العلاقات العُمانية البلجيكية.. شراكة استراتيجية تعكس أهداف رؤية السلطان هيثم بن طارق المبنية على الانفتاح الاقتصادي على مختلف دول العالم تنطلق من مواطن القوة العُمانية
يُمثِّلُ الاحتفالُ بالعيدِ الوطني في الثَّامن عشر من نوفمبر من كل عام في الوجدانِ الوطني العُماني رمزًا وطنيًّا يستلهم الهمم ويشحذ العزيمة للمضي قدماً بمسار النهضة الحديثة والمتجددة تحت القيادة السياسية الحكيمة السلطان هيثم بن طارق سلطان عُمان، فهو مناسبةٌ سنويَّة باتت وقفةَ تأمُّلٍ للماضي وأملٍ في المستقبل، يستذكرُ فيها الشَّعبُ العُماني منجزاتِه على مدَى (54) عامًا، ويستمدُّ مِنْها الدَّافعَ نَحْوَ غدٍ أفضل، ينسجم ويتناغم مع مستهدفات الرؤسة المستقبلية “عُمان 2040”.
وتعتبر زيارة السلطان هيثم بن طارق سلطان عُمان إلى بلجيكا، ومباحثاته مع الملك فيليب ليوبولد ملك البلجيكيين، فرصة كبيرة لتوطيد العلاقات بين البلدين، وفتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي والسياسي والثقافـي.
وقد رحّب ملك البلجيكيين بالزيارة السّامية للسُّلطان هيثم بن طارق، مؤكدًا على أنّ البلدين تربطهما علاقاتٌ تاريخيّةٌ واقتصاديّةٌ ودبلوماسيّةٌ قويّةٌ، ويتطلّعان إلى تطويرها ومواصلة البناء في مجالات أخرى ذات الاهتمام المشترك بما في ذلك الابتكار والدّفاع وصناعة الفضاء والصحة والتبادل الأكاديميّ والثقافيّ.
ملك بلجيكا: سلطنة عُمان “مهندسُ السّلام” و”ملاذٌ للاستقرار”
ووصف ملك بلجيكا، سلطنة عُمان في كلمته بـأنها “مهندسُ السّلام” و”ملاذٌ للاستقرار” وأنها تعمل دائمًا على تعزيز التوافق والتسامح والحوار، مُعربًا عن شكره وتقديره للسُّلطان هيثم للوساطة المتميّزة والفعّالة للإفراج عن أحد المواطنين البلجيكيين، مضيفًا أن “سلطنة عُمان تشكّل نموذجًا للتعايش والانسجام المجتمعي ومصدر إلهام للجميع في هذه الأوقات الصعبة بشكل خاصّ.
وأكّد ملك بلجيكا، على أن زيارته سلطنة عُمان في فبراير 2022 عززت العلاقات الاقتصاديّة والدبلوماسيّة بين البلدين، مُعربًا عن سعادته باستمرار الشراكة الاستراتيجية التي تم تشكيلها قبل ما يقارب من عشر سنوات مع ميناء الدقم بين مجموعة أسياد واتحاد ميناء أنتويرب والاتفاقية بين مجموعة ديمي البلجيكية ومجموعة أوكيو لتطوير الهيدروجين الأخضر، لافتًا إلى أن هذين المشروعين الرئيسين هما ثمار شراكة طموحة ومبتكرة بين بلجيكا وسلطنة عُمان وأن الموقع الاستراتيجي لميناء الدقم ليصبح مركزًا عالميًّا للطاقة يجعله مفترق طرق أساسيًّا للتجارة بين أوروبا وآسيا.
وفي إطار زيارة “دولة” السُّلطان هيثم بن طارق، إلى مملكة بلجيكا، وقعت سلطنة عُمان ومملكة بلجيكا الصديقة ببروكسل على إعلان نوايا مشتركة. يهدف الإعلان إلى تسهيل دخول حاملي جوازات السفر الدبلوماسية والخاصة والرسمية بين البلدين دون تأشيرة لفترات محددة، إضافة إلى تعزيز التعاون في مجالات وإدارة الهجرة، وفقًا للقوانين الدولية.
تكشف العلاقات بين سلطنة عمان ومملكة بلجيكا عن جانب من جوانب رؤية السلطان هيثم بن طارق، تلك الرؤية المبنية على الانفتاح الاقتصادي على مختلف دول العالم وبناء شراكات استراتيجية تنطلق من مواطن القوة العمانية وهي مواطن كثيرة جدا منها ما يُعرف بالقوة الناعمة ومنها من يُعرف بالموقع الجغرافي الاستراتيجي ومنها ما يُعرف بنعمة الموارد الطبيعية.
