بقلم ✍️ محمد دياب (مسؤول بقسم الموارد البشرية بإحدى الشركات السياحية -القاهرة)
شهدت الساحة السياسية الأمريكية مؤخراً حدثاً بارزاً تمثل في المناظرة الثانية في السباق الرئاسي بين دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري وكامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي. على الرغم من أن هذه المناظرة كانت الثانية من حيث الترتيب إلا أنها كانت الأولى بين ترامب وهاريس حيث شهدت المناظرة الأولى تنافساً بين ترامب وجو بايدن المرشح السابق للحزب الديمقراطي الذي انسحب بعد تلك المناظرة ليحل محله هاريس. كانت هذه المناظرة اختباراً حاسماً لكل من المرشحين ووضعت كل منهما في مواجهة مباشرة مع الجمهور الأمريكي.
تميزت كامالا هاريس في المناظرة بظهورها الهادئ والواثق وهو ما منحها ميزة كبيرة على خصمها ترامب الذي بدا متوتراً وعصبياً طوال المناظرة. هذه الثقة لم تكن مجرد مظهر بل كانت انعكاساً لإعداد هاريس الجيد واستراتيجياتها المدروسة. استخدمت هاريس أسلوباً مهنياً في تقديم نفسها حيث تناولت القضايا الرئيسية بوضوح واحترافية وركزت على الحلول بدلاً من الانجرار إلى الجدل الشخصي. هذا الأسلوب منحها نقاطاً إضافية في نظر الناخبين الذين يبحثون عن قيادة قوية وفعالة.
في المقابل اعتمد ترامب على أسلوب هجوم شخصي يتسم بالهجومية والانتقادات اللاذعة وهو ما كان متوقعاً منه ولكنه لم يكن فعالاً في تعزيز موقفه.
إن التركيز على الهجمات الشخصية بدلاً من تقديم حلول واقعية لمشكلات البلاد جعل هاريس تبدو أكثر جدية وكفاءة. هذا النهج رغم أنه جذب انتباه وسائل الإعلام إلا أنه لم يعزز صورة ترامب بشكل إيجابي لدى الناخبين الذين يبحثون عن رؤية واضحة ومستقبل واعد.
أحد أبرز التكتيكات التي استخدمتها هاريس كان التركيز على انتقاد منهج ترامب كرئيس سابق. بدلاً من الانغماس في المعارك الشخصية التي حاول ترامب دفعها إليها اتجهت هاريس إلى انتقاد فترة حكمه ونهجه السياسي. استعرضت هاريس الأزمات التي واجهتها الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب مثل الأزمة الاقتصادية والتوترات الاجتماعية وقدمت رؤيتها الخاصة للتعامل مع هذه القضايا.
هذا النهج أظهر هاريس كقائدة ذات رؤية استراتيجية بعيدة المدى حيث قدمت تحليلاً موضوعياً لمشاكل البلاد وعرضت حلولاً مدروسة.
بالمقابل استخدم ترامب أسلوباً هجومياً يركز على انتقاد هاريس بشكل شخصي مما أضر بصورته كزعيم فعّال وقادر على تقديم حلول حقيقية. هذه الاستراتيجية جعلت هاريس تبدو أكثر استعداداً وقدرة على إدارة شؤون البلاد بفعالية وكفاءة.
أحد المحاور البارزة في المناظرة كان موقف كل من المرشحين تجاه إسرائيل. حاول ترامب تصوير هاريس على أنها معادية لإسرائيل مشيراً إلى أن انتخابها سيؤدي إلى تهديد وجود الدولة الإسرائيلية. كان هذا التكتيك محاولة لجذب دعم اليهود والمناصرين لإسرائيل لكنه لم يكن مقنعاً بشكل كبير خصوصاً أن هاريس كانت واضحة في موقفها حيث دعت إلى التهدئة ووقف إطلاق النار مع التأكيد على أهمية أمن إسرائيل والمواطنين الإسرائيليين.
أظهرت هاريس توازناً في موقفها حيث قدمت رؤيتها بطريقة دبلوماسية مدروسة دون أن تقع في فخ الهجوم المباشر الذي حاول ترامب نصبه لها. هذا النهج ساعدها في إبراز نفسها كقائدة قادرة على التعامل مع قضايا السياسة الخارجية بحكمة وموضوعية. من خلال التركيز على الأمن والسلام . قدمت هاريس رؤية شاملة تُظهر استعدادها للتعامل مع القضايا العالمية بشكل استراتيجي.
في الولايات المتحدة تعتبر المناظرات أداةً هامة للناخبين خاصة لأولئك الذين لم يحسموا أمرهم بعد أو لا ينتمون لحزب معين. هذه الفئة الكبيرة من “الأصوات المتأرجحة” تعتمد بشكل كبير على المناظرات لتحديد موقفها النهائي. بناءً على أداء هاريس القوي في هذه المناظرة من المحتمل أن يؤثر ذلك بشكل كبير على نتائج استطلاعات الرأي المستقبلية.
الناخبون الذين لم يتخذوا قراراً نهائياً بعد يعتبرون المناظرات فرصة لتقييم المرشحين بشكل مباشر. إن الانطباع الإيجابي الذي تركته هاريس قد يساعد في جذب دعم هؤلاء الناخبين المترددين وبالتالي تعزيز فرصها في الفوز بالانتخابات. في المقابل سيحتاج ترامب إلى تقديم مفاجآت ثقيلة وتقديم رؤية واضحة لتغيير مسار الأمور.
في ظل الأداء القوي لهاريس يبدو أن البيت الأبيض قد يستعد لاستقبال أول رئيسة في تاريخ الولايات المتحدة إذا ما استمرت الأمور على هذا النحو. لقد استفادت هاريس بشكل كبير من هذه المناظرة لتعزيز موقفها أمام ترامب مما جعلها تبدو في وضع قوي يؤهلها للفوز بالسباق الرئاسي.
مع مرور الأسابيع القادمة ستصبح الأمور أكثر وضوحاً حول ما إذا كان ترامب قادرًا على تغيير مسار الأمور أم أن هاريس ستواصل التقدم نحو البيت الأبيض. سيكون من المهم متابعة المناظرات القادمة والتحركات السياسية لرؤية كيف ستؤثر على مسار الحملة الانتخابية. قد تتضمن الأسابيع المقبلة تطورات جديدة قد تلعب دوراً حاسماً في تحديد الفائز النهائي في السباق الرئاسي.
في النهاية اريد ان اقول بأن المناظرات الرئاسية تُعتبر فرصة حاسمة للمرشحين لإظهار قدراتهم وكسب دعم الناخبين. بناءً على أداء كامالا هاريس في المناظرة الأخيرة، يبدو أنها في وضع قوي يعزز فرصها في الوصول إلى البيت الأبيض. في الوقت الذي يتعين فيه على ترامب اتخاذ خطوات استراتيجية لتعويض خسارته في المناظرة فإن النجاح السياسي لكاميلا هاريس يعتمد على قدرتها على الاستمرار في تقديم رؤية واضحة وجذابة للأمريكيين. مع اقتراب موعد الانتخابات ستظل المناظرات والتحركات السياسية حاسمة في تحديد من سيشغل مقعد الرئاسة والأحداث المقبلة قد تكون لها تداعيات كبيرة على مسار السباق الرئاسي
إذا استمرت هاريس في تقديم أداء قوي وصورة قيادية متماسكة فإنها قد تؤكد مكانتها كمرشحة رئيسية للبيت الأبيض وقد تسهم في تغيير معادلة السباق الرئاسي بشكل جذري.