فشل مجلس الأمن – للمرة التي لا أتذكر عددها – في إصدار قرار يلزم إسرائيل بإيقاف المأساة الإنسانية البشعة في غزة والضفة الغربية. تزامن الفشل مع مشروع قرار من الجزائر إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، بضم دولتين إفريقيتين إلى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، بما يفتح باب الأمل في إلغاء المشهد الظالم الحالي، وهو تحول حق النقض (الفيتو ) إلى قرار يخص صاحبه، ولا يلزم أعضاء المجلس.
الغارات المتوالية على غزة، وعمليات الاغتيال الفردية والجماعية التي تشنها القوات الإسرائيلية، في القطاع، وفي الضفة، تعكس المعنى الذي دفع الكيان الصهيوني لإخلاء غزة من العنصر الإسرائيلي. تحول القطاع إلى ساحة مستهدفة، لإحلال اليأس في نفوس الفلسطينيين، أو للتذكير بسطوة الاحتلال. حاولت إسرائيل أن تجعل غزة سجنًا كبيرًا لأبناء القطاع، فضلًا عن المئات من أبناء الضفة الذين تقدم سلطات الاحتلال على اغتيالهم، ونسف دورهم، وتسفيرهم فور فضاء مدة الاعتقال أو السجن.
وجد قادة إسرائيل فى غزة بكثافتها السكانية، وقلة مواردها، وظروفها الاقتصادية القاسية، بالإضافة إلى أنها – كما تقول الأساطير الإسرائيلية – ليست جزءًا من أرض إسرائيل.. وجدوا فى ذلك كله باعثاً على الانسحاب من غزة، وإخلائها من المستوطنات تمامًا، ليس بهدف الإصغاء لصوت الحرية، فهو يسرى فى كل المدن والقرى الفلسطينية، سواء الضفة الغربية، أو ما ينتسب إلى مناطق ما قبل 1948، وأتذكر الشيخ رائد صلاح وأحمد الطيبى وحنين زعبى ومحمد بركة ورموز أخرى هامة.
والأمثلة كثيرة.
الحرب الوحشية التى تشنها قوات الاحتلال على القطاع والضفة، وتكررت فى مدى سنوات قليلة، محاولة لتأكيد ذلك المعنى، تصورًا أن الفلسطينيين سيرضخون للأمر الواقع، وأن التفكير فى رفع الحصار عن حريتهم ومقدراتهم عبث لا سبيل إلى تحقيقه.. لكن الاجتياح الإسرائيلى لم يؤثر فى معنويات الفلسطينيين، ولا دفعهم إلى التنازل عن مبدأ المقاومة.
من هنا كانت دعوات قادة إسرائيل بتدمير غزة – هذا هو التعبير الذي اختاروه، بداية من إسحاق رابين الذي تمنى أن يصحو من نومه ليجد غزة قد أغرقت في البحر، وانتهاء بالوزير الذي دعا إلى إفناء القطاع يقنبلة نووية!
العربدة هى الوصف الذى ينطبق على التصرفات الإسرائيلية، ما بين تصفية جسدية، واعتقال، ومصادرة، وتسفير، وكل ما يناقض أبسط مبادئ حقوق الإنسان. نسب الكيان الصهيوني إلى جيشه – بمساندة معلنة من ساسة الولايات المتحدة – صفة القوة التي لا تقهر، كما تعددت عملياته الإرهابية في الخارج، ومنها اغتيال الشهيد إسماعيل هنية وهو في ضيافة إيران، ماأحدث ارتباكًا وتوقعات دولية خطيرة.
المذابح والمجازر التى عانى العرب بشاعتها، ليس فى فلسطين المحتلة فحسب، وإنما فى معظم الأقطار العربية، لم تجد إدانة مؤثرة على المستوى الرسمى فى دول الغرب، في حين أن مزاعم الهولوكست الصهيونية جاوزت إقناع قيادات الغرب، بداية من الساسة وحتى القضاء، وأفلحت فى انتزاع قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، يدين من يتشكك فى الهولوكست.
إسرائيل مثل البلطجى الذى اعتاد ألا يردع تصرفاته أحد، فلما لقى رد الفعل الذى لا يتسق مع بشاعة جرائمه، أصابه الذعر من مجرد التصور أن الفلسطينيين يدافعون عن حقهم فى الحياة.
الإرهاب هو الصفة التى تحاول إسرائيل إلصاقها بمنظمات المقاومة الفلسطينية. وكما يقول اليهودي روبرت أولترrobert alter فإن الهدف من تكرار نغمة الهولوكست سياسي، يحاول الإيحاء بأن العرب في عدائهم للصهيونية يعيدون ما حاوله النازي.
يبدو منافيًا للموضوعية، وحتى للخيال، فرض مزاعم الهولوكست على العالم، بينما نتابع آلاف المذابح وعمليات التسفير والتدمير ضد الشعب العربي ليس في فلسطين وحدها، وإنما في أقطار عربية أخرى.
ثمة عشرات الجرائم من بداياتها مذبحة دير ياسين، وامتداداتها في كفر قاسم وصبرا وشاتيلا وأبو زعبل وبحر البقر وغيرها من الجرائم التي وصفها كتاب من الغرب – صراحة – بالنازية، وينقل د. كمال أبو المجد عن محلل سياسي أوروبي قوله: إن من الإهانة لهتلر والنازية – على سواد سجلهما – أن يقارن بهما القادة الإسرائيليون، لأنهم بلا رؤية سياسية على الإطلاق، وعقيدتهم الوحيدة أنه بالقوة العسكرية وحدها يمكن أن تحل كل المشكلات، وأن يفرض الأمر الواقع على الآخرين.
إن كل أنشطة المقاومة هى مجرد ردود أفعال، أشبه بمن يعارك بعصا خصمه الذي يلجأ إلى أخطر أنواع الأسلحة.
من هنا كان تعبير ضبط النفس الذي وجدت فيه دول الغرب – والولايات المتحدة بخاصة – ما يرضي الكيان الصهيونى، دون تفرقة بين الضحية والجاني!
التصور الذي استقر في أذهان ساسة الغرب أن الدولة المحتلة وجدت لتبقى، حتى لو أقدمت على ممارسات تتجاوز الحد الإنساني. فإذا انتفض الفلسطينيون عاد الهدوء بدعوات ضبط النفس، وأفلح الكيان الصهيوني وفق ذلك السيناريو أن يجعل من اتفاقية أوسلو بلا قيمة، ويجعل السلطة الفلسطينية مجرد بناية في رام الله، يقيم فيها أبو مازن بلا سلطة حقيقية، ويقضم الكيان المزيد من الأرض الفلسطينية، فلا يمتلك الفلسطينيون من أرضهم إلّا 18%.
النظرة المتأملة تدرك أن كل ما شهدته فلسطين المحتلة – فلسطين كلها، للأسف، محتلة – وفق مخطط استراتيجي، يواجه التنبه لتكتيكاته بدعوات لضبط النفس، فيهدأ كل شيء.
والحق أنه منذ تحولت إسرائيل إلى دولة عضو فى المنظمات الدولية، فإن الإرهاب ظل بعدًا مهمًا فى سياستها، وهو ما يتضح فى قياسات الرأى العام العالمى، حيث أكدت أن إسرائيل هى الدولة الإرهابية الأولى فى العالم.