أولاد عمومته رفضوا السلام.. وغدروا به والناس نيام
انهالوا عليه بالشوم والرصاص فجرًا أمام منزله.. حتى فارق الحياة
مشهد الصغير “أمين” فى حضن أبيه القتيل أبكى الملايين
شقيقة المجني عليه: قلبي مش هيبرد غير بعد ضبط المتهمين وتقديمهم للمحاكمة
كتب – عبدالرحمن أبوزكير :
ما يقرب من 5 سنوات قضاها الشاب “كروان رشاد على عمر” وشهرته علي رشاد البالغ من العمر 44 عامًا، طيرًا مهاجرًا في المملكة العربية السعودية، يعمل داخل محل لبيع الملابس، من أجل توفير الحياة الكريمة لزوجته وأولاده الأربعة .. لم يهنأ خلالها بالراحة يومًا واحدًا، فالبال دائمًا مشغولًا بقضية تورط فيها قبل سفره بعد نشوب مشادة بينه وبين أبناء عمومته بسبب خلافات الجيرة، والتي تطورت إلى مشاجرة انتهت بإصابة أحد أفراد الطرف الثاني بطلق خرطوش، أطلقه “كروان” وهو يدافع عن نفسه بعدما تربص له الأب وأولاده أثناء عودته إلى المنزل في وقت متأخر من الليل، وكان ستر المولى عز وجل يلازم الطرفين، وانتهت المشاجرة قبل تطور الأحداث، ليخضع فيما بعد المصاب للعلاج إلى أن من الله عز وجل عليه بالشفاء .. وطوال فترة إقامته بالسعودية لم يتوقف “كروان” عن التواصل مع العقلاء من أهل قريته لإتمام الصلح بينه وبين أبناء عمومته حتى انه عرض أن يذهب إليهم حاملًا كفنه علي يديه، مقابل التنازل على القضية المقامة ضده، إلى أن بلغه صدور حكم غيابي ضده بالسجن 25 عامًا، فقرر العودة إلى بلدته من أجل إعادة الإجراءات ومواصلة إجراءات الصلح مع أبناء العمومة، ولم يكن يعلم أنه سيعود إلى قدره المحتوم.
طوال السنوات التى قضاها “كروان” في السعودية، كان الشوق والحنين إلى أبنائه يقتله طوال غربته التي امتدت إلى ما يقرب من 5 سنوات لم ير خلالها أطفاله “أيمن ومصطفى وأمين ويسر”، وما إن وطأت قدمه مسقط رأسه بقرية الكرنك بمركز أبوتشت، ارتمى في حضن أولاده ويعدهم ألا يتركهم مرة أخرى.
بدأ “كروان” في السير في إجراءات إعادة المحاكمة، وفي خط مواز يستكمل مساعي الصلح مع أبناء عمومته لإنهاء القضية صلحًا، حتى تعود حمائم السلام لترفرف على قريتهم من جديد.. فتارة تتعثر جهود الصلح، وتارة تلوح بوادر حل الأزمة في الأفق، وما بين الحالتين، يعلن “كروان” قبوله لأي شروط تقرها لجنة الصلح أو يفرضها الطرف الأخر.
وبعد ما يقرب من عشرة أيام من عودته من السعودية، جاءت البشرى لـ “كروان” من عقلاء القرية الذين قادوا مساعي الصلح لتعلن قبول عمه “عبدالبر.ع.إ” الصلح والاتفاق على كافة الشروط لتنته الخلافات بين الطرفين ويعيش الجميع في أمن وسلام.
الفرحة لم تسع “كروان” وكأنه كُتب له عمر جديد، وبعد أن أخبر إخوته وأطفاله، خرج إلي القرية ليقضى بعض الوقت مع الأصدقاء الذين لم يراهم منذ سنوات.. بينما شقيقته تطلب منه أن لا يتأخر قائلة له “بلاش تتأخر .. الدنيا ملهاش أمان”، ليرد شقيقها :”متخافيش .. كل حاجة بيد ربنا”.
