قبل أن أبدا مقالي.. يسرني أن أتقدم بأصدق التهاني للدكتور محمد عبداللطيف لتولية وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، داعية المولى عز وجل أن يعينه على تلك المسؤولية والواجب الوطني الذي كلف به.
***
وفى مستهل مقالي.. نقول إن النظام التعليمي المصري بكل عناصره وبكل مستوياته، يعاني منذ أمد بعيد من العديد من المشاكل والتحديات، والتي تمثل عائقاً حقيقياً أمام تطوير العملية التعليمية، وبالتالي التحديث والتنمية الشاملة.. ومشاكل التعليم في مصر هي مشاكل بالغة الخطورة نظراً لكونها متعددة الجوانب والوجوه، حيث تعتبر قضية التعليم في مصر واحدة من أكثر القضايا المجتمعية المثيرة للجدل نظراً لانعكاساتها الاجتماعية، ولذا كان التعليم هو حجر الزاوية في برنامج التحديث والتطوير الذى تتبناه الدولة المصرية، بحكم دوره المحوري في بناء الإنسان المصري وتطوير قدراته الذاتية وخبراته العلمية والعملية، ولذلك يحتل التعليم مرتبة متقدمة في سلم أولويات الخطط التنموية للحكومة المصرية وعلى الرغم من التوجه الإيجابي العام للسياسات التعليمية خلال العقد الماضي والجهود التي بذلت في سبيل تنفيذ هذه السياسات على أرض الواقع، والآثار الإيجابية التي تحققت، فإن النتائج قد جاءت دون المستوى المأمول بقدر كبير وإن لم تخالف توقعات الكثيرين، ذلك أنه باستثناء الاقتراب من تحقيق هدف الاستيعاب الكامل للأطفال في مرحلة الإلزام، فإن أهداف السياسة العامة للتعليم والمتعلقة بضمان الاستمرار في التعليم حتى نهاية مرحلة التعليم الأساسي وإكساب المهارات الأساسية المفترضة في مرحلة الإلزام والمرحلة الثانوية التالية لها لم يتحقق بعد على الرغم من انطلاق عملية الإصلاح التعليمي، ويُضاف إلى ذلك الانتشار المرضي لظاهرة الدروس الخصوصية في كافة مراحل التعليم وبين جميع الطبقات الاجتماعية في الحضر والريف.
ومنذ أيام قليلة تولى الدكتور محمد عبد اللطيف منصب وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى فى حكومة الدكتور مصطفى مدبولى 2024، ومن ثم سيكون من أبرز التحديات لوزير التعليم الجديد :
أولُا: المعلمين:
استكمال تعيين المعلمين و اختيار معلمين جدد بما يتماشى مع استراتيجية التطوير الشاملة للمنظومة التعليمية ورؤية الوزارة وذلك باختيار معلمين يتمتعون بمهارات مهنية، ومعارف متجددة، وقيم وسلوكيات مهنية سليمة، خاصة ان بعض المعلمين الحاليين بحاجة إلى المزيد من التأهيل المهني والتربوي بالشكل الصحيح، كما أن العائد المادي الذى يحصل عليه المعلم قليل جداً ولا يكفى لضمان حياة كريمة للمعلم، مما يجعل الكثير منهم يلجأ للدروس الخصوصية لتحسين مستوى الدخل لديه وتوفير حياة كريمة له وأسرته.
ثانيًا: عودة الطلاب للمدارس:
من أخطر الملفات التى ستواجه وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، لإعادة طلاب الثانوية العامة والشهادة الإعدادية إلى المدارس، وهي مشكلة لم يوفق من سبقوه فى حلها.
ثالثًا: الدروس الخصوصية:
الحد من ظاهرة الدروس الخصوصية وعودة المدرسة لطبيعتها، فهل وزير التربية والتعليم سيكون لديه القدرة على عودة للطلاب للمدارس والحد من ظاهرة الدروس الخصوصية ؟ والقضاء على السناتر الخاصة ومافيا الدروس الخصوصية؟
رابعُا: المناهج الدراسية:
يجب على وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى الاهتمام باستكمال بناء المناهج الجديدة فى نظام التعليم الجديد 2.0، حيث عملت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى خلال الفترة الماضية على بناء مناهج للصفوف من رياض الأطفال حتى السادس الابتدائي وتم البدء فى وضع الإطار العام لمناهج المرحلة الإعدادية حيث سيكون لدى الطلاب بالصف الأول الابتدائي العام الدراسى القادم مناهج حديثة ومطورة وفق خطة تطوير وبناء المناهج الدراسية الحديثة.
