بقلم ✍️ د.خلود محمود
( مدرس الإعلام الرقمي بالمعهد العالي للدراسات الادبية بكينج مريوط والمحاضر الزائر لليونسكو)
لم يكد يمر يوم إلا ونجد أمامنا علي منصات التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا خبر عن جريمة قتل أو اعتداء أو خيانة ليست في محيط مجتمعي ولا صداقة ولا معرفه ولكنها بين زوجين الطرفين الأقرب ما يكون إلي بعضهم البعض فالزواج هو ميثاق تراضٍ وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرّة برعاية الزوجين..
هما شخصان ارتضي كل منهما بالأخر شكلاً وخلقاً وفكرا ليقيموا معاً منزلاً تسود بأرجائه المودة والرحمة والحب والتعاون والأمان والتفاهم والتناغم والسعادة وإلا فما الهدف من الزواج فكل طرف كان يعيش مع أسرته إلي أن قرر هو تكوين أسرة بشريك يعينه علي الحياة يكون عون له وسند علي صعوبات هذه الحياة..
ومع إدمان الناس على الانترنت والتكنولوجيا بتطبيقاتها الجديدة تبدل الحال وتولدت ظواهر بل كوارث يزداد خطرها يوماً تلو الآخر هذه التطبيقات واستخدامها بشكل مفرط جعل التأثير السلبي لها يزداد يوما بعد يوم خصوصاً على صعيد العلاقات الزوجية ، وأصبح الأشخاص يتسابقوا في وقتنا الراهن لنشر تفاصيل حياتهم اليومية على مواقع السوشيال ميديا ومعظم ما ينشر هو متصنع وبعيد عن الواقع إلا أن المتابع لها لا يمكنه الوقوف على حقيقة ما يجري فيسلم جدلاً أنها حقيقية ، ولأن كثيرا من المتابعين يفتقدون في حياتهم مع شركائهم هذه التفاصيل يتولد لدى أحد الشريكين عدم رضا عن شريكه وطريقة حياته ويسعى للبحث عن تعويض لحرمانه..
وهذا البحث يتم من خلال العالم الافتراضي نفسه، والذي أصبح مليئاً بضعاف النفوس وصيادي الفرص، فيقع الباحث في فخهم، يبيعونه الوهم والخيال ليصلوا به إلى طريق الدمار، كالخيانة الزوجية، والابتزاز الجنسي وغيرها مما بات يعرف بالجرائم الإلكترونية ، التي تأتي نتيجة الصدامات التي قد تحدث بين الزوجين بسبب عدم التوافق بين شخصية كل منهما، وقلة الوعي بطبيعة الحياة الزوجية، والمسؤوليات والواجبات المناطة بها في بداية الزواج ، وغياب الاهتمام بالمهمات المنزلية اللازمة لتوليد الدفء والرعاية في المنزل.
كما أن غياب القواسم المشتركة يُعدُ عاملاً معيقاً لنمو الألفة والود والتفاهم، وسبباً لقلة أو انعدام التواصل بين الزوجين، فضلا عن أن غياب ثقافة الحوار مما يُضعف قوة التواصل بين الزوجين فيلجأ الطرفان منهما للإنترنت وتطبيقاته كبيئة بديلة عن الحياة التي يعيشها بدلاً من محاولة التفاهم والإصلاح والإفصاح عن المشاعر السلبية لبعضهم البعض فنجد أن أول اتجاه للبحث عن مهرب من الواقع هو الانترنت ليقعوا فريسة الوهم والابتزاز العاطفي والجنسي.
إن هذه العلاقات تفسد العلاقات الحقيقية وتفسد النفس وتخرب الذات فيغدو الشخص ضائعاً مهدماً قد خسر كل شيء من الخلوات خلف الشاشات وزيف العلاقات والخداع الكبير خلف هذه الستارة التي يقبع خلفها أشخاص تستروا بالعواطف للتلاعب على المشاعر ، ونجد أن حال إنكشف ذلك الأمر يعتدي أحدي الزوجين علي الأخر أما بالقتل أو التعدي لتتشكل جريمة جديدة تنتشر عبر منصات التواصل الاجتماعي بين الناس ويتداولها الكبير والصغير وتتناقلها المواقع الإخبارية بفيديو وأخبار وصور لتستقر في العقل الباطن والصورة الذهنية المكونه لدي أفراد المجتمع الكارثة هنا هو تكرار تلك الحوادث يومياً وبنفس الطريقة.
ولا أحد يدري أن كثرة التعرض هي من رسخت رد الفعل الأول وهو القيام بجريمة في أذهان تلك الأفراد حال التعرض لتلك المشكلات ، أن اعتياد المجتمع علي التعرض لتلك الجرائم سيندد بكارثة وهو التأقلم مع وجودها وكأنها أمر طبيعي وهو من غير المألوف علي مجتمعنا الذي كان يقدس الأسرة والحياة الزوجية وقلبت موازينه السوشيال ميديا وجعلت من المجتمع مسرحاً للجرائم وسببا رئيسيا للتفكك الأسري وارتفاع معدل حالات الطلاق والجرائم الأسرية.
ومن هنا كان لابد أن ندد ونوعي أفراد المجتمع بنقد ما يصل إلينا من أخبار عن تلك الجرائم أمام أنفسنا وأمام أولادنا في محيطنا الصغير والكبير علي السوشيال ميديا مثلما نتناقلها وجب علينا نقدها لتجنب تكرارها ومناهضة أسبابها في محاولة للإصلاح المجتمعي قبل أن تصل الظاهرة حدود الكارثة والأزمة ، أن تأثير التعرض للمحتوي علي السوشيال ميديا ليس تأثير لحظي خلال وقت مشاهدة أو قرأت الحدث بل هو تأثير ممتد يترسخ في ذهن الفرد ويستمد منه ردود أفعاله في المواقف المختلفة ووجهات نظرة حول الموضوعات المختلفة بل ويغير عاداته وتقاليده ومعتقداته بناء عليه فهو محتوي جاذب للعقل من التكرار وجاذب للعين بالمشاهدة والاعتيادية وسهولة التحكم في الموبايل وللسمع بالتأثيرات والموسيقي وللوجدان بتشكيل عالم افتراضي قد تصل تأثيراته لاستغناء الفرد عن عالمه الحقيقي.
وهنا سيقع الفرد حتماً لدوامه اللانهاية ولا هدف ولا وصول فهي دوامه مفرغه لا تحكمها قواعد ولا أعراف ولا معتقدات ، وفي النهاية أما موده ورحمه وأسرة تضيف للمجتمع نشئ صالح ينشئ في جو محبة وأمان وأما تسريح بدون عنف أو جرائم واعتداءات !.