مضت الساعات حتى أرخى الليل سدوله، و “كروان” لم يعد، وقتها كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل، فبادرت الشقيقة بالإتصال عليه تطلب منه العودة للمنزل وهي تقول : “ارجع يا علي .. أنا قلبي مش مطمن” .. وطلبت منه أن يتحدث إلى ابنه “أمين” صاحب الـ 8 سنوات، الذي يرفض النوم قبل عودة والده إلى المنزل، ليسمع صوت طفله يقول بقلق شديد “ارجع يا بابا أنا مش عارف أنام”… ليرد عليه “حاضر يا حبيبي أنا هشتري شوية حاجات ليك انت واخواتك وراجع”.
وكأن قلب الأخت كان يدرك أن الليلة لن تمر بسلام، فها هي تطلب من شقيقها العودة وتخبره أن قلبها غير مطمئن، بينما هو يحاول أن يُلقي الطمأنينة في قلبها ويؤكد لها أن الأزمة انتهت ولا قلق بعد اليوم .. ولكنه لم يكن يعلم اننا نعيش في زمان أسهل ما فيه هو نقض العهود وعدم الوفاء بها.
وبينما كانت عقارب الساعة تشير إلى الثالثة صباحًا وحال نزول “كروان” الشهير ب “على” من السيارة التي كان يستقلها برفقة نجل عمته المدعو محمد عبدالفتاح، وهو يودعه قبل أن يدخل إلى المنزل ليأخذ طفله “أمين” في حضنه والذي لا يزال مستيقظًا يرفض النوم قبل عودته، إذ به يفاجئ بقيام عمه وأولاده ينتظرونه أمام المنزل، ليباغته أحدهم بضربة “شومة” في منطقة البطن ليشل حركته، ثم انهال عليه الباقون بالضرب فوق رأسه، قبل أن يبادر أحدهم بإطلاق طلقات نارية من سلاح ناري كان بحوزته لتستقر في ظهر “كروان” ، ولم يكتفوا بذلك، بل واصلوا ضربه “بالشوم” فوق رأسه وفي أنحاء متفرقة من جسده ليسقط غارقًا في الدماء ويفر الجناة هاربين.
وبعد أن تعالت أصوات الرصاص هرعت شقيقة “كروان” إلى خارج المنزل لتشاهد شقيقها غارقًا في الدماء، وتتعالي صرخاتها ويتجمع الجيران، بينما يرتمي الطفل “أمين” في حضن والده وهو يصرخ “اصحى يا بابا .. متسبنيش يا بابا” .. والمواطنين يحاولون انتزاع الطفل من حضن والده بعدما أمسك كلاهما بالآخر بشدة والأب يعلم أنه الحضن الأخير، ليلفظ بعدها أنفاسه الأخيرة وهو في حضن طفله الذي لم يتجاوز الثامنة من عمره، ويتمكن بعدها الأهالي من جذبه من بين أحضان والده بالقوة بعد أن تلطخت ثيابه بالدماء في مشهد مأساوي أبكى الجميع.
مشهد صعب للغاية شاهده أهالى قرية الكرنك، ربما لا تمحوه السنين من ذاكرة الطفل “أمين” وهو يشاهد والده يلفظ أنفاسه الأخيرة أمام عينيه، وكأن الجناة أرادوا لهذا الطفل مستقبل بائس .. فإذا كان التعليم في الصغر كالنقش على الحجر؛ فماذا بمن عاش تجربة مريرة بهذه القسوة في هذه السن الصغيرة .. ماذا ينتظر المجتمع من طفل عاش تلك اللحظات التي لا يتحملها بالغ مدرك؟!
الجريمة البشعة التي شهدتها قرية الكرنك بمركز أبوتشت، هزت كل أرجاء محافظة قنا، لا سيما مشهد الطفل الصغير الذي كان ينتظر والده ليأخذه في حضنه حتي يخلد إلى النوم .. ليتحول الحضن إلى كابوس يطارد الطفل في كل لحظة يمر فيها شريط الأحداث أمام عينيه .
