كرم الله عز وجل مصر بذكرها في القرءان الكريم وفي التوراة والانجيل، فهي الارض التي تجلى الله عز وجل فيها، وهي الارض التي كلم الله سبحانه فيها موسى عليه السلام، وهي الارض التي صلى فيها سيدنا محمد في رحلة الاسراء والمعراج ،وهي الارض التي جعلها الله مأوى وملاذاً لآل البيت الأطهار الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وهي الارض التي أجرى الله عز وجل نهراً من أنهار الجنة وهو النيل، بل وإن من أكثر صيغ الدعاء التي وردت في القرءان الكريم ويرددها دائما وأبدا المسلمون في شتى بقاع الارض ما قاله مؤمن آل فرعون حينما نصح لفرعون وقومه فقال “فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد” (غافر:آية 44)، وهي من الأمصار القليلة التي تُعَدُ على اليد الواحدة التي بها آثار شريفة لسيدنا محمدا (ص).
ففي الثاني عشر من ربيع الاول من كل عام يحرص المسلمون في شتى أرجاء العالم الاسلامي على احياء مولد سيد الانام وبدر التمام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وتعظيماً لذكراه فإن السطور التالية تُلقي الضوء على أهم الآثار النبوية الشريفة في مصر والتي تبلغ ستة آثار باقية للان من اجمالي واحد وعشرين أثراً نقل منها سليم الاول بعدما دخل مصر أربعة عشر اثرا الى تركيا ومحفوظة الان بمتحف طوب كابي. أما عن هذه الاثار الاحد والعشرين التي كانت في مصر قبل دخول العثمانيين فهي ” سن من الأسنان النبوية، عباءة، 3 سيوف، قبضة سيف، قوس نبوي، لواء نبوي، نعلان، حجرين عليهما أثر القدم، خِتْم نبوي، عمامة نبوية، 3 قطع نسيج، المكحلة، مِرْود، قميص، خصيلات من شعر الرأس، خصيلات من شعر اللحية، قطعة من العصا”
كانت الاثار النبوية الشريفة في بداية الامر في المدينة المنورة في حوزة آل البيت الاطهار الكرام ومن انتسب للنسل النبوي والهاشميين ماعدا البردة النبوية التي كانت بحوزة كعب ابن زهير والتي اشتراها منه معاوية بن أبي سفيان لتكون رمزا لتتويج الخليفة ثم آلت لأبي العباس مؤسس الدولة العباسية. وعندما قضى المغول على الدولة العباسية فر حكامها ومعهم الاثار النبوية الشريفة الى مصر ليحتموا بها ويعيشوا فيها وبالاخص عندما أراد بيبرس أن يجعل مصر قلبا للخلافة العباسية ولو ظاهريا حيث احتفظ الخلفاء العباسيين في مصر بالاثار النبوية في منازلهم حتى قام تاج الدين محمد بن الصاحب فخر الدين في عصر الناصر محمد بن قلاوون ببناء مسجد للاثار النبوية الشريفة عُرف باسم مسجد رباط الاثار والمعروف حاليا باسم جامع أثر النبي وأكمل بناء المسجد من بعده كل من الفقيه زالدين بن مسكين ثم ناصر الدين بن تاج الدين محمد بن الصاحب وبقيت هذه الاثار الشريفة منذ عام 1307 م وحتى نقلها السلطان قنصوه الغوري الى مدرسته المعروفة بمدرسة الغوري.
نُقلت أغلب هذه الاثار الشريفة من مصر الى تركيا حيث أخذها سليم الاول عام 1517م وكانت عبارة عن ثلاثة مجموعات، الاولى بحوزة الخليفة العباسي بمنزله ومنها راية نبوية وسيفا وبردة كانت تستخدم في تنصيب السلطان المملوكي في مصر والمجموعة الثانية كانت موجودة بالمدرسة الغورية وتم الاستيلاء عليها – ما تبقى منها عدد ستة آثار شريفة تم نقلها بعد ذلك من الغورية الى مسجد السيدة زينب رضي الله عنها ثم نقلت الى القلعة عام 1859 ثم نقلت الى قصر عابدين عام 1887 ثم نقلت الى مسجد سيدنا الحسين رضي الله عنه عام 1888 وحتى الان- ومجموعة ثالثة التي وفدت ودخلت الى مصر عن طريق الشريف بركات شريف مكه حيث أرسل له سليم الأول معلنًا سقوط دولتي المماليك والعباسيين بالقاهرة وأمره بالدخول في طاعته وإعلان البيعة له ومعه التقادم الفاخرة التي فسرها تيمور باشا في شرحه لتاريخ بن إياس بأنها الآثار النبوية.
تشير بعض الروايات الى أن سليم الاول كاد أن يأخذ ما بقي من الاثار النبوية الشريفة -التي لا تزال حتى الان بمسجد سيدنا الحسين- لولا حادث تعرض له في أواخر يوليو 1517 الموافق 923 من جمادى الثانية حيث يذكر بن إياس أنه نزل في مركبٍ من الجيزة واتجه صوب الآثار النبوية فأتت عليه رياح أوقعته وكاد أن يغرق لولا أن أنقذه جنوده؛ وينص ابن إياس على أن سليم الأول حينها كان شاربًا للخمر؛ فلم ينجح في التمكن من أخذ بقية الآثار النبوية في الغورية واكتفى بآثار النبي لدى الخليفة العباسي وشريف مكة ويكتب لبقية الاثار النبوية الخلود في مصر بمسجد مولانا الحسين رضي الله عنه وهي عبارة عن سيف، القميص المكحلة، المِرْوَد ، قطعة من العصا، خصيلات شعر الرأس، خصيلات شعر اللحية.