كتب-عبدالقادر الشوادفى وصلاح طواله
قال الدكتور عبد القادر سليم مدير الدعوه بمديريه أوقاف كفرالشيخ، إن نعم الله على الإنسان لا يحدها حد، ولا يحصيها عد، ولا يستثنى من عمومها أحد، فهي نعم عامة سابغة تامة، يقول سبحانه وتعالى ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 18] ويقول جل شأنه: ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ [لقمان: 20]، ومن أجل نعم الله على الإنسان وأعظمها، وكلها جليلة وعظيمة، ونعمة الماء وكيف لا، والماء مصدر الحياة وعمادها، ومن أهم مقومات العيش على الأرض لكل الكائنات الحية، فلا نستطيع أن نتخيل الحياة بدون ماء، فبفضل الله تعالى ونعمه التي لا تحصى تنزل قطرات الماء من السماء إلى الأرض،فتلتقطها الأرض بشوق وحب ولهفة لتهديها للإنسان وللبحار وللحيوانات والأنهار، فهي الحبيب المنتظر لكل الكائنات ، لذلك يمكن لنا أن نستنبط بعض الدلالات المهمة في ضوء الكتاب والسنة التى توضح لنا نعمة الماء وأنها سر الحياة .
أضاف الدكتور عبدالقادر سليم، ومن هذه الدلالات مايلي، الدلالة الأولى تؤكد أن الماء أصل جميع الكائنات، والماء هو أصل كل الكائنات التي أوجدها رب الأرض والسماوات يقول جل جلاله ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾ [سورة الأنبياء الآية: 30]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله إني إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني أنبئني عن كل شيء قال كل شيء خلق من الماء،
اضاف: وقد دخل ابن السماك الرجل الزاهد العابد على الخليفة هارون الرشيد، فأستسقى الرشيد ماءً، فقال له ابن السماك: بالله يا أمير المؤمنين لو منعت هذه الشربة بكم تشتريها؟ قال: بملكي، قال: لو منعت خروجها، بكم كنت تشتريه؟ قال: بملكي، فقال: إن ملكًا قيمته شربة ماء لجدير ألا ينافس عليه». ينظر: شذرات الذهب في أخبار من ذهب” لابن العماد الحنبلي (1/336)، فهذا السائل المبارك هو أغلى ما تملك الإنسانية لاستمرار حياتها بإذن الله، أدرك ذلك الناس كلهم كبيرهم وصغيرهم عالمهم وجاهلهم، حاضرهم وباديهم، عرفوه في استعمالاتهم وتجاربهم وعلومهم، إن خف كان سحاباً، وإن ثقل كان غيثاً ثجاجاً، وإن سخن كان بخاراً، وإن برد كان ندى وثلجاً وبرداً. تجري به الجداول والأنهار، وتتفجر منه العيون والآبار، وتختزنه تجاويف الأرض والبحار، والدلالة الثانية تؤكد، أن الماء من أعظم النعم، ومن أعظم ما أمتن الله به على عباده نعمة الماء ، وقد دلل على ذلك القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة في آيات وأحاديث بلغت حدا في الكثرة منها: قال تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الواقعة: 68 – 70]،وقال عز وجل: ﴿ فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً * مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ ﴾ [عبس:24-32]،وقال جل وعلا: ﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴾ [الحجر:22]. وقال تعالى: ﴿ وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ ﴾ [المؤمنون:18]،ويقول تعالى : ” هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ” ، ويقول سبحانه : ” قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ” ، ويقول (عز وجل) وتعالى ممتنًا على السيدة مريم عليها السلام ” فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا ” .
