اكد الدكتور ناصر القحطاني المدير التنفيذي لبرنامج الخليج العربي للتنمية (أجفند) خلال ورشة عمل “تأثير الأوضاع الاقتصادية الراهنة على عمل الأطفال في البلدان العربية” لمناقشة أسبابها – وتداعياتها .ان القضية قد حظيت باهتمام بالغ على المستوى الاقليمي العربي، فقد صادقت الدول الأعضاء على معظم الاتفاقيات الإقليمية والدولية، كما تم وضع الاستراتيجيات والخطط الاقليمية والوطنية لمواجهة هذه الظاهرة، إلا أن التقدم الذي أحرزته المنطقة العربية في هذا المجال من حيث القضاء على عمل الأطفال وبشكل خاص أسوأ أشكاله، وضمان الالتحاق بالدراسة ومعالجة أسباب التسرب المدرسي وإعادة التأهيل، وكذلك ما يرتبط بهذه الظاهرة من تجفيف لمنابع الفقر والحد من البطالة ، قد أصبح محل خطر في ظل المتغيرات والمستجدات السياسية والأمنية الراهنة وتغير المناخ في المنطقة العربية.
ونحسب أن شراكة أجفند مع المجلس العربي للطفولة والتنمية، وجامعة الدول العربية، ومنظمة العمل العربية، من شأنها أن تحقق ما يتطلع إليه المهتمون، بما لدى هذه المؤسسات من خبرات واسهامات مشهودة في هذا المجال وتأثير ذلك على قضايا الطفولة العربية ، حيث يجدر بكل المعنيين والمهتمين أن نقف ملياً ونُعيد تقييم حصاد الحقل والبيدر، ونرصد مواطن الخطأ والصواب في تعاملنا مع هذه الظاهرة. وحتى لا تذهب الجهود والمبادرات العديدة السابقة هدراً فعلينا استحضار المستجدات والعوامل التي أحاطت بالظاهرة خلال العقد الحالي وقلصت النتائج التي توقعناها.
• ففي عام 2015، عندما تم اعتماد التعهد العالمي بالسعي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة الـ 17، كان التفاؤل يملؤنا جميعاً بما قطعه المجتمع الدولي من التزام بـ “إنهاء عمل الأطفال بجميع أشكاله بحلول عام 2025″. ولكن للأسف، ها هو 2025 يقترب ولم يتم تشييع ظاهرة عمل الأطفال. بل دبت فيها الحياة من جديد.
• ومن هذا المنطلق، كانت الحاجة إلى أهمية توفر معلومات موثقة وحديثة عن وضع عمل الأطفال ونسب التسرب من التعليم المدرسي، لتشخيص الحالة، ووضع وتنفيذ التدابير المطلوبة، وتقديم المسوغات التنموية، حيث تشير الإحصاءات التي تقدر بنحو 13.4مليون طفل، ما يمثّل نحو 15% من مجمل الأطفال في المنطقة العربيّة… وهذا رقم كبير ، ويتزايد، مثلما تنتشر الظاهرة عالمياً.
• إن معالجة هذه الظاهرة متشعبة ومتسعة الأسباب في المنطقة العربية، ولا يكون المساهمة في علاجها مجديا إلا بضرورة البحث عن جذور المشكلة والتعامل معها بالآليات المناسبة. فكما نرى هناك تشريعات وقوانين كثيرة، وعقوبات صارمة منصوص عليها، ولكن مع ذلك لم تشهد الظاهرة انحساراً، بل تمددت..
• إن الفقر هو الكلمة المفتاحية في التغير التصاعدي في أرقام عمل الأطفال في السنوات الأخيرة أما الأسباب الأخرى مثل التغيّر المناخي، وجائحة كورونا، والنزاعات والحروب والمجاعات، فهي من مدخلات الفقر، أو مخرجاتها في الوقت نفسه. والعلاقة وثيقة بين الأسباب الاجتماعية والاقتصادية، وإننا في أجفند نعتقد أن تحديد الفقر بوصفه العامل الأهم في نشوء عمالة الأطفال وتطورها وتزايدها، استطعنا قطع أكثر من نصف الشوط باتجاه ـ على الأقل ـ وقف تزايدها. لذلك فقد توصلنا إلى بعض السياسات والأساليب الواقعية والمرنة في التعامل مع هذه المشكلة منها:
أولا : فعلى الرغم من أن الفقر يتناسل ويلد معظم الظواهر السالبة المجتمعية، إلا أن برامج أجفند للشمول المالي بما يتيحه من خيارات واسعة لحل الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية، أثبت جدواه في ترويض الفقر، وبالتالي الحد من الظواهر التي تنشأ عنه. وهذا ما لمسنا ورصدناه من خلال منظومة بنوك أجفند للشمول المالي التسعة، وشراكتنا القائمة في إطار تعزيز آلية الشمول المالي، حيث يستهدف الشرائح الضعيفة والمهمشة فاقدة السند، التي تضطرها ظروفها الصعبة ” للاستعانة” بأطفالها في مواجهة تبعات الحياة.. فعمل الأطفال هنا اختيار أسري، حال كثير من الأسر الفقيرة. كما أنه في بعض الأحيان قسري يتم فيه استغلال الطفل.
