# من أول السطر
بين عشية وضحاها عادت الحرب الخبيثة لديار بلاد الشام من جديد، وفي زمن التساؤلات الكثيرة والإجابات القليلة، يتساءل كل من له عقل يفكر ويعي وقلب ينبض.. لماذا تحركت الفصائل المسلحة الكامنة سريعا لإنهاك هذا الجسد السوري الهزيل في هذا التوقيت، ولماذا تحركت لإسقاط النظام السوري والقضاء عليه بصورة مفاجئة، بعد جولة من الحرب الدامية في غزة ولبنان، وبدء مفاوضات لوقف وتثبيت إطلاق النار بين إسرائيل وقوي المقاومة.
وفقا لتطورات الأحداث ورؤي المراقبين والساسة، فقد أصبح واضحا كالشمس في قارعة النهار، أن ما يحدث في سوريا يهدف إلي تحقيق مصالح إستراتيجيه لقوى إقليمية ودولية، فخلال السنوات الماضية بعد اشتعال ثورة الخريف العربي في سوريا وعدد من الدول العربية، تواجدت قوى فاعلة تتحرك بأريحية كبيرة علي الأرض السورية تتنافس وتتصارع فيما بينها علي السيطرة علي أجزاء كبيرة داخل الأرض السورية، ويأتي في مقدمتها إيران وروسيا وتركيا، علاوة علي الولايات المتحدة وحلفائها.
وتمتلك تلك القوى المتصارعة نفوذا كبيرا ومؤثرا في المناطق التي تتمركز فيها علي الأرض، وتسعي للحفاظ علي مكاسبها، وانتهاز حالة الفوضي السياسية وعدم الوفاق السياسي بين مختلف الكيانات والجماعات السورية.
وتكشفت حقيقة المشهد وأهداف المخطط الذي تسعى إليه الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها دولة الإحتلال الإسرائيلي في اتجاه إعادة ترتيب خارطة الشرق الأوسط وخلق “شرق أوسط جديد” يخدم مصالحهم ومخططاتهم التوسعية، والقضاء على القدرات العسكرية لـ”محور الممانعة”، وإستنزاف اقتصاده في صراعات ونزاعات لا نهاية لها، ومن خلال إحداث أزمات متتابعة.
ومن جهة أخرى تسعي الولايات المتحدة وحلفاؤها لتقليص وتحجيم نفوذ “إيران” في الأراضي السورية وإستغلال إنشغال روسيا أيضا في الحرب على أوكرانيا لإضعاف النفوذ الروسي في سوريا.
كما بدا واضحا أن الحرب الإسرائيلية علي كل من قطاع “غزة” و”لبنان” وإحياء الصراع في كل من “سوريا” و”العراق”، وإحداث تغيرات متلاحقة، ما هو إلا انعكاس لمجموعة من التفاهمات والتوافقات حول عدد من المصالح المشتركة بين القوى الإقليمية والدولية المتصارعة على المسرح السوري، ويبدو أن هذا المخطط لن يتوقف عند هذا الحد، بل هناك سيناريوهات أخري لتصديره بآليات متباينة لدول أخرى في المنطقه.
وعلى وقع عودة التصعيد الميداني في سوريا وهجوم المجموعات المسلحة المفاجئ على مواقع الجيش السوري وسيطرتها المباغتة على مساحات واسعة من سوريا وفي زمن اللعب ع المكشوف، فقد سقطت الأقنعة وأميط اللثام عن الوجه الحقيقي للجماعات الإرهابية بكافة فصائلها التكفيرية، ولو كانت تمتلك شيئا من المصداقية، أو الحجة والعقل والمنطق ورجاحة الموقف لكانت وجهت هذه الانتفاضة وتلك العزائم تجاه العدو الأكبر.
وقد كان حري بها أن تنضوي تحت لواء المقاومة في فلسطين ولبنان وسوريا لكبح جماح إسرائيل، ووقف تمدد الكيان الصهيوني ومساعية لتدمير دول الجوار العربي الواحدة تلو الأخري.
وقد كان يليق بها أن ترتدي ثياب المقاومة والجهاد العادل لا أن تسهم في تدمير ما بقي من مقدرات في سوريا والسعي لتفتيتها وتدميرها وتشريد شعبها المغلوب علي أمره إلي الأبد الأبد.
إن الحرب التي تشنها المليشيات المسلحة والمتمثلة في “هيئة تحرير الشام” وهي جماعة تابعة لتنظيم القاعدة في سوريا والتي كانت تعرف في السابق بجبهة “النصرة” وغيرها من الجماعات الأخرى المسلحة، والتي انضمت إليها برعاية أمركيا وتركيا، وسيطرت تلك المليشيات علي عدد كبير من المدن السورية تهدف إلي تحقيق مصالح إستراتيجية لقوى إقليمية ودولية متواجدة علي الأرض في الداخل السوري.
وقد كشف مندوب سوريا بالأمم المتحدة عن جانب من هذه الحقيقة المرة، مشيرا إلي أن أمريكا أسهمت في دعم الفصائل المسلحة وكتائب المرتزقة وأن إسرائيل مهدت بعدة ضربات لهذا الهجوم الإرهابي..
كما اتهمت روسيا أوكرانيا بإمداد جماعة تحرير الشام بالعتاد والمسيرات.
