»» بقلم: ✍️ أحمد رفاعي آدم
(أديب وكاتب روائي)
لقد شاهدَ العالمُ أجمع الصورة المخزية الصادمة التي ظهر بها حفل افتتاح أولمبياد باريس منذ أيام، بعدما لوثوا بشذوذهم كل معاني الدين والفطرة والإنسانية.
حفلٌ أقل ما يوصف به أنه إشارة واضحة على انحطاط الحضارة الغربية وبداية صريحة لانهيارها المحتوم. فإن العقول التي يهديها تفكيرُها لاعتبارِ الحريةِ حذفٌ للدين وتدميرٌ للأخلاق ونشرٌ لكل صنوف الرذيلة واطلاقُ العنان لكافة أشكال الشذوذ ليست سوى عقول مشوهة خاوية لا تمتلك أبسط المعارف والعلوم، عقول منحطة متدنية لأسفل الدرجات حتى لتسبقها الحيوانات والحشرات والكائنات الدقيقة في درجة الذكاء! وهذه ليست شهادة متجنية أو غير موضوعية، بل هي شهادة حق تدعمها كل الأدلة الواقعية والبراهين المنطقية.
الدليل الأول:
من المعروف أن غالبية الفرنسيين -شأنهم في ذلك شأن معظم الأوربيين – يدينون بالمسيحية ويؤمنون بالسيد المسيح عليه السلام، وعلى الرغم من كون فرنسا دولة علمانية تقوم سياستها الدينية على مفهوم العلمانية، والفصل الصارم بين الكنيسة والدولة، مازالت المسيحية هي أكبر ديانة فيها كما ما تزال الأعياد الدينية الكاثوليكية تعامل كعطل رسمية وطنية. فكيف لدولة تبلغ نسبة المسيحيين فيها ٦٥٪ بحسب تقديرات المعهد الفرنسي للرأي عام ٢٠١١، وتقع في قارة جُل سكانها من المسيحيين بنسبة تتجاوز ٧٥٪، كيف لها أن تتخذ من السيد المسيح عليه السلام مادة للسخرية وعدم التقدير؟ فلقد أثار أحد عروض افتتاح دورة الألعاب الأولمبية التي تستضيفها العاصمة الفرنسية باريس، والذي مثّل محاكاة ساخرة للوحة “العشاء الأخير” لليوناردو دافنشي (1452-1519) ردود أفعال غاضبة من مؤسسات، وطوائف دينية.
وإنني وإذ فكَّرتُ في تلك الجريمة لم أجد تفسيراً يُقنِع سوى أن القومَ تحجرتْ عقولهم وقصُرَ نظرهم فلم يعودوا قادرين على بُعد النظر ولا حسن استغلال مثل هذه المناسبة العالمية وهذا الحدث العظيم، فسقطوا في فضيحة مدوية كشفَتْ عن زيف تنويرهم وفضحت نواياهم المنحطة لقتل الدين والأخلاق والقيم ومحوها من الوجود، لكن هيهات، فقد خانهم ذكاؤهم -إن كان لهم ذكاء -وفضحهم الإعلام الدولي فاستنكرت الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا الاحتفال الذي تضمن مشاهد السخرية والاستهزاء بالمسيحية، وأعربت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر عن استيائها، واستنكارها، وأدان الأزهر الشريف ما وصفه بـ “مشاهد الإساءة للسيد المسيح” في افتتاح دورة الألعاب الأولمبية، مؤكداً في بيان أن “تصوير السيد المسيح بشكل مسيء لشخصه الكريم، ولمقام النبوة الرَفيع، وبأسلوب همجي طائش، لا يحترم مشاعر المؤمنين بالأديان، وبالأخلاق والقيم الإنسانية الرفيعة، أثار غضباً عالمياً واسعاً.
وخلاصة القول في هذه النقطة أن أمةً تنزع عنها رداء الدين، بل وتهزأ به بكل صَلَفٍ ووقاحة، لهي بحقٍ أمة منحطة، غاب فيها العقل، وخاب فيها الفكر وخسِر! فإنَّ العلوم والمعارف والأخلاق والمبادئ والقوانين والحكمة مستمدةٌ من الدين ولا ريب، فإذا حاول الإنسان تهميش الدين وإغفال دوره بحجة الحرية المطلقة، فإنه قد أذِنَ لشمس حضارته أن تأفل ودقَّ أول مسمارٍ في نعشها، لأن القانون الإلهي ينص على: “بل لله الأمر جميعاً” سورة الرعد: ٣١.