لعلك تتابع كلمات نتنياهو رئيس وزارء إسرائيل في وسائل الإعلام، وهي كلمات طافحة بالغرور والادعاء والكذب. إنه يستعيد أحداث السابع من أكتوبر باعتبارها عملًا إرهابيًا مثل الدافع لحرب تدميرية – أعد لها مسبقًا – شملت كل ما في أحياء قطاع غزة، دمرت نحو 80 % من بناياته، ومنع – من خلال المعابر، وبأيدي المستوطنين – محاولات الدعم الإغاثي، بل إن رصاصات جنوده قتلت العشرات من متطوعي مؤسسات الإغاثة، ومن العاملين في وسائل الإعلام، وقارب عدد الضحايا من الشهداء والجرحي 150 ألفًا، وهو رقم تستطيع أن تتعرف إلى ضخامته قياسًا إلى أكثر بقليل من المليونين، هم سكان القطاع!
هل شغلك في لحظات المتابعة ما يشغلني شخصيًا منذ طفولتي – وهي بعيدة – حتى الآن: هل كان رئيس الكيان الصيوني يتخذ وقفته المكابرة لولا الدعم الأمريكي؟
كنت في التاسعة عندما أعلن بن جوريون قيام دولة إسرائيل، وبعد دقائق أعلن الرئيس الأمريكي ترومان اعترافه بالدولة الجديدة، وتواصل دعمه لممارساتها الوحشية، من خلال الدعم المالي واللوجستي والعسكري وفرضها – بوسائل أترك لك مراجعتها في صحف تلك الفترة – دولة عضوًا في الأمم المتحدة، بل إن حق الفيتو الذي ابتدعته الدول الحليفة عند إنشاء مجلس الأمن التابع للمنظمة الدولية – صار جدارًا يحتمي به الكيان الصهيوني من قرارات الإدانة، بصرف النظر عن جرائم التهجير والقتل والتدمير والإفناء التي أضاف بها الجيش الأكثر أخلاقية في العالم – حسب تعبير نتنياهو – إلي أبشع السجلات الدموية في التاريخ.
إذا كانت الولايات المتحدة قد أدانت العدوان الثلاثي على مصر في 1956، فلأنها أخذت على القيادة الإسرائيلية – وهو ما تكشف في مذكرات العديد من الزعامات السياسية الأمريكية، والغربية عمومًا، فضلًا عن مئات الوثائق الرسمية والإعلامية – أنها دبرت العدوان مع رئيسي وزراء كل من إنجلترا وفرنسا، وأهملت إبلاغ الرئيس الأمريكي أيزنهاور، إلى جانب التوازن الحقيقي آنذاك بين المعسكرين والشرقي، وتدبر واشنطن الموقف في ضوء تهديد الرئيس السوفييتي بولجانين باستعمال الصواريخ ردًا على العدوان الإسرائيلي.
في حرب 1967 أحرز الإسرائيليون نصرًا خاطفًا، صفعة لم يتح للمقاتل المصري – حسب تعبير يوسف إدريس – أن يردها، لأخطاء كثيرة، لسنا في مجال مناقشتها، وإن كان من أخطرها – في تقديري – دور الباخرة الأمريكية” ليبرتي” في الدعم اللوجستي والمخابراتي للجيش الإسرائيلي.
بعد أكثر من ثلاث سنوات رائعة، خاضتها القوات المصرية في حرب استنزافها لقدرات العدو الصهيوني. عبرت – في مفاجأة المبادرة – حصون العدو في امتداد الضفة الشرقية للقناة، وتحققت انتصارات اضطرت رئيسة وزراء تل أبيب إلى الاختلاء بنفسها لتبكي.
ذلك ما روته جولدا مائير في مذكراتها، وروت عن الإحباط الذي أوقعها في اليأس، فلم ينقذها منه سوى الجولات المكوكية للصهيوني العتيد هنري كسينجر وزير خارجية الولايات المتحدة، فتح مخازن بلاده عن أحدث الأسلحة الأمريكية، وتعددت زياراته لكل من القاهرة وتل أبيب، متعللًا بحجة وحيدة، غريبة، هي أن بلاده – الولايات المتحدة وليست إسرائيل – لن تأذن بانتصار السلاح السوفييتي على السلاح الأمريكي.
اختصر ” المكوك”الأمر في سلاح يقاتل سلاحًا، أغفل إصرار شعب على استرداد أرضه المغتصبة، ولجأ إلى كل ما يمتلك من ضغوط لإيقاف التقدم المصري.
أتجاوز النهاية التي فرضها القول: لن أحارب أمريكا!، وأعرض للمواقف الأمريكية عبر العقود الماضية، انحيازًا مطلقًا لدولة زرعت في أرض ترفضها.
كانت تلك المواقف هي التي أنطقت نتنياهو بتصريحات تتحدث عن اتجاهات جديدة في المنطقة، وتعد – تتوعد! – بتغيير خريطة الشرق الأوسط، تسانده مواقف واضحة من القيادة الأمريكية، بدءًا بالرئيس الذي ينطقه الحق بإدانة التصرفات الإسرائيلية، ثم ينطقه مساعدوه بإدانة المقاومة! وانتهاء بالسياسي جون كيربي الذي يتقاضي راتبه من واشنطن ليدافع – بالباطل والباطل – عن حق إسرائيل في التدمير والمحو والإفناء، وأن كل تصرفاتها أفعال شرعية!
حتى اللحظة التي يخط فيها القلم هذه الكلمات، فإن إسرائيل تؤدي دور البلطجي في منطقة ترفضها، منطق تعيه السياسة الأمريكية، لكنها تؤيده، تهمس بعدم التصعيد، وبالضغط لإيقاف الممارسات الوحشية، لكنها تدعم ميزانية الحرب الإسرائيلية بعشرين مليار دولار، وتضيف إلى القوات الأمريكية في المنطقة حاملات طائرات ومدمرات وحشود عسكرية، ويبدي وزير الدفاع أوستن أن قوات بلاده جاهزة للدفاع عن إسرائيل!، ثم يعلن الرئيس الأمريكي أنه يترك للجيش الإسرائيلي اتخاذ الخطوات اللازمة!.
وأنقل عن قناة” الحرة الأمريكية”؟
هامش: إلى السادة الذين أصيبت أعينهم بالحول أو العمى، أذكرهم بإجابة السفاح شارون عن سؤال صحفي، وقت الحرب العراقية الإيرانية: لماذا تدعمون إيران بالسلاح بينما العراق هو عدوكم المعلن؟. قال شارون: العراق عدو تكتيكي، أما إيران فعدو استراتيجي!
أتجه بالمعنى إلى الذين توهموا في العدو صديقًا، وفي الجار عدوًا، حتى على المستوى العقائدي، لن تمنع اختلافاتنا المذهبية حقيقة ان الدين الواحد دافع وحدة وليس العكس!