# من أول السطر
انطلاقا من المؤشرات الأولية لسياسات الإدارة الأمريكية الجديدة ينظر الكثيرون إلي أفق المستقبل بنظرة مفعمة بالتشاؤم ،والبعض ينظرون بتفاؤل حذر، انتظارا لما ستسفر عنه تداعيات التوجهات والقرارات “الترامبية” الجديدة.
ومن خلال القراءة الأولية يتساءل أولئك وهؤلاء.. إلي أين تتجه سياسيات “ترامب” خلال فترة ولايته الثانية بعدوصوله لسدة الحكم من جديد..وإلي أين تقود العالم ، وهل ستكون مجرد “زوبعة في فنجان”، أم موجة عاتية لإثبات الوجود وترك بصمة تاريخية في دنيا الحكم والسياسة، أم أنه يتحرك وفق لأجندة مغايرة تحمل تصورات لا حدود لها للحفاظ علي الهيمنة الأمريكية وترتكز إلي مخطط محكم الإعداد، يستهدف بالفعل تغيير خريطة العالم علي كافة المستويات والمحاور سياسيا واقتصاديا واستراتيجيا.
في تصوري أن الايام وحدها هي الكفيلة بالإجابة وكشف كافة الحقائق ،بعدما تواردت الأنباء حول حالة الاستهجان الأممي واسعة النطاق وردود الأفعال من مختلف أرجاء دول العالم الرافضة لقراراته علي المستويين السياسي والاقتصادي ،وفي مقدمة معسكر الرفض دول الغرب حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية التقليديين ،الذين أعلنوا استياءهم من فرض إتاوات “ترامب” علي الإتحاد الأوروبي ،وتهديداته بفرض رسوم جمركية جديدة ربما تخل بالموازين المنصفة للتبادل التجاري والتعاون الدولي المتكافئ!
وعلي الجانب الآخر ينظر المعسكر الشرقي وعلي رأسها روسيا والصين بعين الترقب والقلق حول ما ستسفر عنه تداعيات القرارات الأخيرة لترامب ،وتجهز حزمة من الردود الوقائية دفاعا عن مصالحها الاقتصادية ،وحماية لمنتجاتها وما أنجزته خلال سنوات عديدة من أسواق تجارية ضخمة ومعدلات تنموية وقفزات اقتصادية غير مسبوقة.
وفي عالم سريع التقلبات، شائك ومترابط العلاقات والمصالح، فليس من السهل الجزم في طرفة عين أو بين عشية وضحاها بإمكانية تغيير أنماط ونظم العلاقات التجارية المتداخلة بين مختلف دول العالم، سواء علي مستوي مجموعة الكبار أو علي مستوي العلاقات بين الدول النامية والناشئة والساعية للنمو.
ورغم وعود “ترامب” بإسكات صوت المدافع وإحلال السلام في مختلف ربوع العالم لكنه ،ووفقا لقناعاته، وتقلباته المزاجية قرر أن يخُوضَ غمار حرْبِ تجارية جديدة، وبلا تريث أو هواده ، وتلوح نذرها في الأفق ، وتتابين أتُونها وضراوتها ،وتضرم شيئا فشيئا ،ويوما بعد يوم مع إعلان المضارين باختلاف أيديولوجياتهم أنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام شطحات وجموح أفكار “ترامب” التي تجاوزت حدود الدبلوماسية والمنطق المتزن والعقل الراشد وباتت دربا من دروب المستحيل، وسيكون شعارهم “لا”،وبصورة مباشرة أو غير مباشرة!.
وقد بدأت بودار وملامح تلك الحرب التجارية طويلة الأمد مبكرا مع فترة الولاية الأولي لترامب وكان هدفها حصار التنين الصيني الصاعد بقوة الصاروخ ،فعندما تولى، الحكم عام 2017، كانت الصين أحد الأهداف الرئيسة له. وخلال وجوده فى البيت الأبيض، أشعل ما يسمى بالحرب التجارية مع ثانى أكبر اقتصاد فى العالم من خلال فرض التعريفة الجمركية.
