بقلم ✍️ د.مها عبدالقادر
(أستاذ أصول التربية كلية التربية للبنات بالقاهرة – جامعة الأزهر)
إن تصريح وزير الثقافة بعد أداء اليمين الدستورية مهم للغاية ويتسق مع استراتيجية الدولة الطموحة؛ حيث قال سيادته، إن بناء الإنسان المصري سيكون على رأس أولويات عمل الوزارة خلال الفترة المقبلة، من خلال العمل على تعزيز القيم والمبادئ الإيجابية لدى جميع أفراد المجتمع.
وهذا يعني بما لا يدع مجالا للشك الإرادة والتصميم والعمل المتواصل تجاه تنمية الوعي الثقافي الذي يشير في ماهيته إلى مقدرة الإنسان المصري على فهم واستيعاب القيم والمعتقدات التي يدين بها المجتمع، وتطابقها مع قيمه ومبادئه الشخصية، ومن ثم مقدرته على تكوين تصور يساعده في المحافظة على تراثه الثقافي وحمايته من التأثيرات الواردة عبر منابرها المختلفة الداخلية والخارجية؛ ليصبح وجدانه مرتبطًا بما تحمله ثقافة موطنه من أفكار ومعتقدات وقيم أصيلة، تنعكس بالإيجاب على سلوكه ونمط حياته.
والحق أن مهمة بناء الإنسان المصري تقع على كاهل مؤسسات الدولة قاطبة؛ إلا أن وزارة الثقافة تمتلك الأدوات الفاعلة من خلال برامجها وخططها الإجرائية على المشاركة في تحقيق تلكما الغاية العظيمة، عبر تنمية للوعي الثقافي بصورة مقصودة؛ حيث إن هذا الوعي يعبر في مكنونه عن ردود أفعال الفرد تجاه بيئته ومجتمعه فيما يرتبط بالسلوك والعادات والتقاليد واللغة والنسق القيمي القائم، وفي المقابل يُكوِّن الوجدانيات لديه؛ ليوجه طاقته نحو تحقيق أهدافه البنّاءة لذاته ولمجتمعه، كما يقدر مكانته ومجتمعه من العالم من حوله.
وقد أكد وزير الثقافة صاحب الفطنة والرؤية الطموحة أن دور الثقافة فاعل في تنمية مهارات الشخصية المصرية، وصقل قدراتها، ونشر الوعي والمعرفة؛ لذا نؤكد أن تنمية الوعي الثقافي أضحى مهمًا لتحقيق التنمية واستكمال بناء ونهضة المجتمع في مجالاته المتنوعة؛ فقد بات الاهتمام بتنميته داعما ومعززا لمفهوم الأمن الفكري الذي يُعد سياجا قويا ضد تشويه الوعي أو التزييف أو الشائعات المغرضة التي تنال من العزيمة وتستهدف إحداث التفكك والشقاق بين طوائف المجتمع المصري الأصيل في مكونه ومكنونه.
وحديث وزير الثقافة عن العمل المتواصل والجاد الذي يستهدف بقوة تعزيز القيم والمبادئ الإيجابية لدى جميع أفراد المجتمع المصري يشير من وجهة نظري إلى أهمية الوعي الثقافي الذي لا ينفك عن دوره الفاعل في تصحيح الفهم المغلوط لدى بعض الفئات من المجتمع المصري ولدي العالم الخارجي؛ ليصبح الأنسان المصري قارئا للمشهد بصورة جلية لا تشوبها شائبة؛ ليستوعب ما يدور حوله من أحداث جارية على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، ويستطيع أن يشارك بفعالية من خلال ما يمتلكه من مهارات نوعية في خدمة بلاده؛ ومن ثم يسهم بحق في تنميتها ويشارك في إيجاد حلول لما تواجهه من تحديات ومشكلات مستجدة؛ فالوعي الثقافي نواة استشراف المستقبل بكل ملامحه بما لا يدع مجالًا للشك.
وندرك أن استراتيجية وزارة الثقافة تشمل في أجندة اهتماماتها الرئيسة العمل على تعضيد الهوية الثقافية لدى الإنسان المصري؛ ليستطيع أن يواجه من خلال وعيه الثقافي العميق وفكره الرصين ومعتقده المعتدل الوسطي خطر الثقافات المتباينة التي أضحت أمرًا مفروضًا بحكم المتغيرات التقنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية؛ بعدما أصبح العالم قرية صغيرة في كل ممارساته الدقيقة.
وذكاء استراتيجية وزارة الثقافة ينبع من الذكاء الاستراتيجي والرؤية المستقبلية الواعية لوزير الثقافة والتي تتضح ملامحها فيما يمارس من أنشطة فاعلة يستهدف تنمية الوعي الثقافي بصورة إجرائية تسمح للفرد من أن يمارس عاداته وتقاليده التي يقرها مجتمعه وفق النسق القيمي الذي يتبناه، بما يضفي على حياته الرضا والسعادة، ويساعده على التكيف والاندماج المجتمعي وإعلاء قيم الولاء والانتماء والمواطنة، وبالتالي يستطيع تكوين علاقات اجتماعية سوية في مجتمعه وخارج إطاره؛ ليحدث تواصلًا فعالًا مع بني جنسه، ويتمكن من التعايش السلمي في الواقع الفعلي والافتراضي على السواء.
بالإضافة إلى ما تستهدفه استراتيجية وزارة الثقافة حاليا من إكساب الفرد قدرا كبيرا من اللغة القومية الرصينة جراء تنمية وعيه الثقافي؛ حيث يسعى إلى إتقان فنونها، والتعرف على مواطن الجمال والتميز بها؛ ليصبح قادرًا على الممارسة وإحداث تغيير في الآخرين جراء التعاملات المقصودة وغير المقصودة، سواء في داخل موطنه أو سفيرًا عنه، وتلكما من أهدافه الوظيفية، ومن ثم المحافظة علي الهوية الثقافية المصرية وتعميقها بالمجتمع المصري وتصدير الصورة الصحيحة والسليمة عنه للعالم الخارجي، حفظ الله وطننا الحبيب وأعان القائمين عليه لما فيه خير البالد والعباد.