بقلم ✍️ د.خلود محمود
(مدرس الإعلام الرقمي بالمعهد العالي للدراسات الأدبية بكينج مريوط والمحاضر الزائر لليونسكو)
مع التطور الهائل والمذهل للتكنولوجيا الحديثة، انتقلت الممارسات الحياتية من الطبيعة إلى العالم الافتراضي، ومن بينها انتشار ما يُسمى بـ”المراهنات الإلكترونية”، لاسيما في ميادين الألعاب “الأونلاين” والرياضات المختلفة، ومع زيادة انتشارها بوتيرة متسارعة، يتفاقم الجدل حول تداعياتها وتأثيراتها بشكل لافت.
وفي الآوانه الأخيرة انتشر داء جديد بين الأشخاص علي مواقع التواصل الاجتماعي والانترنت ألا وهو الرهان أو “القمار الالكتروني ” الذي نعرفه بأنه عقد يتم عبر شبكة الإنترنت، يتعهد بموجبه كل من المراهنين أن يدفع للمراهن الفائز بتحقق ما توقعه مبلغاً من النقود أو أي شيء آخر إتفقوا عليه.
ومثال على ذلك، المراهنة على نتائج مباريات كرة القدم عبر المواقع الألكترونية.
يفهم مما سبق، بأن المقامرة والرهان الإلكتروني لا يختلف عن القمار والرهان العادي إلا في خصوصيته الإلكترونية في الإنعقاد والتنفيذ، فالمقامرة الإلكترونية تنعقد عن بعد بواسطة شبكة الإنترنت ويتلاقى كل من الإيجاب والقبول لدى الطرفين إلكترونياً عبر الموقع المنظم للقمار والرهان، بينما القمار والرهان العادي يتم حضورياً بين الطرفين.
لم يقف الأمر عند الرهان الإلكتروني بل وصل إلي مراهنات داخل الألعاب الإلكترونية وهي تتم عبر شبكة الإنترنت بشكل مباشر، يتعهد بموجبه كل مقامر بأن يدفع للمقامر الآخر إذا خسر مبلغاً من النقود أو أي شيء آخر إتفقوا عليه ومن أهم الأمثلة لهذه الالعاب لعبة البوكر الحي والبلاك جاك (Live Poker and Black Jack) على شبكة الإنترنت.
ويجب هنا التفريق بين المقامرة والرهان من جهة وألعاب المهارة من جهة أخرى، فالألعاب تكون على نوعين، نوع لا تتوقف النتيجة فيها على الحظ والصدفة بل تعتمد على مهارة اللاعبين كالرماية، ونوع آخر يعتمد على الحظ فقط كالرهان في لعبة “الروليت”.
أن خطر انتشار مثل هذه الالعاب والمراهنات لا ينحصر وفقط في الخطر الديني بل والخطر النفسي جراء تلك التصرفات فبحسب دراسة لجوليا بريفرمان وهوارد شافر نشرتها الدورية الأوروبية للصحة العامة، فإن الوارد جديداً لعالم المقامرة والمراهنات يكون مدفوعاً بعاملين أساسيين: الافتقاد للروابط الأسرية القوية، ومواجهة ضغوط مادية لا يرى سبيلاً واقعياً للتغلب عليها.
إن المقامر يقترب أولاً من المقامرة بحذر ليختبر إمكانية الفوز فيبدأ بمبالغ صغيرة تغريه المكاسب على زيادتها تدريجياً، عند نقطة معينة لا يصبح المكسب والخسارة محركين وحيدين، فالمقامر تتولد لديه ذهنية الإيمان بالقدرة على خداع اللعبة ويستمر فيها مدفوعاً بشهوة اللعب نفسه التي باتت مقدمة على شهيته للفوز، ومن هنا يترسخ الإدمان !.
وبحسب دراسات علي منتديات مرتادي الألعاب الإلكترونية المفتوحة على شبكة الإنترنت، فإن ألعاب “الكازينو” الرقمية مصممة بحسب تشريح ذهني لعقل المقامر ، فيجد المقامرون الجدد انفسهم يقتربون بحذر، وفي البداية يدفعون مبالغ صغيرة تعمل اللعبة على إغرائهم من خلالها إعطائهم مكاسب تتناسب مع حجم تلك المبالغ التي دفعوا بها، وعند نقطة معينة بحسب تحليل التطبيق لسلوكهم في المقامرة، تبدأ الخسائر تتبادل مكانها مع المكاسب حتى يخسر المقامر مبالغ كبير تحقق من خلالها اللعبة مكاسبها.
إن المصابين بذهنية الإدمان لا يتوقفون عن اللعب حتى وإن تعاظمت خسائرهم وديونهم فتطبيقات المراهنات الإلكترونية.. «إدمان خفي» قد يقود مدمنها إلى الاكتئاب والانتحار ، فاضطراب المقامرة، الذي عرّفته الجمعية الأمريكية للطب النفسي بأنه “سلوك متكرر من سلوك المقامرة الإشكالي” يرتبط أيضا بالاكتئاب والقلق والانتحار في الواقع.
إن الانتحار بين أولئك الذين يقامرون بمستويات إشكالية أعلى من بين عامة السكان، هذا بالإضافة إلى الديون ، وفقدان الوظيفة والمنزل، والعلاقات المتضررة، والقضايا القانونية، وأكثر من ذلك. هناك حالة من الانسحاب من المقامرة تماما مثل الانسحاب من المواد المخدرة “، فعندما لا تكون قادرا على المقامرة والمشاركة في المقامرة، يتفاعل جسمك ودماغك مع ذلك، يمر ذلك من خلال الأرق، وتغيرات في الشهية، والحزن، والاكتئاب، والقلق ومع ذلك، فمع المراهنات الرياضية عبر الهاتف المحمول، لم يعد هناك شيء من هذا القبيل، لأنك لا تكون أبدا خارج الكازينو طالما متصلا بالإنترنت” ويفسر هذا النمو غير المسبوق في هذه العادة السيئة إلى سهولة الوصول إلى تطبيقات المراهنات الإلكترونية عبر الهاتف المحمول، فضلاً عن التعرض للمراهنات الرياضية من خلال البث الرياضي، وإعلانات المراهنات الرياضية، والشراكات مع المشاهير والرياضيين في مجال المراهنات الإلكترونية التي تعمل على تطبيع المراهنات وتشجيعها.
وهنا لابد من تحذير المجتمع وأفراده من هوة التجربة من الانسياق وراء هذه التطبيقات والألعاب فهي تسحب الفرد وتدخله دائرة الاعتيادية ثم الأدمان وبعدما كان عقله يدفعه فقط للتجربة ليكتشف شيئا هو لا يعلم عنه شئ أو من باب التجربة تجده مدمنا خاسرا لأمواله ،لعلاقاته ،لوظيفته ولنفسه في كثيراً من الأحيان.