ثانيا : بالتوازي مع توفير فرص عمل لأرباب الأسر من النساء والرجال تقدم بنوك أجفند منتجا يحمي الأطفال من الانجراف في سوق العمل، وهذا المنتج هو رياض الأطفال، بمنهج حديث ومواكب يوفر مقومات التنشئة.
ثالثا : أما تمكين المرأة فهو أحد البرامج الرئيسة في عمل أجفند، حيث إن أكثر من 60% من المستفيدين من بنوك الشمول المالي نساء. وتمكين المرأة ضمن ما يحقق من أهداف استدامة التنمية هو الأمان للأسرة ، لأن الأسرة المستقرة تصون أطفالها من مخاطر العمل المهدد لسلامتهم ولحقوق الطفولة ، لذلك فقد تم تصميم منتجات مالية شاملة للنساء مثل قروض ومدخرات المجموعات، وغير ذلك من المنتجات التي توسع الفرص أمام النساء ، خصوصاً في الريف.
رابعا: ولما كانت الزراعة هي القطاع الذي يسجل فيه عمل الأطفال أرقاماً ملحوظة في المنطقة، ويستحوذ على غالبية الأطفال المنخرطين في العمل ( حيث الحيازات الزراعية الصغيرة تعمل فيها الأسرة بأطفالها ) ، فإن صغار المزارعين ـ وهم عماد هذا القطاع ـ مستهدف رئيس في توجهات أجفند لتحسين أوضاعهم وبيئة عملهم، وتمكينهم. وهكذا لن يضطر المزارع إلى حرمان أطفاله التعليم الأساسي، والاستمتاع بمراحلهم العمرية ذات الخصوصية. لذلك فقد توصلنا إلى أسلوب نؤمن أنه يتصف بالكثير من الواقعية والمرونة في التعامل مع التحديات التي تواجه هذه الشريحة من الطاقات العاملة في قطاع الزراعة في المنطقة، وهو ما أقدمت عليه بنوك أجفند للشمول المالي من تبني العديد من المشروعات والبرامج التي تستند ليس فقط إلى تقديم الخدمات المالية، وانما تتسع لتشمل التدخلات الفنية لتعزيز صمود المزارعين في مواجهة هذه التحديات.
خامسا: ورافد أخر لعمالة الأطفال هو أطفال الشوارع والمشردين، وهم من إفرازات هشاشة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وإشكالاتها، وهم كثيرون في بعض المجتمعات العربية لدرجة القلق. والأسلوب الأمثل للتعامل مع هذه الفئة هو إعادة توطينهم في أسرهم التي يتم تمكينها أولاً، ومن ثم يتم تعهدهم بالرعاية وبالتعليم وإعادة التأهيل .
سادسا : أما العوامل الأخرى المؤدية إلى تزايد ظاهرة تشغيل الأطفال وإهدار كرامتهم، مثل النزاعات والتغير المناخي، وتأثيرات كورنا، فقد استوعبها أجفند في إطار مشروعه لمكافحة الفقر. فمعظم سياسات التعامل مع التغير المناخي مصممة للتخفيف على أصحاب الحيازات الزراعية الصغيرة، وتغيير واقعهم الذي لا يتناسب مع أدوارهم واسهاماتهم الاقتصادية الكبيرة. أما النزاعات المسلحة ـ كتلك الناشبة الآن في السودان، فإن بنوك أجفند تتعامل معها بخطة طوارئ اثبتت نجاحاً كبيراً خلال الأزمة في اليمن ووفرت حماية لأسر عديدة. وفيما يختص بكورونا فقد تم التعامل بخطة استثنائية أخرى مرتكزها فتح فرص العمل عبر توسيع استخدام التقنية، والتدريب والتأهيل بشراكات عالمية.
• وهكذا، تتكامل سياسات أجفند ضمن برنامجه للشمول المالي، وتعزز بعضها بعضاً في التعامل مع ظاهرة عمل الأطفال.. وختاما فإنني أتوجه بخالص الشكر وعظيم التقدير للمجلس العربي للطفولة والتنمية وجامعة الدول العربية ومنظمة العمل العربية على تنظيم هذه الورشة، كما أتقدم بخالص الشكر للخبراء الذين أسهموا ببعض الأوراق، ونأمل أن تحقق هذه الورشة أهدافها والمساهمة في وضع الحلول لمعالجة هذه الظاهرة.