بقلم ✍️ أ.د. مها عبد القادر
(أستاذ أصول التربية
كلية التربية للبنات بالقاهرة – جامعة الأزهر)
التضامن الإنساني هو قيمة إنسانية سامية تعكس الشعور بالمسؤولية والروابط الإنسانية التي تربط بين الأفراد والمجتمعات، فهو التزام أخلاقي واجتماعي، حيث يشير إلى المسؤولية المشتركة والتعاون المتبادل الذي يهدف إلى مساعدة الآخرين بغض النظر عن العرق، أو الدين أو الثقافة أو الجنسية وتحقيق أهداف مشتركة تساهم في تحسين جودة الحياة وضمان العدالة الاجتماعية؛ فالتضامن الإنساني ليس مجرد فعل عابر، بل هو أسلوب حياة يعكس التزام الأفراد والمجتمعات بمبادئ العدل والإنسانية إنه جسر نحو عالم أكثر سلامًا وعدالة، حيث يتكاتف الجميع لمواجهة التحديات وبناء مستقبل أفضل للبشرية.
ويتجاوز التضامن الإنساني الحدود الجغرافية والاختلافات الثقافية أو الدينية، فهو يعبر عن الشمولية ووحدة المصير الإنساني وتقديم المساعدة والدعم المتبادل بين الأفراد والجماعات، خصوصًا في أوقات الأزمات والكوارث، يدعم العدالة والتضامن والتوزيع العادل للموارد والفرص المتساوية، مما يقلل من الفجوات الاجتماعية والاقتصادية ويعكس القيم الإنسانية والأخلاقية التي تحث على التعاطف والرحمة والتفاعل الإيجابي مع الآخرين ويدعم الاستدامة التي تضمن حقوق الأجيال الحالية والمستقبلية.
ويعود مفهوم التضامن إلى القيم الأساسية التي نشأت مع التجمعات البشرية الأولى، حيث اعتمد البشر على التعاون لضمان البقاء ومواجهة التحديات المشتركة، وقد عززت الأديان السماوية والقيم الروحية التضامن كواجب أخلاقي وديني؛ حيث دعت إلى الرحمة، ومساعدة الفقراء والمحتاجين، وإقامة العدل وبرز مفهوم التضامن الإنساني في الفكر السياسي والاجتماعي مع حركات حقوق الإنسان، والثورات الاجتماعية التي طالبت بالمساواة والعدالة.
كما أصبح التضامن أحد الأسس التي تقوم عليها المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة في دعم التعاون الدولي لتحقيق السلم والتنمية وهو يمثل اليوم قيمة عالمية تقوي من روابط التماسك الاجتماعي والتنمية الشاملة، خاصة في ظل المتغيرات والتحديات المشتركة التي تواجه العالم.
ويُعد التضامن الإنساني قيمة مشتركة بين الثقافات المختلفة، حيث يشمل التعاطف والتعاون المتبادل والمسؤولية الجمعية، ويتخذ أشكالًا متعددة تناسب السياقات الاجتماعية والثقافية والعادات والتقاليد، مما يعكس تنوع التجارب الإنسانية، ورغم اختلاف الثقافات، فإن جذور التضامن واحدة، مما يُؤكد عمق الروابط الإنسانية، حيث يسعى الجميع لتحقيق مجتمع أكثر عدالة، يتمكن فيه الأفراد من دعم بعضهم البعض في مواجهة التحديات، وبناء بيئة تضمن حقوق الجميع وتحقق المساواة، وتأكيد هذه القيمة يتطلب جهودا مشتركة تركز على التعليم، والوعي، والتواصل، مما يسهم في بناء مجتمع متلاحم يتجاوز الحدود الثقافية والجغرافية.
وللتضامن الإنساني مظاهر متعددة داخل المجتمع من خلال التعاون والتكافل والعمل المشترك وتقديم الدعم للمحتاجين في أوقات الأزمات مثل الكوارث الطبيعية، الحروب، والأوبئة وتنظيم المبادرات المجتمعية مثل جمع التبرعات لدعم التعليم، والصحة، ومساعدة الفئات الضعيفة وتوفير شبكات أمان اجتماعي تضمن المساواة في الفرص والحياة الكريمة وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي والانخراط في برامج تطوعية محلية أو دولية تهدف إلى تحسين حياة الآخرين وعقد الشراكات الدولية التي تهدف للتعاون بين الدول لتقديم المساعدات للدول النامية أو المتضررة أو في نزعات وحروب، مما يُثري الروابط الاجتماعية ويُسهم في بناء مجتمع أكثر وحدة وتماسكا.