ونموذج بناء الشراكات مع مملكة بلجيكا ليس النموذج الوحيد رغم أهميته بل إن سلطنة عمان ذاهبة نحو بناء المزيد من الشراكات مع دول من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب. وتتلاقى طموحات سلطنة عمان في تنويع مصادر دخلها وتشجيع رؤوس الأموال مع طموحات الكثير من دول العالم التي ترى في سلطنة عمان واحة استقرار سياسي وموقعا جغرافيا عند ملتقى خطوط التجارة، الأمر الذي يشجع على مزيد من الشراكات الاقتصادية بشكل خاص والتعاون في مجالات الطاقة النظيفة التي تشغل بال الكثير من دول العالم في الوقت الحاضر.
ودخلت مملكة بلجيكا شريكا استراتيجيا لسلطنة عمان لا سيما في قطاعات الطاقة النظيفة «الهيدروجين الأخضر» والموانئ «ميناء الدقم» والخدمات اللوجستية المرتبطة بميناء الدقم بشكل خاص وغيرها من الموانئ العمانية الاستراتيجية.
مستقبل واعد لشراكات اقتصادية استراتيجية بين عُمان وبلجيكا
ورغم أن العلاقات بين البلدين حديثة نسبيا إلا أنها استطاعت أن تبني جذورا قوية وتؤسس لمستقبل واعد بالشراكات الاقتصادية على أكثر من مستوى خاصة فـي ظل الإرادة السياسية التي تلقى دعما غير محدود من قبل القيادتين فـي البلدين الصديقين. ومن الواضح جدا أن سلطنة عُمان ومملكة بلجيكا على أعتاب مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي الاستثنائي.
ومع التحولات الاقتصادية التي تبنّتها سلطنة عمان ضمن رؤية عمان 2040، باتت الاستثمارات البلجيكية حاضرة على خريطة الاستثمار في البلاد، وشهدت العلاقات التجارية بين البلدين نموًا مطردًا، مع تركيز خاص على مجالات التصنيع والطاقة المتجددة. واستفادت عُمان من الخبرة البلجيكية في تقنيات إدارة الموانئ، ما عزز مكانتها كمركز لوجستي عالمي.
ولعل تطوير ميناء صحار وميناء الدقم بالشراكة مع موانئ بلجيكية يعكس قدرة البلدين على تحويل العلاقات الثنائية إلى قيمة اقتصادية مضافة، حيث ساهمت هذه الشراكة في تعزيز الكفاءة التشغيلية وخفض الانبعاثات الكربونية، بما يتماشى مع رؤية سلطنة عمان للتنمية المستدامة.
كما أن السياسات الاقتصادية في سلطنة عُمان القائمة على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر وتقديم الحوافز للشركات العالمية، جعلت من البلاد وجهة جاذبة للشركات البلجيكية، وتمثلت هذه الاستثمارات في قطاعات متنوعة، من الخدمات اللوجستية إلى الصناعات التحويلية والطاقة. وقد أدى ذلك إلى توفير فرص عمل جديدة ونقل التكنولوجيا، مما ساهم في تعزيز الاقتصاد العُماني وزيادة قدرته على مواجهة تحديات المستقبل.
برزت ملامح هذه الشراكة من خلال المشاريع الطموحة مثل ميناء الدقم، الذي يُعدّ أحد أبرز ثمار التعاون العُماني البلجيكي، إذ يعكس رؤية البلدين فـي تعزيز الاستثمارات المستدامة والبنية الأساسية لمشاريع الموانئ وسلاسل التوريد العالمية. كما يُعد مشروع «هايبورت الدقم» دليلاً حيًا على تطلع البلدين إلى ريادة قطاع الطاقة الخضراء عالميًا، حيث يسهم هذا المشروع فـي تمهيد الطريق نحو إنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره إلى الأسواق الأوروبية، مما يعزز التحول نحو الاقتصاد المستدام.وتتجاوز العلاقات التي يعمل البلدان على بنائها وتأسيسها على أرض صلبة الجانب الاقتصادي لتشمل مسارات سياسية وثقافـية. وأظهرت سلطنة عمان قوة دبلوماسيتها ومكانتها الإقليمية فـي تسوية القضايا الدولية، كما تجلى فـي نجاحها بالتوسط للإفراج عن محتجزين بين بلجيكا وإيران. هذا الدور يعكس مكانة عُمان كفاعل دولي يحظى بالاحترام.