الأهالي هناك أبلغوا الشرطة، فإنتقلت على الفور قوة أمنية من مباحث المركز وتم نقل الجثة إلى مستشفى أبوتشت، تحت تصرف النيابة العامة، والتي أمرت بإنتداب الطبيب الشرعي لتشريح الجثة وبيان سبب الوفاة، وطلبت تحريات المباحث حول الواقعة وسرعة ضبط مرتكبيها والسلاح المستخدم في الواقعة.
وتمكنت قوة أمنية من مباحث مركز أبوتشت، من ضبط أحد المتهمين ويدعى “باهر عبدالبر” وتكثف أجهزة الأمن جهودها لضبط باقي المتهمين والأسلحة المستخدمة في الواقعة.
“قمرة رشاد على” شقيقة المجني عليه قالت ل “المساء” والدموع تنهمر من عينيها: ” اخويا مات غدر .. بعد ما خد الأمان وقالوا هيتصالحوا .. قتلوه قدام ضناه يا عيني ” .
وأشارت شقيقة المجني عليه إلى أن بداية المشكلة بين الطرفين بدأت في غضون عام 2016 بسبب خلافات الجيرة، ولفتت إلى أن المتهمين وهم أبناء عمومتهم، كانوا دائمًا يضايقون شقيقها في الطريق، وذات مرة حدثت مشادة بينهم كان الطرف الأول فيها المدعو “عبدالبر.ع.إ” وأولاده، وحاول التعدي على شقيقها، ولما حاول الدفاع عن نفسه أصاب الأول في عينه .. أضافت: ربنا سترها ولم يحدث شيء سوى الإصابة التي تم علاجها في وقت لاحق.
وأكملت شقيقة المجني عليه: بعد ذلك سافر شقيقي للعمل في السعودية، وطوال فترة عمله كان يسعى دائمًا للصلح ولكنهم كانوا يرفضون ذلك قبل أن يقوموا برد الإصابة، إلى أن صدر حكم غيابي ضد شقيقي، فقرر العودة إلى البلد لعمل إعادة إجراءات، مع حرصه على استمرار جهود الصلح، وكان هناك رفض تام من جانبهم للصلح، رغم أن شقيقي عرض عليهم أن يذهب إليهم في دارهم حاملًا كفنه على يديه، إلى أن استطاع العقلاء من أهل القرية إلى الوصول إعلان الطرف الآخر قبولهم للصلح.
أضافت: لم تمض سوى ساعات قليلة على إبلاغ شقيقي بالموافقة على الصلح، وكان سعيدًا للغاية، وهو يشعر أنه قد كُتب له عمرًا جديدًا، فقرر أن يخرج في هذه الليلة ليسهر مع الأصدقاء .. “وانا قلبي مكانش مطمن .. كل شوية اكلمه في التليفون أقوله ارجع البيت .. وفى الآخر ابنه -أمين- كلمه وقاله تعالي يا بابا علشان وحشتني وانا مش عارف أنام ” وبعد عودته وقبل دخوله المنزل فوجئ بالمتهمين في انتظاره وانهالوا عليه بالشوم وسلاح ناري وخلصوا عليه بعدما قتلوه غدرًا ونقضوا عهدهم مع أهل القرية.
واختتمت قائلة : مش قادرة أنسى منظر أخويا وهو بيموت قدام عيني وابنه في حضنه .. حسبي الله ونعم الوكيل .. أنا عايزة حق أخويا .. وبطالب وزير الداخلية ومدير أمن قنا سرعة ضبط باقى المتهمين الهاربين وتقديمهم لمحاكمة عاجلة .. قلبي مش هيرتاح غير لما الشرطة تفرحنا بأنهم مسكوا كل المتهمين ويروحوا المحكمة وياخدوا إعدام علشان قلبي يبرد وابن أخويا اللى أبوه مات في حضنه؛ يرتاح.
وفي السياق طالب أهالي قرية الكرنك بتدخل اللواء محمود توفيق وزير الداخلية وإصدار توجيهاته للأجهزة الأمنية بقنا لسرعة ضبط باقي المتهمين وتقديمهم لمحاكمة عاجلة، حقنًا للدماء ولمنع تجدد الصراع بين الطرفين.