لم تنته أزمة سد النهضة بعد ،فالقضية لاتزال في الملعب السياسي الإفريقي بعد أن أعادها مجلس الأمن الدولي لمائدة القارة السمراء.
وفي محاولة لتحريك المياه الراكده ، بدأ وزير خارجية الكونغو مؤخرا زيارة القاهرة والخرطوم للتباحث حول عودة المفاوضات داخل البيت الأفريقي باعتبارها رئيس الدورة الحالية للإتحاد الإفريقي.
واعتقد أن موقف مصر والسودان واضح كوضوح الشمس في قارعة النهار بضرورة التوصل إلي حل عادل وشامل ،و ملزم يرضي جميع الأطراف وفي إطار زمني محدد دون تأجيل أو تملص.
، وقد شهدت الكونغو بنفسها من قبل صلف أديس أبابا وإصرارها علي التعنت ورفض الإدارة المشتركة للسد ومشروعاته المستقبلية وتوقيتات ملء الخزان وفقا لسنوات الفيضان والجفاف ، وأعلنت ساعتها فشل المباحثات ،ثم عادت القضية للإتحاد ،وفي إنتظار إتخاذ مواقف أكثر إيجابية وحسما.
وفي هذا السياق أتصورأنه من الضروري إعادة دراسة وتقييم المبادرة الجزائرية للوساطة والحل،والتي أعلنت عنها قبل عدة شهور، ويجب أن تتوقف أثيوبيا تماما عن استكمال خطة ملء الخزان قبل المباحثات ، إثباتا لحسن النوايا.
كما يجب أن تسعي الدبلوماسية المصرية والسودانية للاتفاق حول تحديد موعد للمفاوضات الحاسمة لتفويت الفرصة علي أديس أبابا التي تلعب طوال السنوات الماضية علي عنصرالمماطلة وكسب المزيد من الوقت لفرض الأمر الواقع.
وغني عن القول أن مصروقبل أن تلجأ لخيارات إستراتيجيه أخري، لاتزال في انتظار كلمة الفصل لدول الإتحاد الأفريقي، الذي أصبح في مأزق وفي إختبار مهم , وعليه أن يتخذ مواقف وقرارات حاسمة لإنهاء النزارع ،و لتبييض وجهه أولا،وإثبات فاعليته كمنظمة إقليمية حلت بديلا لمنظمة الوحدة الأفريقية، وماتزال تعاني من الترهل والبطء!
كما أن قضية المياه التي أصبحت مسالة حياة أو موت ،قد تجردول المنطقة لصراعات إستراتيجية ونزاعات تصب في مصلحة أطراف أخري. ،وأتصور أن دول الإتحاد الأفريقي لوتوافرت لديهم النية والإرادة الصادقة بإمكانه تسوية النزاع وتحويل قضية السد لقضية تعاون وفتح آفاق تشاركية وتنموية وإستثمارية جديدة.
وأتصورأنه من الذكاء إعادة طرح فكرة الربط الكهربائي مع السودان وأثيوبيا، في هذا التوقيت كمدخل للربط مع دول القارة السمراء في إطاردعم العلاقات المشتركة بين بلدان الإتحاد الإفريقي ،وربما يكون سببا لإذابة الجليد والجمود والتعنت الأثيوبي المستمرعبرمسيرة الجولات التفاوضية السابقة.
وعلي الجانب الآخر بدأ أثيوبيا من جديد في تسريب أنباء حول الإستعداد للملء الثالث ، انتظارا لتوقف الفيضان وتجفيف الممر الأوسط ثم فتح البوابات لتوليد الكهرباء وتشغيل أول توربينين خلال الشهور القادمة ، وصب الخرسانة وتعلية السد من جديد.
ومن القراءة الفاحصة لرؤية خبراء المياه لتاريخ ومؤشرات الأحداث وتداعيات أزمة سد النهضة تؤكد أن سد الألفية الأثيوبي ليس مشروعا تنمويا في المقام الاول ، بل يحمل بين طياته أوراق ضغط سياسية وإستراتيجية، تحركها أطراف خارجية ، تتلاعب بها للنيل من حصة مصر التاريخية، وتنفيذ أجندات مشبوهة، لذا تتعامل الدبلوماسية المصرية مع القضية بروية وحكمة وصبر أيوب، لتجاوز هذه التحديات والمهاترات،والسعي لإستئناف التفاوض تحت مظلة الإتحاد الإفريقي للتوصل لحل يرضي جميع الأطراف.
وقد أعلنت مصر مرارا أنها لن تفرط في قطرة مياه واحدة، وهناك سيناريوهات في إنتظار أديس أبابا ربما تكشف عنها الايام تباعا مع إستمرار التعنت الأثيوبى وتأزيم المباحثات ،والسعي لعرقلة الحلول السلمية وفرض سياسة الأمر الواقع والإنفراد بإدارة السد والمشروعات المرتبطة به، والإستعداد لبدء إجراءات الملء الثالث بصفة أحادية !