التبادل التجاري بين سلطنة عمان ومملكة بلجيكا يتجاوز 800 مليون ريال
وقد شهدت العلاقات التجارية بين سلطنة عمان ومملكة بلجيكا متانة في التبادل التجاري بين البلدين منذ عام 2020م، حيث وصل إجمالي حجم التبادل التجاري أكثر من 809 مليون ريال عماني حتى نهاية يوليو 2024م، وسجلت الواردات من المملكة إلى سلطنة عمان أكثر من 674.6 مليون ريال عماني، في حين بلغت قيمة الصادرات نحو 162.1 مليون ريال عماني، أما إعادة التصدير من سلطنة عمان إلى مملكة بلجيكا فقد تجاوزت قيمتها 12.2 مليون ريال عماني.
وسجّل حجم التبادل التجاري بين سلطنة عمان ومملكة بلجيكا خلال العام الجاري من يناير حتى نهاية يوليو 2024 أكثر من 127 مليون ريال عماني، وبلغت الواردات 117.7 مليون ريال عماني مقابل 6.8 مليون ريال عماني للصادرات.
وتم التصديق على 5 اتفاقيات بين سلطنة عُمان ومملكة بلجيكا، وتمثلت في تعديل اتفاقية تنظيم خدمات النقل الجوي بين حكومة سلطنة عُمان وحكومة مملكة بلجيكا، واتفاقية بشأن تجنب الازدواج الضريبي ومنع التهرب الضريبي بالنسبة للضرائب على الدخل، والاتفاقية الثنائية لتنظيم الخدمات الجوية، بالإضافة إلى اتفاقية للتعاون الاقتصادي والفني بين حكومة السلطنة والاتحاد الاقتصادي البلجيكي اللكسمبورجية، واتفاقية التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات مع الاتحاد الاقتصادي البلو- لكسومبرجي.
أوضحت بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، أن أبرز الصادرات من سلطنة عمان إلى مملكة بلجيكا شملت قضبانا وعيدانا من الحديد أو الصلب غير المخلوط، الذي يحتوي على تسنينات أو تضليعات أو حزوز أو غيرها من التشكيلات الناتجة أثناء عملية التجليخ أو مفتولة بعد التجليخ ذات مقطع عرضي دائري من 8 مم إلى 40 مم، بالإضافة إلى البولي بروبيلين، ومجمر (كوك) نفط مكلس، وبوليمرات مركبة من البروبيلين، وفضلات وخردة النحاس، إلى جانب سلع أخرى غير موضحة.
وبيّنت بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات أن السلع المعاد تصديرها من سلطنة عمان شملت سيارات سياحية (خصوصية) من طراز العام السابق لعام التخليص ومجهزة بمحركات ذات مكابس متناوبة يتم الاشتعال فيها بالشرر بسعة تتجاوز 1.5 ألف سم مكعب ولا تزيد على 3 آلاف سم مكعب، إضافة إلى أجزاء للأصناف المدرجة تحت البنود 88.01 أو 88.02 أو 88.06، كما تضمنت السلع المعاد تصديرها فضلات وخردة النيكل، وبطاريات جافة من الليثيوم، ومطاط ستيرين ـ بوتادين (SBR) ؛ مطاط ستيرين ـ بيوتادين كاربوكسيلي (XSBR) من عصارات المطاط الطبيعي (لاتكس)، وغيرها من السلع الغير موضحة. بينما هناك منتجات ذات إمكانات تصديرية أكبر تتمثل في الميثانول وخامات الحديد ومركزاته والمكتل واليوريا.
وبلغت الشركات المسجلة التي بها مساهمة بلجيكيّة حتى سبتمبر 2024 نحو 39 شركة بإجمالي استثمارات 405.7 مليون ريالا عُماني بنسبة 49.5% من إجمالي رأس المال المستثمر في الشركات، وتمثلت أهم القطاعات المستثمر فيها تجارة الجملة والتجزئة وإصلاح المركبات ذات المحركات والتشييد، والأنشطة المهنية والعلمية والتقنية، وأنشطة الخدمات الإدارية وخدمات الدعم، والصناعات التحويلية، والمعلومات والاتصالات، والنقل والتخزين، والأنشطة العقارية، والإدارة العامة والدفاع والضمان الاجتماعي الإلزامي، والتعليم.