»» الصيام عبادة روحية ونظام صحي متكامل
وحتي قيام الساعة وإلي أن يرث الله الأرض ومن عليها، ستظل آيات ودلائل الإعجاز العلمي في القرآن والسنة مصباحا وسراجا ينير دروب الإيمان والهداية وتفتح آفاقا جديدة للعلم والمعرفة والتدبر ..
وخلال الشهر المبارك يقدم لنا الدكتور فراج خليل الصعيدي (أستاذ الجيولوجيا والباحث في علوم الإعجاز العلمي في القرآن والسنة) غيضا من هذا الفيض المبارك..
فالمُعجزات العلمية في القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة لا تُعد ولا تُحصى ولقد بلغت الآيات الكريمة التي تحدثت عن مظاهر الكون والطبيعة والإنسان والحيوان والنبات ما يقرب من ثُلث القرآن الكريم.
وقد كان لدي العرب وقت نزول القرآن حس فطري باللغة العربية وفهم لمعانيها وإدراك لمقاصدها .. أما في عصرنا الحديث، ومع تقادم الزمان، وتسارع الأحداث، والثورة الصناعية والتكنولوجية الهائلة، فأصبحت لغة العلم هي لغة حضارات أخرى غير العربية، وقد سيطرت على العالم مما أدى الى انبهار شباب العرب بتلك الحضارات وهذه اللغات، مما أدى إلى تشويش الحس الفطري باللغة العربية وقصور في فهم معانيها وقلة إدراك مقاصدها … فأصبحت لغة العلم هي لغة العصر .
لذا أصبح من الضروري مخاطبة العرب وسائر أبناء المعمورة بلغة العصر وهي لغة العلم وبيان الإعجاز العلمي في القران والسنّة من منظور لغة العلم أكثر من مخاطبتهم بالاعجاز اللغوي والبلاغي.
🍂
بقلم ✍️ د. فراج خليل الصعيدي
(أستاذ الجيولوجيا،
الباحث في الإعجاز العلمي في القرآن والسنة)
●● الإعجاز العلمي في فوائد الصيام في قول الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (سورة البقرة: ١٨٣)
● الصيام في الإسلام ليس مجرد عبادة روحية تُقرِّب العبد من ربه، بل هو أيضا نظام صحي متكامل له تأثيرات عظيمة على الجسم والعقل والروح. العلم الحديث يكشف يومًا بعد يوم عن فوائد مذهلة للصيام، بعضها يتعلق بتحسين وظائف الجسم، وبعضها الآخر بالوقاية من الأمراض، مما يجعل هذه الفريضة إحدى معجزات الإسلام التي سبقت الاكتشافات الطبية الحديثة بقرون طويلة.
● 1. الفوائد الصحية للصيام وفقًا للأبحاث العلمية:
أثبتت الدراسات الطبية الحديثة أن الصيام يُساهم في تعزيز وظائف الجسم والوقاية من العديد من الأمراض المزمنة. ومن أهم هذه الفوائد:
أ. تعزيز صحة القلب والأوعية الدموية:
فالصيام يُقلل من ضغط الدم ويُحسن من صحة القلب عن طريق تقليل مستويات الكوليسترول الضار LDL.
يساعد في تقليل خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية.
يُعزز مرونة الأوعية الدموية، مما يُحسن من تدفق الدم في الجسم.
ب. ضبط مستويات السكر في الدم والوقاية من السكري:
أظهرت الدراسات أن الصيام يُحسن من حساسية الجسم للأنسولين، مما يُساعد في ضبط مستويات السكر في الدم.
يُقلل من خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني.
يُحفز الجسم على حرق الدهون بدلًا من استخدام الجلوكوز، مما يُحسن من عملية التمثيل الغذائي.
ج. التخلص من السموم وتجديد الخلايا:
خلال الصيام، يقوم الجسم بتفعيل عملية الالتهام الذاتي (Autophagy)، وهي آلية تُساعد في التخلص من الخلايا التالفة وإعادة تدويرها.
هذه العملية تُعتبر مفتاحا للوقاية من السرطان وأمراض الشيخوخة، وقد مُنحت جائزة نوبل عام 2016 للدراسات التي أثبتت فوائدها.
يُساهم الصيام في تنظيف الجسم من السموم المتراكمة بسبب العادات الغذائية السيئة.
د. تحسين وظائف الدماغ وزيادة التركيز:
الصيام يُحفز إنتاج عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ (BDNF)، وهو بروتين يُساعد في تعزيز نمو الخلايا العصبية وتحسين الذاكرة.
يُقلل من خطر الإصابة بالأمراض العصبية مثل الزهايمر والباركنسون.
يُساعد في تقليل التوتر والقلق، حيث يخفض من مستويات الكورتيزول، هرمون التوتر.
هـ. دعم جهاز المناعة:
الصيام يُحفز إنتاج خلايا الدم البيضاء، مما يُعزز جهاز المناعة ويساعد في مقاومة الأمراض.