وقد اتخذ إبانها عددا من الإجراءات تجاه الصين على النحو التالى:
ـ في 2017: مثلما وعد “ترامب” فى حملته الانتخابية، قام برفع التعريفة الجمركية على البضائع الصينية التي تقدر بمليارات الدولارات.
وفى عام2018 بدأ نهجا حكوميا شاملا تضمن البنود التالية:
ـ الموافقة على إطار عمل لاستراتيجية الأمن القومى المتعلقة بمنطقة الهند و”الباسيفك”، فى خطوة تم اعتبارها بأنها تسعى لمواجهة صعود الصين.
ـ أطلقت وزارة العدل الأمريكية ما يسمى بـ “مبادرة الصين”، وهى جهود تسعى لـتعطيل أنشطة الصين السرية فى الولايات المتحدة.
وفي 2019 أصبحت الولايات المتحدة أكثر صرامة مع الصين، واتهم وزير الخارجية في هذا الوقت “مايك بومبيو” الحزب الشيوعى الصينى بالسعى للهيمنة الدولية، إلا أن رغبة “ترامب” فى التوصل إلى اتفاق تجارى مع الصين منعت مسئولي الإدارة من فرض عقوبات على مسئولين صينيين بزعم تورطهم فى انتهاكات حقوقية!.
وخلال العام 2020 تشكلت جوانب كثيرة من العلاقات الأمريكية الصينية ، فبعد سنوات من التعريفة والجمارك، تم توقيع الاتفاق لتجارى “المرحلة 1″في بداية العام ، والذى منح ترامب انتصارا دعائيا، لكن بعد تفشى وباء كورونا، تبنى “ترامب” سياسة توجيه اللوم والاتهامات للصين بالتورط في السعي لإفساد العالم عبر النشر العمدي للڤيروس، بغية تحقيق أهداف إقتصادية حتى أنه وصفه بـ “ڤيروس الصين”، مما أدى إلى تفاقم العنصرية المناهضة للصين فى الولايات المتحدة وتزايد استهداف الأمريكيين من أصل آسيوى.
وبدأت فصول جديدة من الحرب التجارية الخفية والمعلنة ،فمع تولي فترة رئاسته الثانية أعلن مؤخرا أن الولايات المتحدة ستفرض رسوما جمركية إضافية بنسبة 10% على السلع المستوردة من الصين.
وفي أول رد فعل من جانبها أعربت بكين عن استيائها الشديد ورفضها القوي للقرار..
وفي رد على هذا الإجراء الخاطئ من قبل الولايات المتحدة، قالت الصين إنها ستتقدم بشكوى إلى منظمة التجارة العالمية وستتخذ التدابير المضادة المناسبة لحماية حقوقها ومصالحها.
ومن جانبها بدأت كندا والمكسيك إجراءات مضادة رداً على فرض الرئيس الأميركي رسوماً جمركية عليها.
وقال رئيس الوزراء الكندي “جاستن ترودو” إن كندا ستفرض رسوما جمركية بنسبة 25%على سلع أميركية قيمتها 155 مليار دولار كندي (106.5 مليار دولار) ردا على الرسوم الجمركية الأميركية.
كما تعهدت المكسيك برسوم انتقامية، وقالت رئيسة المكسيك “كلاوديا شينباوم” إنها وجهت وزير اقتصادها لتنفيذ رد يشمل فرض رسوم جمركية انتقامية على الولايات المتحدة وتدابير أخرى دفاعا عن مصالح المكسيك.
ويري مراقبون وخبراء اقتصاد أن إندلاع هذه الحرب ستكون له تداعيات سلبية وخطيرة وقد تبطئ النمو العالمي وتؤجج التضخم مجددا.
كما حذر الخبراء من تأثيرها علي الأسواق الناشئة ،فالعالم سيجد نفسه في مواجهة توترات غير مسبوقة بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم.