ويُعد التضامن مع القضية الفلسطينية مثالا حيا وشاملا على التعاون والدعم الإنساني العالمي، حيث توحدت شعوب ودول ومنظمات حول العالم لدعم الحقوق الفلسطينية في الاستقلال والحرية ويظهر هذا التضامن في الأبعاد السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، والثقافية التي تسعى لدعم الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي الغاشم فجاءت الأمم المتحدة ووكالة “الأونروا” ومواقف الدول المؤيدة لفلسطين التي تؤكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، والمظاهرات والمسيرات العالمية التي تطالب برفع الظلم وإنهاء الاحتلال، وتقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية للمتضررين من الحصار أو الحروب، بما يشمل الغذاء، الدواء، والمساعدات الطبية واستخدام وسائل الإعلام لتسليط الضوء على معاناة الفلسطينيين فالقضية الفلسطينية أصبحت قضية العالم أجمع وفي قلب كل عربي وتمثل رمزًا للنضال ضد الظلم والاضطهاد، ويدعُم التضامن معها القيم الإنسانية مثل العدالة، الحرية، والكرامة ودعم الشعوب المحتلة وحماية حقوق الإنسان.
وقد دعمت الدولة المصرية قيادًة وشعبًا القضية الفلسطينية وتضامنت معها ومازالت وستستمر، سواء بالقرارات والمبادرات الدولية التي تدعو إلى حل الدولتين، والرامية لتحقيق سلام شامل وعادل، وكذلك إنسانيا وإغاثيا وطبيا بهدف تخفيف معاناتهم ودعمهم المستمر في مجالات الصحة والتعليم والإعمار والبني الفوقية والتحتية، من منطلق التضامن الاجتماعي والتزامًا بالدفاع عن القضية الفلسطينية، وتحقيق السلام العادل لهم وللمنطقة، وتأكيدا على أهمية وعدالة القضية.
والتضامن الإنساني مع القضية الفلسطينية ليس فقط دعما لشعب يعاني من الاحتلال، بل هو تعبير عن القيم الإنسانية التي تسعى للعدالة والسلام؛ ولإعطائهم طوق النجاة من خلال نجاح المفاوضات الحالية وحل الدولتين وترسيم الحدود، مع التركيز على صون الأبرياء وإعلاء صوت العقل، وبتحقق هذه المعادلة يتم بأمر الله المحافظة على الدولة والشعب الفلسطيني، وتأمين حصوله على حقوقه الشرعية والتاريخية؛ فمن الضروري أن ينعم الشعب الفلسطيني بحياة كريمة تليق به، وأن يعيش بسلام وأمن واستقرار في دولته المستقلة، ولتحقيق ذلك يجب أن تتضافر جهود التضامن الاجتماعي؛ لنفاذ حقوق الفلسطينيين وضمان مستقبل مشرق لهم، وفتح آفاق جديدة للسلام والتنمية في المنطقة.
دعوة من القلب إلى كل القلوب النابضة بالخير والمحبة، في عالمنا الذي يواجه تحديات متزايدة من الأزمات الإنسانية، والكوارث الطبيعية، والصراعات، أصبح التضامن الإنساني أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى فهو ليس مجرد شعار، بل هو قيمة أساسية تجسد معاني الرحمة، والإنسانية مهما اختلفت لغاتنا أو ثقافاتنا، فإن الإنسانية توحدنا ونحتاج إلى أن ندعم بعضنا البعض أيا كانت الكوارث أو الأزمات، فالتضامن هو السبيل لمواجهة هذه التحديات وتخفيف معاناة الآخرين، فهو يوحدنا ويُعضد الانتماء ويزرع الأمل في القلوب، مما يسهم في بناء عالم أكثر عدلاً وإنسانية؛ فالتضامن الإنساني هو أسمى صور الإنسانية، وهو السبيل لتجاوز الأزمات وتحقيق عالم يسوده العدل والمحبة، لنكن جميعا جزءا من الحل، ولنمد أيدينا لكل محتاج، ولنبن جسور الأمل في حياتنا وحياة الآخرين، فالوحدة تحقق المستحيل، معًا نرتقي ونصنع الفارق.