بقلم ✍️ د.خلود محمود
( مدرس الإعلام الرقمي بالمعهد العالي للدراسات الادبية بكينج مريوط والمحاضر الزائر لليونسكو)
الأثر الاجتماعي المعلوماتي أو العقل الجمعي ظاهرة تفرض نفسها في حال معينة حال تفترض فيه الجماهير أن تصرفات الجماعة في حالة معينة تعكس سلوكاً صحيحاً يتجلى تأثيره في الحالات التي تسبب غموضاً اجتماعياً، وتفقد الجماهير قدرتها على تحديد السلوك المناسب، وبدافع افتراض أن الآخرين يعرفون أكثر منهم عن تلك الحالة يكون هناك دافع قوي نابع من عدم القدرة علي فهم الموقف أو الحدث بشكل صحيح فيغلب هنا الانصياع والإذعان لظاهرة العقل الجمعي، التي تفقد الإنسان القدرة على التفكير بعمق في القضية المعروضة أو الموقف الذي يتعرض له، هذا الذي يجعله يعجز عن الوصول إلى طريق التفكير الموضوعي إلى حل ذاتي ومن ثم يسير مع القطيع ويتخلى بذلك عن أهم ما ميزه به الله سبحانه وتعالى وهو العقل، حيث أنه يسمح لغيره بأن يفكر نيابة عنه، وينتظر من الآخرين بأن يحلوا له مشكلته أو قضيته أو يتبني من خلالهم ردود أفعاله تجاه المواقف والقضايا المختلفة دون تفكير ولو بسيط منه يحكم من خلاله بالمنطق علي الأحداث إن هذا تعطيل تام للعقل الفردي، الذي هو المنوط بتلك المهمه وحسب أن يسيّر حياة الفرد .
إن العقل الجمعي هو الذي ينشأ من اجتماع الأفراد بعضهم مع بعض، واحتکاک أفکارهم، وتقابل وجداناتهم ونزعاتهم، وهو الذي تکوّن من ائتلاف الجماعة، وتغذى على مالها من عوائد وأعراف وهو ما يطلق عليه البعض (فکر القطيع) وقد إنتقل هذا من الحياة الواقعية إلي “السوشيال ميديا” حيث الحياة الأفتراضية التي أصبح تأثيرها يفوق بل ويتفوق علي تأثير الحياة الواقعية فالفرد أصبح يستقي أخباره وأراءه وتوجهاته ومعرفته من خلال شاشة هاتفه المتصل بمواقع “السوشيال ميديا” التي تشكل أغلب ساعات يومه ليس هو وحده بل أغلب أفراد المجتمع الذين يتعرضون لنفس المحتوي المعلوماتي ،ومن ثم يتلاشي عمل العقل الفردي ويسيطر الأثر المعلوماتي للعقل الجمعي ونفقد الفرق الوحيد بين الجميع وهو في آلية عمل هذا العقل أو ما أطلق عليه منهج عمل هذا العقل الفردي في الحكم والنقد وتبني المواقف واتخذ ردود الأفعال بالمنطق وقبل الدخول في المشكلات الاساسية لتأثير “السوشيال ميديا” علي العقل الجمعي لابد من أن نوضح إن إحداث تغيير للعقل الجمعي في أمة من الأمم بشكل إيجابي يحتاج وقت طويل يبذل خلاله جهد كبير من أصحاب الفكر والرؤى، فالتأثير في المجتمع شيء والتأثير في العقل الجمعي شيء آخر، فربما تنتشر ظاهرة في المجتمع ولكنها ما تلبث أن تنتهي أما أن يتم تشكيل العقل الجمعي فهذا من الصعوبة بمكان، إن العقل الجمعي هو المشكل للعقل الفردي، ذلك الذي يعكس صعوبة أن يقوم الفرد بالتأثير في العقل الجمعي، خاصة وأنه سيسير عكس التيار ذلك الذي يجعله