أشار الدكتور عبدالقادر سليم مدير الدعوه بمديريه أوقاف كفرالشيخ، إن ذكر الماء في كتاب الله بمفرداته ومكوناته من البحار والأنهار والسحاب يدل على عظم أثره في حياة البشرية، وقد أكد حضرة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، أن الماء ليس ملكاً لأحد بل هو منة وعطية للخالق عز وجل للناس جميعاً، فعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ، وَالْكَلَإِ، وَالنَّارِ، وَثَمَنُهُ حَرَامٌ ” قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «يَعْنِي الْمَاءَ الْجَارِيَ». سنن ابن ماجه (2/ 826)، وموجب هذه المشاركة ألا يتعدى إنسان على حق الآخرين في أستعمال نعمة الماء سواءٌ في كمه أو كيفه، والدلالة الثالثة: تؤكد أن الماء جندي من جنود الله سبحانه وتعالى، فالماء جندي من جنود الملك سبحانه وتعالى التي هي من أشد الجنود فهو جند به ينصر الله تعالى أوليائه، وبه يغرق الله تعالى أعدائه، والقران الكريم قد بين لنا ذلك في مواطن متعددة نذكر منها، أن الماء جندي ينتقم الله تعالى به من اعداء دينه، فها هو نبي الله تعالى نوح عليه السلام يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاما و لكن هذه القلوب ماتت و العقول قد تحجرت فلم ينفع فيه وعظ ولا ترهيب و لا والوعد و لا الوعيد لذا كان لزاما واجل مسمى ان يهلك تلك الجماجم فارسل عليهم جندا من جنوده انه الماء ﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾ [القمر: 10 – 16].
* أهلك الله تعالى به فرعون وجنده قال تعالى:
﴿ فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ * وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ * كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ * وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ * مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الدخان: 23 – 31]، وأن الماء أيضا يعتبر جند من جنود الله، يحفظ الله تعالى به أوليائه، فها هو الماء يتحول إلى جند يحفظ كليم الله موسى عليه السلام وهو ما زال في المهد صبيا يقول الحق سبحانه وتعالى:
﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ * وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [القصص: 7 – 13]، وأن الماء أيضا تثبيت للأقدام وطهارة للأبدان وإزالة لرجز الشيطان، ففي غزوة بدر الكبرى إرسال الله تعالى جنودا عديدة لنصرة أوليائه ولتخذيل أعدائه وكان من تلك الجنود الماء يقول الله تعالى ﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ ﴾ [الأنفال: 11]. فهي قصة مدد آخر من أمداد الله للمسلمين، قبيل المعركة،
وقال علي بن طلحة، عن ابن عباس قال: نزل النبي-صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-حين سار إلى بدر والمشركون بينهم وبين الماء رملة وعصة، وأصاب المسلمين ضعف شديد، وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ يوسوس بينهم: تزعمون أنكم أولياء الله تعالى وفيكم رسوله، وقد غلبكم المشركون على الماء، وأنتم تصلون مجنبين؟ فأمطر الله عليهم مطرا شديدا، فشرب المسلمون وتطهروا، وأذهب الله عنهم رجز الشيطان، وثبت الرمل حين أصابه المطر، ومشى الناس عليه والدواب، فساروا إلى القوم، وأمد الله نبيه-صلى الله عليه وسلم-بألف من الملائكة، فكان جبريل في خمسمائة مجنبة، وميكائيل في خمسمائة مجنبة». ينظر: سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (4/ 42)، والدلالة الرابعة: الاقتصاد والوسطية وعدم الإسراف في الماء، وعدم الإسراف في استعماله من الأمور المذمومة المحرمة فالله تعالى حرم علينا الإسراف في كل شيء فقال سبحانه وتعالى ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31].
وقال عز وجل :
﴿ وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ﴾ [الشعراء: 151، 152]، وقال سبحانه وتعالى ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 26، 27].
وقد روى الإمام أحمد وابن ماجة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ: مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ؟
قَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ؟ قالَ: نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ). ينظر : مسند أحمد ط الرسالة (11/ 637) وأخرجه ابن ماجه (425) قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح.
