أيام الطفولة ولمة “المندرة” شكل تاني !
ومع النفحات الروحية العطره لشهر رمضان المبارك يفوح شذا عطر الإيمان وتحلو الذكريات الجميلة لشهر الصوم .. وعبر بوابة الجمهورية أون لاين عبر نافذة “المساء” يتجدد اللقاء كل يوم مع رمز من رموز أبناء مصرنا الغالية من العلماء والمفكرين والأدباء والإعلاميين وأساتذة الجامعات.
🌄
»» الاستعدادات تبدأ قبل الشهر الكريم بثلاثة أشهر..وفرحة خاصة مع لحظة الإفطار
بقلم ✍️ جمال حراجى
(شاعر وكاتب ـ رئيس نادي أدب الإسماعيلية سابقا وأمين صندوق نقابة اتحاد كتاب الإسماعيلية)
يأتي شهر رمضان كل عام محملا بالذكريات الرائعة، والتي لا يمكن نسيانها مهما مر عليها من سنوات وأحداث، وخاصة إذا كانت تحمل عبق المحبة الخالصة والبراءة الطفولية في زمن تملئه المحبة والأهل والناس الطيبين.
أما عن الذكريات الجميلة في شهر رمضان الكريم والأكثر محبة لقلبي، والتي لايمكن نسيانها هي ذكريات الطفولة في رمضان، ربما كنت سعيد الحظ في طفولتي حيث نشأت في بقعة لها خصوصية في كل شيء ربما لم تكن بها مقومات الرفاه والحياة السعيدة على مستوى المعيشة اليومية لأهلها البسطاء والذين لا يطلبون من الدنيا سوى الستر، وأن يعيشوا يومهم بما قدر الله لهم، القرية أسمها قرية الظافرية وفى تابع لها أسمه “نجع معين ” يتبع مركز” قفط” جنوب محافظة قنا.
شهدت هذه القرية قبل منتصف الستينات ولادتي، ولم أكن سوى طفل عادى لأسرة بسيطة تنتمى إلى قبيلة عربية نزحت من الجزيرة العربية، وبالتحديد “الأبطح” في مكة المكرمة كان ذلك في القرن الثامن الهجري مع العديد من القبائل العربية لتستقر في جنوب الصعيد، وتنتشر من وادى قنا وحتى منطقة إدفو بأسوان مرورا بمنطقة إسنا وكلها مناطق جبيلة وعرة..
تملكوا فيها الأراضي الزراعية وبنوا المنازل بالقرب من الجبال الحجرية الصامدة من آلاف السنين فأصبحت الحياة موزعة ما بين الزراعة والتجارة أحيانا، لكن يبقى العلم والقرأن الكريم هو وجهتهم الأولى، والعلوم الشرعية هو المبتغى لكل طفل يولد ليكمل مسيرة أجداده الذين تنتمى جذورهم الأولى لـ ” آل بيت رسول الله” صلى الله عليه وسلم، كما تقول وتثبت الأرواق والتي يمتلكونها لإثبات نسبهم الشريف.
وقبل أن يأتي رمضان بثلاث شهور تقريبا بداية من شهر رجب الأغر، تبدأ الإستعدادات لحدث كبير سوف يأتي بعد 90 يوما فقط هذه الإستعدادات تتضمن مستويات عديدة من المعيشة اليومية، وتجهيز ما سوف يتم ذبحه من طيور أو أغنام، وملء المخازن بالغلال الجاهزة للطحن لصناعة الأرغفة والأنواع المختلفة من المخبوزات المشهور بها أهل الصعيد وأيضا، تجهيزات الساحات وهى مناطق منفصلة عن البيوت يطلق عليها “مندرة “، ويتم تزيين هذه المنادر بمقاعد خشبية جديدة، إصلاح القديم، ودهان الحوائط والأبواب، كل شيء يكون جاهزا حتى يتم الإعلان عن رؤية هلال رمضان، فتبدأ الاحتفالات ليلة الرؤية وأول يوم صيام يتجمع العشرات من الأباء والأجداد بعد صلاة أول تراويح في مسجد القرية، ثم تبدأ تفوح روائح رمضان في كل منزل وتنطلق الأصوات من خلال ميكروفانات المساجد القريبة وأصوات الراديوهات للمنازل المتاخمة لبعضها حتى فجر أول يوم، ونتم الصيام إلى مغرب أول يوم.
ومن هنا تبدأ مظاهر جديدة لاستقبال الضيف الكريم، ولن تتغير بل وسوف تستمر حتى نهاية الشهر، وكأن هناك برنامجا معدا بشكل جيد وممنهج لأحياء كل ليلة منفصلة عن الليلة الأخرى ، ربما هناك تشابه في الطقوس، وخاصة الثابت منها وسأقول لكم تفصيليا ماذا كان يحدث.
الإفطار بعد أذان المغرب، هذه أولى الأفراح بالنسبة لطفل هو وأقرانه ينتظرون مؤذن الجامع يعلن عن نهاية أول يوم صيام. تعلوا الأصوات للأطفال منتشرة في الدروب الضيقة والأزفة لإعلام الأهل عن أذان المغرب تنصب الموائد الجاهزة تقريبا من بعد صلاة العصر بقليل. يتجمع المئات من الأهالى فيما يشبه مائدة الرحمن وهى ليس كذلك، حيث تشارك كل المنازل بما عندها من إفطار والمائدة غالبا ما تكون داخل “المندرة” ويأتي إليها من يأتي من الأقارب أو من الأغراب ويقوم الشباب والأطفال وأيضا، الرجال بالخدمة على الضيوف، ثم يتناولون إفطارهم بعد ذلك في نفس المكان. أما النساء فلهن مكان آخر بعيد عن ساحة الرجال وهذه هي العادات المتأصلة عند أهل الجنوب.
وتبدأ بعد ذلك مرحلة أخرى من الإحتفال في كل ليلة لا تخلو من مقرئ معروف في القرية، أو في القرى المجاورة لإحياء ليالي رمضان بالقرآن الكريم، ثم إقامة ليالي الذكر وأيضا، كان يشارك فيها منشدون معروفون سواء من القرية أو خارجها وحتى صلاة الفجر، ليبدأ يوم آخر من الصيام وهكذا حتى نهاية الشهر الكريم، وإستقبال عيد الفطر وهذا له طقوس أخرى.
رمضان، في قرى الصعيد قد لايختلف كثيرا عن قرى وجه بحرى، وخاصة في هذه الأيام بعد إنتشار التكنولوجيا، والتليفزيون، والمسلسلات التي تأخذ الشباب والأطفال طوال الليل والنهار .
وما سبق كان ذكريات سنوات لم تكن قد شهدت القرى في الصعيد تقدما ما بل أن معظمها لم تدخله الكهرباء، حيث كان يتم تشغيل مكبرات الصوت في المساجد عن طريق بطاريات جافة يتم شحنها، أو مواتير تدار بالسولار لإنارة المساجد أو الساحات – المندرة – ولا يوجد سوى الراديو “الترانزستور” العتيق، وهو تقريبا راديو واحد لكل عشرين منزل أو يزيد ورغم ذلك كانت أيام جميلة ورائعة وكل عام وأنتم جميعا بخير.
/