وتتراوح تأثيرات هذه الحرب بين فرض الرسوم الجمركية والتوترات السياسية، والصراعات حول التكنولوجيا والملكية الفكرية، مما سيؤدي إلى خلق بيئة غير مستقرة تؤثر بشكل كبير على الأسواق العالمية.
وفي هذا السياق، تعتبر الأسواق الناشئة من أبرز المتضررين؛ ذلك أنها تواجه تحديات مضاعفة جراء هذه التوترات التي قد تدفعها إلى الركود الاقتصادي أو تعمق أزماتها المالية.
ومن الطبيعي أن تتأثر الأسواق الناشئة بشكل خاص بالتقلبات في أسواق العملات وأسعار السلع الأساسية، وهي عوامل تزداد تعقيداً في ظل التواترات التجارية علي مستوي الدول الفاعلة.. صاحبة الاقتصادات الضخمة ،فالعديد من هذه الأسواق تعتمد بشكل كبير على الصين أو الولايات المتحدة، مما يعني أن أي تراجع في التجارة بين البلدين ينعكس بشكل مباشر على اقتصاداتها.
كذلك ستسهم هذه الحرب في زيادة التكاليف المرتبطة بالاستثمار في هذه الأسواق، مع تراجع الثقة في القدرة على تحقيق عوائد مستقرة.
وفي ظل هذه المعطيات، من المتوقع أن يواجه المستثمرون صعوبة في تقييم المخاطر الناجمة عن هذه الحرب التي ستتخذ بعدا أمميا لن يكون الجميع بمنأي عن تأثيراته ومردوداته السلبية.
وفيما يتعلق بتهديدات ترامب بشأن عملة “بريكس” الموحّدة التي بإمكانها القضاء علي هيمنة الدولار فإن مجموعة “بريكس” لن تقف مكتوفة الأيدي ،انتظارا لما سيمليه عليهم “ترامب” وأنصاره ،وهناك نقاش يدور حول إنشاء منصات استثمارية جديدة
اقتصادية والمضي قدما في تنفيذ سياسات تقليل الاعتماد علي الدولار وتنشيط التبادل التجاري بعيدا عن الدوائر الغربية ،وبعيدا عن سلطة الهيمنة الأمريكية المتصاعدة.
إن العالم الآن في محطة فارقة، بعد سلسلة من الأزمات الاقتصادية التي خلفتها الحرب الأوكرانية وتوقف سلاسل إمداد الغذاء، علاوة علي الآثار المريرة لتداعيات التغيرات المناخية ، وأتصور أنه من الحكمة أن تتخذ الدول مسارا نحو الهدنة ،وتتجه إلى مزيد من التعاون والتكامل بعيدا عن المناطحات غير المجدية وعديمة الفائدة.. والتي تكرس الإستقطاب الحاد والهيمنة والنفعية المطلقة، ومن ثم خلق أزمات جديدة وتحديات لا محدودة!.
ومع بشريات التقارب العربي من جديد يبزغ الحلم العربي بتدشين تكتل اقتصادي علي غرار تكتلات الغرب والشرق لمواجهة التحديات بإرادة قوية ورغبة صادقة في التحرير والانطلاق نحو بناء معادلة إقليمية جديدة.
في تصوري أيضا أنها الفرصة المواتية للعرب لفهم قواعد اللعبة الدولية وتعزيز التكامل العربي الشامل بكافة صوره ،استثمارا للحظة الراهنة وهذا التوافق العربي غير المسبوق الرافض لفكرة التهجير ومقترحات “ترامب” بتفريغ قطاع غزة من سكانه قسريا أو إختياريا وتدشين مشروع عقاري أطلق عليه “ريڤيرا الشرق الأوسط”وأيضا لتجنب مغبة الرفض العربي ولما هو متوقع من صنوف الضغوط السياسية الاقتصادية
ودعما لدورها في هذا الصراع الوجودي.. وإنا لقادرون بإذن الله.
#













