في واحدة من أكثر قصص النجاح الاقتصادي إثارة، صنفت مجلة “فوربس” الأميركية الملياردير الأميركي إيلون ماسك كأغنى شخص في التاريخ، بثروة تجاوزت 272 مليار دولار.
ووصفت “فوربس” ماسك بأنه “صاحب أكبر قفزة مالية للثروة الشخصية في يوم واحد بشكل مُطلق”، إذ زادت ثروته الذاتية بأكثر من 41 مليار دولار خلال أقل من 24 ساعة، الأمر الذي يفتح الباب واسعاً أمام تساؤلات عن الآليات والمجالات والمناخات التي يستخدمها الملياردير الاستثنائي في ثروته الشخصية وعالم أعماله النامية باضطراد شديد، والتي من المتوقع أن تتجاوز تريليون دولار في المُستقبل المنظور، وهي تزيد عن الميزانية العامة لعشرات الدول مُجتمعة.
القيمة المُضافة الأولى لأعمال ماسك هي النوعية الخاصة التي ينشغل فيها، مثل شركات “تيسلا” و”سبيس أكس”، والعديد من الشركات الأخرى التي استحدثها ماسك، ونمت بسرعة هائلة في عالم الأعمال منذ العام 2008 بالذات، أي في ذروة أزمة الرهن العقاري الأميركية/العالمية.
وبينما كان عالم رجال الأعمال غارقاً في ذروة الأزمة الخانقة، التي كشفت مشكلة بنيوية، وحددت سقفاً ودائرة مُغلقة لمجال الأعمال التقليدية، مثل العقارات والبرمجة الإلكترونية والصناعة الثقيلة، فإن توجهات ماسك الاقتصادية كانت تتقصد مجالات السيارات الكهربائية والبطاريات الشمسية وصواريخ الفضاء واستعمار المناطق الكونية خارج الكرة الأرضية. تلك المجالات الخام التي جلبت لمؤسسات ماسك استثمارات وأفكارا ورؤى كانت الأكثر إبداعية وتجديداً على مستوى العالم.
القيمة الأخرى لأعمال ماسك تأتي من المجال الكوني الذي يطرح فيه أعماله، وعدم اهتمامه وانحساره بالمجالات “الوطنية”، أو حتى “القارية”، لجوهر ما يطرحه من مبادرات اقتصادية، الأمر الذي يعني بأن “السوق” الذي تتقصده أعمال ماسك تتجاوز أية بحيرة أخرى من “الزبائن” التي تسعى الشركات الأخرى على مستوى العالم لأن تشغلها.
فشركات السيارات والمولدات الكهربائية بأنواع الطاقة النظيفة، تُغري مُعظم المُدن والبُلدان التي تعاني من أزمات مناخية، وما أكثرها، وهي مُستعدة في سبيل ذلك لأن تُعيد حتى هيكلة اقتصاداتها، حتى أن بعضها اتخذ قرارات وطنية عُليا تُجبر مواطنيها على اقتناء تلك التكنولوجيات بأسرع وقت، وتقدم كل التسهيلات في سبيل ذلك.
كذلك فإن شركته الفضائية إنما تتقصد بناء قرابة ألفي قمر اصطناعي، لتوفير الإنترنت والاتصالات لكامل المجموعة البشرية، ودون أية رقابة أو إمكانية نفاذ، وهو ما قد يمنحها القدرة على الاستيلاء على الحصة المالية الأكبر لقطاع الاتصالات في العالم.
الأمر نفسه ينطبق على الطائرات فائقة السرعة التي تعمل عليها شركاته، بحيث ستكون لها القُدرة على الدوران حول الكُرة الأرضية خلال ساعات قليلة فحسب.
الباحث والكاتب شفان رسول، شرح الربط بين تنامي الثروة الشخصية وبين نوعية تلك الأعمال، قائلا “ثروة ماسك خارج أية حدود للمُخيلة، لأن نوعية أعماله مستحيلة الضبط، عابرة للحدود والقوانين والمجالات الوطنية. فأعمال وشركات ماسك تشبه شخصيته المغامرة والمرحة والقادرة على التفاعل مع كُل أحد. لكن الأهم أن تلك الاعمال الإبداعية التي يُنتجها، يصعب أن تدخل في أزمات خانقة، لأن مستوى الإبداعية التي بداخلها، تسمح لها بأن تختلق حلولاً سريعاً لأية مُعضلة”.
حكاية ماسك بدأت في أواسط التسعينيات حينما أسس شركة “زييب2″، بتمويل من مستثمرين ماليين، وهي شركة برمجية تقوم على التطوير والتسويق الإعلامي، حيث كان ماسك وقتها غير قادر على شراء شقة سكنية، لكن الشركة، وبعد أربعة سنوات من التطور والنمو على يد ماسك وشقيقه، بيعت بأكثر من 300 مليون دولار، كانت حصة ماسك منها 22 مليون دولار في العام 1999.
في ذلك العام بالضبط، أسس ماسك شركة “أكس كوم”، التي كانت شبيهة ببنك إلكتروني، جذبت أكثر من 200 ألف عميل خلال شهور قليلة. ولحاجات مالية اندمجت مع بنك “كونفينتي”، لتتمكن من تأمين أموال الإيداع والتحويل المالي، وأخذت اسم “بيبال”، حيث خلال عامين فسحب، بيعت برقم قياسي تاريخية لأية شركة ناشئة، هو 1.5 مليار دولار، حصل منها ماسك مرابح تجاوزت 100 مليون دولار خلال 20 شهراً.
وبعد عدة جولات ومحاولات فاشلة عقب بيع تلك الشركة، حاول خلالها ماسك الحصول على صواريخ بالستية عابرة للقارات لإرسال شُحنات إلى خارج المدار الجوي، بالذات عبر التعاون مع الحكومتين الروسية والأميركية، قرر في العام 2002 تأسيس شركته الخاصة ببناء الصواريخ الفضائية “سبيس إكس”، التي صارت تحقق نجاحات استثنائية اعتباراً من العام 2008، وفتحت مجالات حديثة للغاية، عبر الأقمار الاصطناعية وصناعة الصواريخ القادرة على الذهاب للفضاء في أكثر من رحلة، وتطوير قطاعات الطائرات فائقة السرعة، هذا غير مجال الطاقات النظيفة والإبداعية