لذلك كان من هديه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم المحافظة على الماء ، فعن أَنس قال: كانَ النبيُّ -صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم – يَغسِلُ، أو كانَ يَغتسِلُ بِالصَّاعِ، إلى خَمسةِ أَمدادٍ، ويتوضَّأُ بالمُدّ” .أخرجه أحمد (6/121).
وجاء عند مسلم من حديث عائشة رضي الله عنه: “أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم في إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريباً من ذلك”. ينظر: الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم (2/ 50).
ولقد شدد أهل العلم رحمهم الله في المنع من الإسراف بالماء ولو كان على شاطئ النهر أو البحر. قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: «اقْتَصِدْ فِي الْوُضُوءِ وَإِنْ كُنْتَ عَلَى شَاطِئِ نَهَرٍ». ينظر: الطهور للقاسم بن سلام (ص: 192)، وقال محارب بن دثار: كان يقال: من ضعف علم الرجل ولوعه بالماء في الطهور . وجاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما، فقال: (يـا بن عباس كم يكفيني من الوضوء؟ قال: مد، قال: كم يكفيني لغسلي؟ قال: صاع، فقال الرجل: لا يكفيني، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: لا أم لك! قد كفى من هو خير منك، رسول الله صلى الله عليه وسلم). ينظر: المسند الجامع، والدلالة الخامسة: حماية الإسلام للمياه من التلوث، فقد نبه الخالق عز وجل أن أي إفساد في البيئة على وجه العموم وبيئة الماء على وجه الخصوص، إنما من كسب البشر وتدخلهم السيئ الذي أفسد البيئة وأخل بأساسها المتوازن، قال تعالى: ﴿ وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [البقرة: 60] ، وقال جل وعلا ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾ [الروم: 41]، كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلويث الماء الراكد أو الاغتسال فيه، فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبال في الماء الراكد». أخرجه: مسلم 1/162 (281) (94)،
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه». متفق عليه، وهذا النهي والتحذير النبوي بهدف المحافظة على نقاء الماء، وقد رتب النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم اللعن على من يلوث الموارد المائية، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ “».سنن أبي داود (1/ 7).
فهذه الأفعال تجلب اللعن؛ لأن أصحابها يلعنون على فعلهم القبيح؛ لأنهم أفسدوا على الناس منفعتهم، فكان ظلماً والظالم ملعون.
عقب الدكتور عبدالقادر سليم، وقد أثبتت الأبحاث العلمية، أنه «ينتج عن التبول المباشر والتبرز المباشر أو إلقاء مخلفات المجاري في المصادر المائية وصول العديد من الطفيليات والميكروبات التي تضر بصحة الإنسان منها: البلهارسيا، والدودة الكبدية و الإنكلستوما».
فيجب علينا جميعًا الاقتداء بسنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في ترشيد استخدام الماء ، والعمل على الاستفادة بكل قطرة منه ، وعدم تلويثه ، أو الاعتداء على مصابه ومصادره ومجارية التي يعد الاعتداء عليها اعتداء على حق المجتمع كله، وتضييعًا لمصلحة معتبرة ، وأن المخالفة في ذلك هي مخالفة قانونية وشرعية في آن واحد ، لأن القصد من الشرع والقانون معًا في ذلك هو تحقيق مصالح البلاد والعباد، وقد عُرِفَ الشعب المصري منذ نشأته بأن عقيدته تقوم على أحترام نعمة مياه نهر النيل ، وتقوم ثقافة أبنائه منذ القدم على الحرص على نهر النيل وعدم تلويثه ، واعتبار تلويثه جريمة من الجرائم الكبرى ، وقد كان المصري القديم يكتب من ضمن وصاياه في نهاية حياته أنه لم يفعل كذا وكذا من الجرائم ، وأنه لم يلوث ماء النهر ، وكأنه يتقرب إلى الله بهذه الفضيلة، وابتعاده عن تلك الجريمة النكراء ، جريمة تلويث مياه النهر،
فهذه ثقافة المصريين منذ القدم ، وعقيدتهم منذ الأزل في احترام مياه النهر، والحفاظ على المياه ، وعدم تلويثها ، وهو ما أكدت عليه شريعتنا الغراء، والدلالة السادسة: أداء الزكاة والتوبة والشكر والاستغفار وعدم نقصان المكيال والميزان يحافظوا على نعمة الماء، ولاشك أن هذه النعمة تستحق الشكر ، والشكر لا يكون كلامًا فحسب ، إنما يكون بالحفاظ على النعمة ، وحسن استخدامها ، بعدم الإسراف الذي نهينا عنه جملة وتفصيلاً ، سواء في شأن الماء أم في غيره كما ذكرنا آنفاً ، فعلينا عباد أن نحافظ على تلك النعمة ونشكرها ولا نكفرها، لأن النعمة بالشكر موصولة وبالكفر مقطوعة قال الله تعالى ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].