خامسُأ: تطوير الثانوية العامة:
تطوير الثانوية العامة وتغيير المنظومة الحالية لتواكب تطوير التعليم الذى بدأ فى الصفوف الابتدائية وسيصل إلى الصف الأول الإعدادى مع بداية العام الدراسى الجديد، ويعتبر وضع تصور ورؤية لتطوير الثانوية العامة تحدى كبير لوزير التربية والتعليم والتعليم الفنى خاصة أنها تهم قطاع كبير من الطلاب والأسر المصرية.
ختامًا.. تعتبر العملية التعليمية نظاماً متكاملاً تتداخل فيه العناصر المادية والمعنوية، فتوفير البيئة التعليمية المناسبة يُعد متطلباً أساسياً لتحسين نوعية التعليم، والبيئة التعليمية لا تقتصر فقط على المناهج الدراسية بل تشمل بالإضافة لذلك المعلم، والطالب، والتجهيزات والمستلزمات، وكما أن العملية التعليمية الناجحة لا تكتمل أركانها بغير التقييم المستمر لمختلف عناصرها، ولا يجب أن تقتصر عمليات التطوير والتحديث على التعليم الأكاديمي فقط، بل يجب أن تمتد لتشمل التعليم الفني أيضاً.
ويمكننا تقديم بعض التوصيات العامة، والتي يمكن أن يساهم تطبيقها فى مواجهة وحل مشاكل التعليم فى مصر، ومن أهم تلك التوصيات ما يلى:
1. حل مشكلة المعلمين المادية لأنهم أساس العملية التعليمية، سواء في نجاحها أو فشلها.
2. ضرورة الاهتمام بالمدراس الحكومية لأن أغلب وأكبر شرائح الشعب لديهم حلم الحصول على تعليم جيد لأبنائهم، مع تشديد الرقابة على المدارس الخاصة فيما يتعلق بالمناهج والرسوم الدراسية.
3. المتابعة الجيدة من وزارة التربية والتعليم لكلا من المديريات والإدارات التعليمية.
4. منع الدروس الخصوصية بشكل نهائي وتجريمها بعقوبات لا تقل عن خمس سنوات سجن لمن يدرس في السناتر وأصحاب السناتر أيضا وتطبيق العقوبات بشكل فوري.
5. التحول من فكرة كون التعليم مسئولية الحكومة إلى فكرة قومية للتعليم وضرورة مساهمة جميع القطاعات ومن بينها القطاع الخاص في تطوير التعليم وتحسين جودته.
6. رفع المصروفات الدراسية بعد توفير أكثر من 40 مليار تنفق سنويا على الدروس الخصوصية وقيام المدرسة بدورها الكامل في العملية التعليمية.
7. منع إنشاء مدارس خاصة للمهاجرين سواء شرعيين أو غير شرعين وإلحاقهم بالمدارس الخاصة فقط.
8. تأكيد ثقافة الجودة الشاملة في نظمنا ومؤسساتنا التعليمية من خلال تطبيق المعايير العالمية في جميع عناصر المنظومة التعليمية .
9. ضرورة الاستفادة من مستجدات العصر ومستحدثات تكنولوجيا المعلومات لتوفير مصادر تعليم جديدة، وزيادة قنوات مدرستنا إلى 12 قناة تخصص كل منهم في صف دراسي، ويتم إصلاح المدارس لتواكب رؤية الجمهورية الجديدة.
10. إعادة هيكلة نظام الثانوية العامة بحيث يتم ربطه بالتعليم الجامعي بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل.
11. اغلاق المدارس التجارية لعدم جدواها وتحويلها لمدارس ثانوية صناعية فنية لتخريج مهرة تقوم على أيديهم المشروعات الصغيرة للسوق المحلي والخارجي، وكذلك تطوير المدارس الزراعية ودمجها في خطة الإنتاج الزراعي واستصلاح الأراضي الزراعية.
بقلم/ د. سارة عبدالخالق محرم
عضو لجنة التعليم والبحث العلمي وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات بنموذج محاكاة مجلس الشيوخ