أشارت دراسات حديثة إلى أن الصيام يُعيد تجديد جهاز المناعة بالكامل خلال فترات قصيرة.
و. تحسين صحة الجهاز الهضمي:
يُساعد في تخفيف التهابات المعدة والقولون عن طريق منح الجهاز الهضمي فرصة للراحة.
يُقلل من خطر الإصابة باضطرابات الجهاز الهضمي مثل ارتجاع المريء ومتلازمة القولون العصبي.
يُحفز نمو البكتيريا النافعة في الأمعاء، مما يُحسن عملية الهضم والامتصاص.
ز. المساعدة في فقدان الوزن بطريقة صحية:
– الصيام يُحفز حرق الدهون المتراكمة، خاصة في منطقة البطن.
– يُساهم في تحسين معدل الأيض، مما يُساعد في فقدان الوزن دون التأثير على الكتلة العضلية.
● 2. الصيام في ضوء الإعجاز العلمي والبلاغي في القرآن
أ. الإعجاز في إزالة السموم والوقاية من الأمراض:
القرآن الكريم أشار إلى أهمية الصيام في تحقيق التقوى، والتي تشمل الجسد والروح معًا.
العلم الحديث يُثبت أن الصيام يُساعد في التخلص من السموم وتحسين أداء وظائف الجسم، مما يُؤكد الإعجاز في التشريع الإسلامي.
ب. الإعجاز في تحفيز جهاز المناعة:
الصيام يُنشط إنتاج الخلايا المناعية ويُحسن من الاستجابة الدفاعية للجسم ضد الأمراض.
هذه الحقيقة لم تكن معروفة منذ 1400 عام، ولكن اليوم أصبحت حقيقة علمية مؤكدة.
ج. الوقاية من الأمراض المزمنة:
القرآن الكريم لم يذكر فرض الصيام كعبادة فقط، بل أشار إلى الغاية منه: “لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”، مما يشير إلى فوائده في تهذيب النفس والوقاية من العادات الضارة.
الصيام أصبح اليوم علاجا طبيا يُوصى به للأشخاص الذين يُعانون من مشاكل صحية مختلفة.
● 3. الدراسات العلمية الحديثة عن الصيام:
أ. الصيام وصحة القلب:
في عام 2019، نشرت جمعية القلب الأمريكية دراسة أظهرت أن الأشخاص الذين يُمارسون الصيام بانتظام لديهم خطر أقل للإصابة بأمراض القلب بنسبة 71% مقارنة بمن لا يصومون.
هذه الدراسة تُؤكد أن الصيام يُحسن صحة القلب ويُطيل العمر.
ب. الصيام وإطالة العمر:
وجدت الدراسات أن الصيام يُقلل من مستويات الإجهاد التأكسدي، وهو العامل الرئيسي للشيخوخة والأمراض المزمنة.
يُحفز الصيام الجينات المسؤولة عن طول العمر، مما يجعله أحد أسرار الحياة الصحية الطويلة.
● 4. عظمة الإعجاز في الصيام:
أ. الصيام كدرع وقائي:
قال النبي ﷺ: “الصوم جُنَّة” أي وقاية، وهو ما أثبته العلم بأن الصيام يحمي الجسم من العديد من الأمراض الخطيرة.
ب. الصيام كوسيلة لضبط النفس:
أوصى النبي ﷺ الشباب بالصيام بقوله: “يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء.” (رواه البخاري ومسلم)
العلم يؤكد أن الصيام يُساعد في تقليل الرغبة في تناول الطعام والتحكم في الشهوات.
ج. التأثير الشامل للصيام على صحة الإنسان:
إذا كان للصيام ليوم واحد فقط في الشهر فوائد كبيرة، فكيف بمن يصوم شهرًا كاملًا كما فرض الإسلام؟
د. الصيام كنظام شامل للصحة:
الصيام ليس مجرد عبادة، بل هو نظام صحي متكامل يُثبت أن التشريع الإسلامي لا يقتصر على الروح فقط، بل يهتم أيضًا بصحة الإنسان الجسدية والعقلية.
● وفي الختام:
يثبت العلم الحديث يومًا بعد يوم أن الصيام ليس مجرد عبادة روحية، بل هو معجزة صحية شاملة تُساعد في الوقاية من الأمراض وتعزيز وظائف الجسم والعقل. الفوائد العظيمة التي اكتشفها العلماء اليوم تؤكد صحة ما جاء به النبي ﷺ قبل أكثر من 1400 عام، مما يُظهر أن الصيام ليس فقط وسيلة لعبادة الله، بل هو أيضا وسيلة للحفاظ على صحة الإنسان.
وصدق الله تعالى إذ يقول:
{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ} (سورة النجم: 3-4).
إن الإعجاز في الصيام لا يقتصر على الفوائد الجسدية فقط، بل يشمل الصحة النفسية والروحية، مما يجعل الإسلام نظام حياة متكامل يُحقق التوازن بين الجسد والعقل والروح.













