وفي شهر أكتوبر من كل عام ونحن نتنسم عطر الحرية والأمل ..ونستعيد ذاكرة العزة والفخر والنصر، يجدر بنا أن نتذكر فعاليات مؤتمر الحسنة التاريخي بوسط سيناء الحبيبة والتي جرت أحداثه في شهرأكتوبرعام 1968،ونلقي الضوء علي رجال تركوا بصمات خالدة وأدوا أدوارا بطولية لا تقل عن بطولات رجال القوات المسلحة.. إنهم فرسان الصحراء وحراس الحدود بدو وعرب سيناء،فلم يعرف مجاهدو سيناء إلا لغة النضال والكفاح والجلد حتي جاء النصر الأكبر بما يليق بشيم الكبار وبجنود وطن مثابر.
لقد حاولت إسرائيل عبر تاريخ صراعها مع أبناء النيل ومعها فصيل من المغرضين فصل سيناء وجدانيا وماديا عن الوطن الأم ،وإستمالة أبناء سيناء،وغرس سموم تشكك في ولائهم وإنتمائهم للوطن الأم.
لكن شموخ وصمود أبناء سيناء سيظل ملحمة عزة وشرف وكرامة فهم يعشقون الوطن.. حبا وانتماء وولاء .. وقدموا العشرات من الشهداء فداء لمصر الحبيبة.. وتحملوا كل الصعاب وذاقوا ويلات الحروب وحماقة الارهاب الاسود…
أنهم ابناء سيناء الغالية، بطولاتهم وقصص كفاحهم،و تضحياتهم الغراء لا ينكرها إلا من ينكر الشمس في قارعة النهار من رمد وعمي وجهالة ،.لايعرفون إلا لغة المروءة والكرم والعطاء والشهامة في زمن عزت فيه القيم والمباديء.
.. هم أهل سيناء من مختلف أبناء القبائل ..شهد لهم البعيد قبل القريب ورصدت بطولاتهم أقلام غربية وجنرالات الصهاينة خلال سنوات الصراع وأصبحت منارات وعلامات بارزة في تاريخ مصر.
ويعيدون تاريخهم الناصع من جديد ،فرغم مرارة أذرع الإرهاب الأعمي ومحاولاته تفريغ سيناء تدريجيا من أهلها إلا إنهم ضربوا أروع أمثلة الكفاح و الصمود والتشبث بالأرض ورفضوا الهروب من الميدان مع استمرار العمليات العسكرية للقوات المسلحة لتطهيره واجتثاث جذوره..
وحتي لا ننسى التاريخ المشرف يكفي أن نتذكرفقط فعاليات مؤتمر الحسنة وتحديدا في ٣١ أكتوبر ١٩٦٨، والذي سيظل تاجا مرصعا بدرالشرف والعزة والكرامة يزين رأس كل مصري وكل من ينتمي لتراب أرض الفيروز.
لقد سطر أهالي سيناء بحروف من نور بطولات عديدة خلال فترة الاحتلال، حيث عقد مؤتمر لشيوخ القبائل لإعلان انفصال سيناء عن مصر، دعا إليه موشي ديان وزير دفاع إسرائيل، وقد خدعوا الصهاينة وتظاهروا بالموافقة وأعلنوا كلمتهم أمام العالم بأن سيناء جزء لا يتجزأ من الأراضي المصرية.
وقد وجهت قوات العدو الدعوة لوكالات الأنباء العالمية ومراسلي والصحف والإذاعة وأعدت لهذا المؤتمر خياما خاصة في الحسنة بوسط سيناء..وكانت المفاجأة المدوية، حين تحدث الشيخ سالم الهرش، حيث ساد الصمت وحبست الأنفاس في الصدور،ووقف الشيخ سالم وأمسك بالميكروفون وقال: سيناء أرض مصرية وستبقي مصرية إلي الأبد ولا نرضى بديلا عن مصر وما أنتم إلا احتلال ونرفض التدويل.. سيناء مصرية مائة في المائة ولا نملك فيها شبرا واحدًا يمكننا التفريط فيه، ومن يريد الحديث عن سيناء يتكلم مع زعيم مصر جمال عبد الناصر.
