بقلم ✍️ شحاتة زكريا (كاتب وباحث متخصص في الشؤون الاقتصادية والسياسية )
في عالم يتسم بتقلبات اقتصادية متسارعة وأزمات عالمية متنامية أصبحت قضية التوطين والتمكين ضرورة لا غنى عنها للدول التي تسعى لتحقيق الاستقرار والنمو المستدام. وفي مصر هذه القضايا ليست مجرد رؤى مستقبلية بل هي حجر الزاوية الذي يعتمد عليه بناء الجمهورية الجديدة، التي تسعى إلى النهوض بالاقتصاد وتحقيق الاكتفاء الذاتي على كافة المستويات .. التوطين والتمكين ليسا مجرد أهداف اقتصادية ، بل هما أيضا أدوات لبناء مجتمع أكثر استدامة تسوده العدالة الاجتماعية ويعزز دوره على الساحة الدولية.
التوطين.. أكثر من مجرد صناعة محلية
عندما نتحدث عن التوطين ، غالبا ما يتبادر إلى الذهن فكرة توطين الصناعة المحلية ، لكن المفهوم أوسع بكثير من ذلك. التوطين هو السعي إلى تحويل مصر إلى مركز اقتصادي متنوع يعتمد على قدراته الذاتية في مختلف القطاعات سواء كانت صناعية، زراعية، أو حتى تكنولوجية. من هنا تأتي أهمية دعم المنتجات المحلية ليس فقط كوسيلة لتقليل الاعتماد على الاستيراد ، بل كمحور استراتيجي لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام.
على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه الاقتصاد العالمي ، فإن مصر تسعى بقوة لتعزيز توطين صناعاتها الحيوية مثل الصناعة الدوائية التي أثبتت أهميتها خلال الأزمات الصحية العالمية وكذلك صناعة التكنولوجيا، التي تشكل المحرك الرئيسي للاقتصاد العالمي الحديث. لكن هذه الجهود لا تقتصر فقط على الحكومة ، بل يجب أن يتحمل القطاع الخاص دورا محوريا في تحقيق هذه الأهداف من خلال الاستثمار في الصناعات المحلية ودعمها ، وتحفيز الابتكار والإنتاجية.
التمكين.. مفتاح العدالة الاجتماعية
من ناحية أخرى يأتي التمكين كمفهوم لا يقل أهمية عن التوطين. فهو يشمل تمكين مختلف الفئات الاجتماعية من المشاركة الفعالة في الاقتصاد ، وتوفير الفرص المتساوية للجميع. التمكين هو حجر الزاوية لتحقيق العدالة الاجتماعية، وهو الأساس الذي يبني عليه المجتمع المستدام. ويشمل هذا تمكين الشباب من خلال توفير فرص العمل وتمكين المرأة من المشاركة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية وكذلك تمكين الريف المصري من خلال مشروعات التنمية المحلية التي تسهم في تقليص الفجوة بين الريف والحضر.
ولتحقيق هذا التمكين يجب على الحكومة العمل على تعزيز البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية التي تتيح للجميع فرصة المساهمة. وهذا يتطلب استراتيجيات شاملة تشمل التعليم والتدريب والتأهيل ، لضمان أن يكون لدى المصريين المهارات اللازمة للمنافسة في سوق العمل العالمي. ويجب أن يشمل ذلك التركيز على تطوير الصناعات التحويلية التي تعتمد على التكنولوجيا المتطورة ، بما يضمن أن تكون مصر في طليعة الدول التي تسعى إلى بناء اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار.
المسؤولية الاجتماعية.. التزام وطني وجماعي
إن الحديث عن التوطين والتمكين لا يمكن أن يكتمل دون التطرق إلى المسؤولية الاجتماعية ، التي يجب أن تكون جزءا لا يتجزأ من هذه الجهود. على الرغم من أن الحكومة تقوم بدور محوري في تعزيز سياسات التوطين والتمكين فإن القطاع الخاص والمجتمع ككل يجب أن يتحملوا جزءا كبيرا من المسؤولية. فالقطاع الخاص ، بخبرته وقدراته المالية يجب أن يتوجه إلى دعم الصناعات المحلية وتعزيز التكنولوجيا المتطورة. وهذا لا يقتصر على تحقيق أرباح بل يمتد إلى دور وطني يتطلب التضامن والمساهمة في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية.
على مستوى الفرد يتحمل المواطن أيضا مسؤولية في دعم الجهود الوطنية، وذلك من خلال تفضيل المنتجات المحلية على المستوردة ، وتشجيع الابتكار المصري. هذا الدعم لا يساهم فقط في تعزيز الاقتصاد المحلي بل يعزز أيضا من قيم الانتماء الوطني ويشجع على بناء مجتمع متماسك.
التوطين والتمكين.. نحو اقتصاد أكثر استدامة
مع دخول مصر عصر الجمهورية الجديدة يبدو أن هناك رؤية شاملة نحو بناء اقتصاد مستدام يستند إلى التوطين والتمكين. ومع ذلك.فإن هذه الرؤية لا يمكن أن تتحقق دون مشاركة الجميع. الحكومة القطاع الخاص، المجتمع المدني، والمواطنين، جميعهم يجب أن يعملوا معا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
فرص النجاح موجودة وكبيرة.رغم الأزمات الاقتصادية التي يمر بها العالم. فمصر تعمل بجد على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، وتسعى إلى تعزيز قدراتها الاقتصادية من خلال تعزيز الأمن الغذائي والطاقة المستدامة، وتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي. هذه الجهود تأتي في إطار تعزيز الأمن القومي بمفهومه الشامل، وهو ما يضمن تحقيق التنمية المستدامة ويؤمن مستقبلًطا أفضل للأجيال القادمة.
وفي الأخير .. التوطين والتمكين ليسا مجرد مصطلحات اقتصادية أو اجتماعية ، بل هما أدوات فعالة لبناء مجتمع متماسك واقتصاد قوي. فالتوطين يعزز من قدرات مصر على الصعيد الصناعي والتكنولوجي ، بينما يسهم التمكين في تحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير الفرص للجميع. ومع تحمل القطاع الخاص والمجتمع المدني لمسؤولياتهم الاجتماعية يمكن لمصر أن تحقق أهدافها في التنمية المستدامة والارتقاء بمستوى الحياة لكل مواطن .. في النهاية بناء الأوطان لا يكون إلا بسواعد أبنائها ، والعمل الجماعي هو السبيل الوحيد لتحقيق الحلم المصري في التوطين والتمكين.