وهناك علامات استفهام حول الدور التركي في هذا الهجوم، وطموحاتها في احتلال شمال سوريا.. والكثير من التساؤلات حول طبيعة
دور “قوات سوريا الديمقراطية”، في شمال شرق سوريا، والذي يضم تحالف متعدد الأعراق والأديان ويغلب عليه المكون الكردي.
ويتصدر المشهد بكل تفاصيلها “هيئة تحرير الشام” والتي تتجه في خطوات ثابتة ومحسوبة نحو العاصمة دمشق وهدفها إسقاط نظام بشار ، ولا يعنيها من قريب أو بعيد فكرة سقوط كيان الدولة، بصرف النظر عن الأشخاص، وتدعي أنها تؤسس لدولة ديمقراطية جديدة تستوعب الجميع!.
ولا أدري ماذا يعني تدشين وطن جديد علي أشلاء ودماء الأبرياء ووسط هذا الدمار وركام الأطلال التي أعادت للأذهان الذكريات المؤلمة للعنات الخريف العربي الغابر!.
وتُعرف هذه الجبهة أحيانا باسم تنظيم تحرير الشام، وهيَ جماعة سلفية جهادية شاركت و ماتزال تُشارك في الحرب الأهلية السورية.
وقد تشكلت المجموعة في 28 يناير 2017 من خلال اندماج كل من جبهة فتح الشام كانت تُعرف بجبهة “النصرة سابقا” وجبهة أنصار الدين ثم جيش السنة ولواء الحق وكذا حركة نور الدين الزنكي.
وبعد إعلان التأسيس؛ انضمت مجموعة منَ الجماعات الأخرى للهيئة كما انضمّ لها عددٌ من الأفراد والمُقاتلين من سوريا وخارجها، وبالرغم من كل هذا الاندماج فإنّ الهيئة تتكوّن من عناصر في جبهة النُصرة بالخصوص حيث يُسيطر قادة هذه الجبهة المُنحلّة على أبرز المراكز في الهيئة.
وقد اتسعت رقعة هذه الهيئة وتضاعفت قوتها حتّى صارت لاعبا رئيسيا في النزاع في سوريا خاصّةً بعدما انضمّ لها عناصر من حركة أحرار الشام التي تُعد جماعة سلفية أيضًا لكنها أقلَّ تشددا من نظيراتها.
وعلي المحور الشمالي الآخر تتحرك قوات سوريا الديمقراطية، يشار إليها باختصار ” قسد”، هو تحالف متعدد الأعراق والأديان للميليشيات التي يغلب عليها الطابع الكردي، وكذلك للميليشيات العربية والآشورية، السريانية، وكذلك ضمت بعض الجماعات التركمانية والأرمنية والشركسية والشيشانية التي شاركت في إزكاء الحرب الأهلية بسوريا.
وتتألف قوات سوريا الديمقراطية في معظمها من وحدات حماية الشعب، وهي من الميليشيات الكردية في معظمها، وتقودها عسكرياً.
ووفقاً لتقارير أمريكية ، فالأكراد يشكلون 40 % من قوات سوريا الديمقراطية والعرب 60 % ،وحتي مارس 2017، بينما تشير مصادر أخرى إلي أن المكونات العربية لقوات سوريا الديمقراطية أقل بكثير من ذلك.
وقد تأسست قوات سوريا الديمقراطية في أكتوبر 2015، وأعلنت بأن مهمتها هي النضال من أجل إنشاء سوريا علمانية، ديمقراطية وفيدرالية، على غرار ثورة “روجافا” في شمال سوريا.
ومابين الفرقاء والطامعين ستظل سوريا لقمة سائغة علي مائدة اللئام وحتي إشعار آخر ، ولاعزاء لأبنائها المشردين، الذين يستعدون لجولة أخري من القتل والتشريد والضياع والتمزق، ولم تعد هناك أدني تقدير للاعتبارات الإنسانية في بقايا وطن دمر بفعل فاعل وعلي رؤوس الأشهاد، وبشراكة خبيثة بين كتيبة المصالح..
وخلاصة مأساة الأمس واليوم تصب بطبيعة الحال في صالح الكيان الصهيوني.. شاء من شاء وأبي من أبي !
وتبدو في الأفق مؤشرات تدعو للقلق والتوجس، وهو ما يتطلب موقفا عربيا موحدا وتعزيز التنسيق للحفاظ علي سوريا والعمل علي عودة سيادتها وكافة مؤسسات الدولة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وربما إفساد هذا المخطط ،وهو ماعبرت عنه الدولة المصرية فقد حذرت مرارا من خطورة الإرهاب الذي يرتدي ثيابا دينية وأعلنت رفضها الصريح لكافة الممارسات الإسرائيلية وأحبطت فكرة التهجير القسري للفلسطينيين وتصفية قضيتهم للأبد، كما أعلنت صراحة دعمها اللامحدود ومساندتها بكافة الصور لصمود أبناء فلسطين ولبنان ورفض تقسيم سوريا.
لقد فاض بنا الكيل وبلغت القلوب الحناجر وأمسينا فى أمس الحاجة لإيقاظ مختلف أنماط الوعي علي كافة المحاور ، وإتخاذ مواقف عربية فاعلة لعل وعسى.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
#