وعلت الهتافات باسم مصر وحاول الحاكم العسكري الصهيوني أن ينقذ ما يمكن إنقاذه وأمسك بالميكروفون وبأعلي صوت قال: “غيرالموافق على رأي الشيخ سالم يرفع يده” ولم يحرك أحد ساكنا ، ولم يلتفت إليه أحد ،وانفض المؤتمر وفشل المخطط الصهيوني وسجل التاريخ لعرب سيناء المصريين درس الشموخ والعزة الذي لقنوه للصهاينة،ولم يخشواغرورهم وصلفهم.
وعقب المؤتمر قامت السلطات الإسرائيلية اتخاذ إجراءات قمعية عنيفة ضد السكان واعتقل 120 من المشايخ والمواطنين، أما الشيخ المجاهد سالم الهرش فاستطاع الهروب من سيناء عبر الأردن، ومنها إلى مصر وقام الرئيس جمال عبد الناصر بتكريمه وأهداه نوط الامتياز من الطبقة الأولى.
ويكفي أن نعيد قراءة تاريخ الصراع مع إسرائيل، وملفات المخابرات المصرية وشهادات ومذكرات أبطال اكتوبر، فبها عشرات القصص البطولية لعرب وبدو سيناء ترصد جهودهم في مساندة ودعم قوات الجيش بعد نكسة يونيه ٦٧ وحرب الاستنزاف ،والإستعداد لحرب أكتوبر المجيدة ، وتم تكريمهم جميعا في عصر.
ومن الروايات البطولية المشرفة التي يحكيها يسري الهرش حفيد المجاهد الكبير سالم الهرس عن الشيخ إبراهيم سالم جبلي شيخ مشايخ المزينة وابن كبير مجاهدي سيناء الشيخ سالم جبلي رحمة الله عليه: لم يقتصر دور بدو جنوب سيناء في مساعدة الجيش المصري في حرب أكتوبر 73 فقط ولكن قاموا بتضحيات وبطولات منذ نكسة 67، فالبدو والمشايخ هم الذين قاموا بتوصيل الجيش المصري إلى الضفة الغربية لقناة السويس وفي حرب الاستنزاف ،وكانوا همزة الوصل مع الأجهزة المصرية لتوصيل المؤن والمواد الغذائية من الغرب للشرق والمعدات الحربية من الشرق للغرب فوق الجمال فالمشايخ والرجال والشباب حتى السيدات كلهم وهبوا أرواحهم فداء لتراب مصرنا الحبيبة .
يقول جبلي كان هناك العديد من البدو يعملون كأدلة لقوات الكوماندوز المصرية ومنهم من قام بزرع الألغام لتدمير مركبات العدوبشرم الشيخ ، ومنهم من دمرأهدافا كان العدو يسيطرعليها بمطار طور سيناء ويضيف أن هناك العديد من البدو قد تم أسره من قبل الاحتلال الإسرائيلي ومنهم من حكم عليه بالسجن المؤبد المضاعف لمدة 75 عاما.
ويؤكد «جبلي» على أن الإدعاءات الباطلة التي تهمل دورالبدو في 73 لا أساس لها من الصحة والتاريخ شاهد عيان والقوات المسلحة هي الجهة الأكثر يقينا بما قام به البدو من تضحيات وشهادة الرئيس جمال عبد الناصر والسادات والرئيس مبارك ومنح أنواط الواجب الوطني من الطبقة الأولى لبدو سيناء لم يأت من فراغ، وفي ذكرى أكتوبريناشد «جبلي» المسئولين برعاية مجاهدي سيناء ،وكل من قدم روحه فداء لمصر من بدو سيناء، وأسرهم فلولا هؤلاء ما كنا اليوم نعيش على هذه الأرض الطاهرة التي ارتوت بدماء آلاف الشهداء وننعم بهذا الرخاء .
روايات المجاهدين لا تنتهي ..تحية حب وتقدير لكل أبطال..و شهداء الوطن.