قال سيدي ابن عطاء الله رضي اللّه تعالى عنه في الحكم العطائية: “ومن لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها ، ومن شكرها قيدها بعقالها” .
فشكر النّعم موجب لبقائها والزيادة منها ، وكفرانها وعدم شكرها موجب لزوالها وانفصالها، قال سيدنا جعفر الصادق رضي الله عنه: إذا سمعت النعمة الشُّكْرِ فَتَأَهَّبْ لِلْمَزِيدِ.
ويشهد لهذه الحقيقةِ، ويبرهن عليها حديثُ النبيِّ – صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
أخرج ابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ” يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ، وَعَهْدَ رَسُولِهِ، إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ “. سنن ابن ماجه (2/ 1332)، وهناك أمران اثنان بهما يُمنع القطر من السماء، بهما يحصل الجدب والقحط :
أولهما: لم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين، والأخذ بالسنين من البلاء ومن العذاب، قال -تعالى – عن عذاب آل فرعون: ﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 130].
ثانيهما: قوله – صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم -: ولم يَمنعوا زكاةَ أموالهم، فهذا هو السبب الثاني والكبير لانحباس وتأخُّر نزول الغيث من السماء؛ إلا مُنعوا القطر من السماء، يكنزون الذهب والفضة والأموال، ولا يُخرِجون منها شيئًا، وإن أَخرجوا فدون ما أمر الله به في النصاب؛ قال – تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [التوبة: 34]، وإذا نزلتْ قطرات من المطر، وإذا نزل غيث من السماء، ما كان ذلك إلا للبهائم “ولولا البهائم لم يُمطروا” .
وقد روي أن نبي الله سليمان – عليه السلام – “خرج يستسقي، فرأى نملة مستلقية، وهي تقول: اللهم إنَّا خلقٌ من خلقك، ليس بنا غنًى عن رزقك، فلا تعذبنا بذنوب غيرنا، فقال سليمان: ارجعوا فقد سُقيتم بدعوة غيركم”، إذًا المطر الذي ينزل قليلاً، ليس لهؤلاء العصاة المُصرِّين على معاصيهم، الذين لا يقلعون عنها؛ إنما الرحمة بالبهائم، بالعجماوات، هكذا بيَّن لنا الصادق المصدق، وإذا ما أقلع الناسُ عن معاصيهم، واستغفروا الله – تعالى – ورجوه الرحمةَ ونزول الغيث، لأغاثهم بفضله، وجُوده ومنِّه، فالتوبة النصوح والاستغفار، هو السبب في إستنزال خيرات السماء؛ قال سبحانه وتعالى عن نوح عليه السلام -: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 – 12].
ويقول – سبحانه – عن نبيِّه هود – عليه السلام -: ﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ ﴾ [هود: 52]، وليس الاستغفار باللسان دون الفعال، لا بد أن يكون الاستغفار صادقًا عمليًّا؛ ، وفي الختام نسأل الله تعالى أن يحفظ علينا نيلنا ومصرنا وأن يصب علينا الخير صبا،والله سبحانه وتعالى أعلم، حيث يجعل رسالته .