمين العام إدراج الجيش الإسرائيلي في «قائمة العار».
وعلق إردان: “أشعر بصدمة عميقة واشمئزاز، من هذا القرار المخزي الذي اتّخذه الأمين العام”.
وتعد هذه المرة الأولى التي يُدرَج فيها الجيش الإسرائيلي ضمن هذه القائمة، على الرغم من مطالبات عديدة من قِبَل منظمات حقوقية دولية
بتلك الخطوة خلال السنوات الماضية.
و”قائمة العار” هي قائمة يرفقها الأمين العام للأمم المتحدة، ملحقةً مع تقريره حول الأطفال في مناطق النزاع، وتركِّز بشكل أساسي على المتورطين في انتهاكات ضد الأطفال بمناطق النزاع، بما يشمل اعمال القتل والتتشويه وتجنيد الأطفال واستغلالهم جنسياً.
وتصدر القائمة بشكل سنوي، بناء على طلب من مجلس الأمن الدولي، ويسري القرار لمدة 4 سنوات.
وقد أنشئت “قائمة العار” من طرف الأمم المتحدة عام 2002، بوصفها أداة قيّمة في الجهود الرامية لكبح الانتهاكات ضد الأطفال جراء النزاعات المسلحة؛ إذ يشكّل وصمها للجناة، سواء الحكومات أو الجماعات المسلحة غير الحكومية، ضغطاً كبيراً على أطراف النزاع المسلح، ليجبرها على الامتثال للقانون الدولي.
وعلى الرغم من أن الإدراج في القائمة لا يترتب عليه أية عقوبات مباشرة على الدول المتورطة، لكنها تأتي في سياق مهم للأحداث؛ حيث يأتي إدراج إسرائيل في «القائمة السوداء» مع إشارات وقرارات رمزية مهمة وغير مسبوقة بحق إسرائيل في الأسابيع الأخيرة، أبرزها قرار محكمة العدل الدولية، بعد رفع جنوب أفريقيا في 11 يناير الماضي دعوى قضائية على إسرائيل، بتهمة ارتكابها إبادة جماعية في غزة.
أيضاً، طلب المحكمة الجنائية الدولية في نهاية شهر مايو الماضي إصدار مذكرات توقيف لرئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، ووزير دفاعه “بيني جانتس”.
كما ينسف إدراج إسرائيل في القائمة مزاعم نتنياهو بأن “الجيش الإسرائيلي هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم”.
كما لا يختلف اثنان أن تغير موقف العديد من دول تجاه قضية فلسطين وشعبها خطوة مهمة لتعزيز قواعد اللعبة وضبط موازين القوى لصالح الشعب الفلسطيني، وتمكينه من الانضمام للمعاهدات والمنظمات الدولية، وغيرها من الآليات القانونية.
وقد جاءت أولي الثمار قبيل شهر تقريبا بتأييد ساحق من الجمعية العامة للأمم المتحدة حول أحقية الفلسطينيين في ممارسة حقهم في تقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلة وفق حدود ما قبل يونيو 1967،وهي خطوة مهمة للأمام.
وقد جاء التصويت بواقع 143 صوتا مقابل 9 فقط، من بينها أمريكا وإسرائيل، يؤكد على أن هذا الإجماع الدولي الراسخ، هو ما يتسق مع مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، لا سيما المادة الأولى التي تنص على “تنمية العلاقات الودية بين الأمم على أساس إحترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها حق ثابت في تقرير مصيرها.
كما جاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر بشأن التصويت بأحقية منح فلسطين العضوية الكاملة في المنظمة الأممية والتوصية بإعادة نظر مجلس الأمن بإيجابية في قراره بشأن منحها العضوية الكاملة.
ووفقا للخبراء فهو إنجاز دبلوماسي وقانوني مهم يصب في مصلحة تكريس الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني وتعزيز مكانتها المنقوصة على الساحة الدولية.
كما أن الاعتراف الأممي بدولة فلسطين من شأنه تغيير قواعد اللعبة وموازين القوى لصالح الشعب الفلسطيني، وتمكينه من الانضمام للمعاهدات والمنظمات الدولية، وغيرها من الآليات القانونية. تظل فكرة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، مرهونة بمدى إلتزام المجتمع الدولي بتنفيذ قراراته ذات الصلة، مشددا على ضرورة توظيف كافة الأدوات السياسية والدبلوماسية، والقانونية، والأخلاقية لإلزام إسرائيل بالامتثال للشرعية الدولية وإنهاء احتلالها وانتهاكاتها المستمرة لحقوق الشعب الفلسطيني.
وبطبيعة الحال تظل العقبة الرئيسية التي قد تعترض حصول فلسطين على العضوية الكاملة تتمثل في اشتراط حصولها على موافقة مجلس الأمن، في ظل الفيتو الأمريكي الذي طالما استخدم لإجهاض أي قرارات تدعم الحقوق الفلسطينية، أو تدين الانتهاكات الإسرائيلية، فقد استخدمت الولايات المتحدة حق النقض أكثر من 40 مرة منذ عام 1972 لحماية إسرائيل من أي إدانة أو عقوبات.
ورغم كل التحديات يأتي دور المجموعة العربية والإسلامية والداعمين من المعسكر الشرقي في تكثيف العمل المشترك نحو إقرار هذه الخطوة وبلورتها في صورتها النهائية، كما ينبغي ألا يثني هذا التطور النوعي في الموقف الدولي أبناء فلسطين، وكافة الدول الداعمة عن مواصلة الجهود والضغوط السياسية والدبلوماسية لاستصدار توصية من المجلس، مع استمرار فضح جرائم الاحتلال، وتسليط الضوء على الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة.