منزويا منبوذا من الغالبية الساحقة من المجتمع هذا الذي يعكس مدى صعوبة ان يتقبل المجتمعُ الجديدَ من الأفكار والمختلف من الرؤى والمغاير من التصورات، في الماضي الذي ليس بالبعيد كان المجتمع يتحكّم بعقولنا من خلال العادات والتقاليد الاجتماعية المُتأصلة والسائدة لشرائح واسعة من الأفراد، أما اليوم فقد تحكمت بنا “السوشال ميديا”، أو”كيمياء النشوة الوهمية” التي تحركنا كدمى وتجتاح عقولنا بسرعة لا متناهية، وتؤثر على طرق تفكيرنا وعاداتنا اليومية وأساليب حياتنا فتحوّلنا إلى منتجات تتشابه تارةً، وتتشابك بأنماطها العقلية تارةً أخرى وأصبح أمام ثلاث مشكلات رئيسية نجدها في أي قضية مثارة أو حدث علي ساحة السوشيال ميديا وهي أولاً مشكلة التشبث بالرأي والمجادلة العميقة فلم يعد الأفراد بالمجتمع تكترث لمدى تفهم للمواضيع المقترحة بل بكيفية الرد السريع على صاحب الفكرة، والهدف الأساسي هو المجادلة فقط وعملية إثبات للذات والتحدث لمجرد الكلام ودحض أفكار الطرف الآخر بطرق غيرعقلانية وتافهه، لا تتناسب بأي شكل من الأشكال مع تسلسل الأفكار ولا الأهداف.
والمشكلة الثانية الاستهزاء بالأشخاص أصحاب المعرفة والعلماء أن تملك معرفة عميقة يعني أنك تواجه سيل من التعليقات التي تحاول أن تخبرك بأنك ترتكب جريمة لا تُغتفر ، فهنا يسكت أهل العلم والحق خوفاً من جلب ذلك الاستهزاء ، نحن في الحقيقة من يصنع من أنفسنا جيلًا خائفا لايملك القدرة والجرأة في التعبيرعن أساليبنا الفكرية مهما تعددت وعلينا ألا ننسى بأن من لا يسرد أفكاره بشكل مُعمّق لايمتلك المعرفة أساسًا.
والمشكلة الثالثة والأخيرة مشاركة الأفكار في “السوشال ميديا” لاقيمة لها إن مشاركة الأفكار أمر بالغ الأهمية، وقد ألهمنا عديد من الأدباء والمفكرين بثقافتهم وأفكارهم الواسعة في مجالات كثيرة ولكنها في ظل “السوشيال ميديا” تلك المعرفة لن تلاقي الرواج أو التأثير المطلوب في ظل انتشار مايسمي ب”الترندات” التافهة التي تجلب الشهرة وكم من ظواهر بدأت بنقد ورفض وقلدها الكثير في المجتمع نذكر منها علي سبيل المثال ظاهرة الاستعراضات في حفلات التخرج وما حدث عقب ما انتشرت علي “الشوسيال ميديا” من فعل رفضه العقل الجمعي إلا أن ذلك الرفض تحول لموافقة علي ظاهرة ضد قيم ومبادئ المجتمع وأن إظهار الفرحة لا علاقة له بم يتم في تلك الاحتفالات..
ويتخذ مرتكبي تلك الافعال من “السوشيال ميديا” منبراً للشهرة وفرض أفكارهم وتكرارهم علي النقيض لا تلاقي الأفكار النافعة ذلك الرواج نحن في واقع الأمر لا ندعم الفاشل حتى ينجح، بل نحارب الناجح حتّى يفشل، وهذه أشياء رافقتنا منذ طفولتنا، ولو قمنا بمراقبة أفعالنا، لوجدناها مدمرة وليست بنّاءة.
وبالحديث عن النجاح والفشل، يبقى السؤال الأهم لدينا! إلى أين يقودنا هذا العقل الجمعي المتمثل في “سوشيال ميديا”؟!.