شجون حسن
سهرت مع الكواكب ليلة أمس حتي ملتني ومللتها حتي غابت عيني عن هذا العالم ورأيت أنني علي أرض شاسعة فلم أر غير ظلي الذي رسمته الشمس علي الأرض،
صرت امشي لا اعرف لي مذهباً حتي انحدرت الشمس إلي مستقرها وطار كل طائر إلي مكمنه، وما نشر الظلام أجنحته علي الأرض حتي وجدتني كعاشقة يدفعها الحب ويمنعها الحياء ولكنني كنت خائفة.
شعرت أن للظلام أجنحة فإذا أنا في خضم جزيرة واسعة ولا تسل عم ألم بقلبي في هذا التوقيت ،رأيت علي البعد خطوط خضراء علي سطور الماء ، والمنازل كأنها عصافير سوداء ،ورأيت علي صفحة الماء وجهاً طيباً فارتعد مني كما يذعر الإنسان لرؤية الجان فتقدمت إليه وحييته((ما كنت أحسب أن الشمس تطلع علي مدينة غير هذه المدينة ،أو أن في العالم إنسان غير هذا الإنسان ))وما زلت احدثه ويحدثني ودعاني إلي بيته وقدم لي زوجته وأبناءه وقدموا لي طعاماً شهياً وكأن أطفاله كالملائكة تطير في السماء مثل الحمائم البيضاء.
وأتى الليل ثانية فنمت نوماً هانئاً واستيقظت أنا وصديقتي الشمس من مرقدينا علي صوت تلك الأسرة الكريمة الطاهرة تصلي صلاة الخاشعين وتدعو وهي مصطفة صفاً واحداً أن يتقبلها الله في عنايته وامنه فلم أر بدا من الإنتظام في صفها والدعاء بدعائها وعجبت أن يكون هذا الإيمان الخالص في هذا الزمان فلما فرغنا من الصلاة قلت له: يا شيخي الطيب لم أر دعوة وإيماناً خالصاً مثل ذلك، فقال: يا بنيتي نحن نري الله في السماء وفي الماء نري الله في أنفسنا وعقولنا.. شكراً لله علي نعمة الخلق والرزق، فرغنا من الحديث وعرضت علي الأسره القيام بجوله في هذا المكان الساحر.. رأيت شوارع فسيحه غير متلاصقه وقد أحاط بكل منزل منها حديقة زاهرة.. رأيت سكانها يعشقون عملهم صغاراً وكباراً، ما رأيت فقيرا يتسول.. لم أر المطامع التي أراها بين بني البشر.
فلم أر فيما رأيت من البيوت بيتاً اسعد حظاً ولا أنعم عيشاً ولا أروح بالاً من هذا البيت
تلك هي مدينة الأحلام التي يعيش أهلها سعداء لا يشكون هماً لأنهم قانعون،ولا يمسكون في أنفسهم حقداُ ولا يتشعرون خوفاً لإنهم أمنون مطمئنون.
هذه الحياة التي رأيتها فأحببت العيش فيها لولا أن لله في خلقه سنه لا تتبدل، وشأنا لا يتحول، فقد جاء الليل واخذني مكاني إلي هذا العالم الطيب فلما أستيقظ حتي رأيتني في فراشي لا الجزيرة ولا الشيخ ولا الدعاء ولا مدينة الخيال.