وفي تقديري أنه ومع كثرة الضغوط في هذا الشأن ربما تصحح واشنطن مواقفها، وتعيد النظر في موقفها وتجنب استخدام الفيتو تحت وطأة الضغط الدولي المتزايد وتنامي الإدانة العالمية لسياسات الاحتلال.
وفي تصوري أن دول المعسكر الشرقي وفي مقدمتها روسيا والصين والهند، بإمكانها اتخاذ مواقف أكثر فعالية، ولو من قبيل إثبات الوجود ومناطحة القوي التقليدية في عالم أمسي في حاجة ماسة لفكرة تعدد الأقطاب ورفض الهيمنة الغربية المطلق بتأثيراتها السلبية، ومحدداتها السياسية والاقتصادية والثقافية.
ومن أرض الصمود رغم مرارة الواقع تظل الكلمة لأبناء فلسطين، فلن يكون السعي لنيل العضوية الأممية الكاملة، واستيفاء حقوقهم الدولية بديلا عن عقيدة الكفاح المستمر على الأرض لإنهاء الاحتلال، وإنما مكملا ومعززا له.
ومن المؤشرات الإيجابية أيضا خلال الأيام الماضية انضمام دول انضمام إسبانيا ودول أخرى لدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل وهو ما سيشكل ضغطا دوليا لوقف الانتهاكات وخطوة إيجابية أخري لتعزيز موقف القضية الفلسطينية أمام العدل الدولية.
كما أن هناك دولا عديدة سبقت إسبانيا في التدخل بالقضية، ومنها نيكاراجوا وكولومبيا وليبيا وتشيلي والمكسيك وفلسطين نفسها، فيما أعلنت دولًا أخرى كتركيا ومصر والمالديف وأيرلندا وبلجيكيا نيتها للانضمام.
ولا ريب أن مشاركة هذا العدد من الدول يعكس حجم التأييد الدولي المتنامي للقضية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
وفي هذا السياق ثمن
د.محمد محمود مهران المتخصص في القانون الدولي، وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي إعلان إسبانيا الانضمام للدعوى القضائية، التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، بشأن انتهاك الأخيرة لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، معتبرا أنه موقف مساند لتعزيز موقف القضية الفلسطينية أمام أعلى هيئة قضائية أممية.
وأوضح خلال حديث له مع “منصة المساء أون لاين” أن إعلان وزير خارجية إسبانيا خوسيه مانويل لباريس عن نية بلاده التدخل في القضية، يأتي في سياق تنامي الدعم الأوروبي للحقوق الفلسطينية، لا سيما بعد اعتراف مدريد رسميا بدولة فلسطين نهاية مايو الماضي، إلى جانب أيرلندا والنرويج.
كما أشار د.مهران إلى أن انضمام إسبانيا سيمنح زخما قويا للدعوى، حيث تُعد من الدول المؤثرة في الاتحاد الأوروبي، ولها ثقل سياسي ودبلوماسي كبير، لافتا إلى أن هذه الخطوة تعكس قناعة متزايدة لدى المجتمع الدولي بضرورة تحميل إسرائيل المسؤولية القانونية عن جرائمها بحق الشعب الفلسطيني، ووضع حد لإفلاتها من العقاب.
كما دعا جميع الدول الأطراف في اتفاقية منع الإبادة الجماعية للانضمام لدعوى جنوب أفريقيا، باعتبار ذلك واجبا قانونيا وأخلاقيا في ظل استمرار إسرائيل في ارتكاب أبشع الجرائم بحق الفلسطينيين، مشددا على أن تعاظم الدعم الدولي للقضية سيشكل ضغطا هائلاً على الاحتلال لوقف انتهاكاته.
كما ناشد د. مهران الدول التي لم تصادق بعد على الاتفاقية، بالمسارعة للانضمام إليها حتى تتمكن من القيام بدور أكبر في مساندة الحق الفلسطيني، معتبرا أن مكافحة جريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية هي مسؤولية جماعية تقع على عاتق المجتمع الدولي بأسره، ولا يمكن التغاضي عنها بأي حال.
ونوه أستاذ القانون إلي أنه في حال صدور حكم محكمة العدل الدولية لصالح الفلسطينيين، سيشكل ذلك سندا قانونيا دامغا يُلزم إسرائيل بوقف ممارساتها الإجرامية، ويدفع مجلس الأمن، والجمعية العامة، والمنظمات الدولية لاتخاذ خطوات عملية لتوفير الحماية للشعب الفلسطيني ومحاسبة مرتكبي الجرائم، مؤكدا أن اللجوء للقانون الدولي سيظل سلاحا مهما بيد الفلسطينيين لاسترداد حقوقهم المشروعة بالتوازي مع كفاحهم لنيل حقوقهم كاملة.
ويذكر أن اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948، والمصدق عليها أكثر من 152 دولة، تُجرم الأفعال المرتكبة بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه إهلاكا كليا أو جزئيا، وترقي الممارسات الإسرائيلية الممنهجة في قطاع غزة المحاصر، من قتل وتشريد وحصار وتدمير للبنية التحتية المدنية، لمستوى هذه الجريمة الدولية الخطيرة.
كما أن المادة التاسعة من الاتفاقية تسمح لأي دولة طرف بإحالة أي نزاع بينها وبين طرف آخر بشأن تفسير أو تطبيق أو تنفيذ الاتفاقية إلى محكمة العدل الدولية، ولا شك أن انضمام دول أخرى يُعزز الحجج القانونية للدعوى، ويزيد من فرص صدور حكم لصالح الفلسطينيين.
ويتبقي لنا الرسائل والإشارات الأكثر فعالية في عبقرية المقاومة واستمرار النضال، والصمود اللامحدود، والتشبث بالأرض، والرسوخ، والثبات علي العهد حتي يقضي الله أمرا كان مفعولاً. ##