على طريقة الحيوانات والطيور النادرة التي انقرضت بعد أن سكنت الأرض لملايين السنين وبعضها يعيش الآن في محميات طبيعية للحفاظ عليه من ذات المصير، فإن هناك وظائف ستختفي تماماً من حياتنا بعد أن ظلت عقوداً أو قروناً مثالآ للرقي والتفوق والوجاهة الإجتماعية.
هذا الكلام الذي قد يصيب الكثيرين من أبنائنا بالقلق على مستقبلهم جاء نتاج أبحاث ودراسات عديدة، وكان محور حديث د. خالد عبد الغفار وزير التعليم العالي والبحث العلمي خلال مشاركته الأسبوع الماضي في فعاليات منتدى الشرق الأوسط لقادة الرأي في التعليم والذي نظمه اتحاد الجامعات العربية عبر تقنية الفيديو كونفرانس.
أهم جملة وردت على لسان وزير التعليم العالي في هذا السياق أن خمسة وثلاثين في المائة من الوظائف ستختفي خلال السنوات العشر القادمة، وستصل النسبة الى سبعة وأربعين في المائة خلال خمسة وعشرين عاماً نتيجة التطور التكنولوجي وظهور نمط جديد من الوظائف يرتبط ويعتمد على الإنترنت والذكاء الإصطناعي.
وتأكيداً لكلام الوزير فإن العالم سيشهد مع حلول عام 2030م، أي بعد بضع سنوات معدودات وظائف غريبة لم نسمع عنها من قبل، حسبما تنبأت دراستان صادرتان عن هيئة المنح الدراسية الكندية والحكومة البريطانية، في مقدمتها ظهور وطغيان الروبوت كقوة أساسية وفاعلة في سوق العمل حيث سيشكل وجوده أكثر من ثلاثين بالمائة من عدد العاملين بجميع الأنشطة والمجالات بدءاً من المطاعم وأماكن التسلية والمقاهي وانتهاء بالصناعات الثقيلة وغزو الفضاء.
هذا الوضع الجديد الذي بات على بعد خطوات قليلة وربما لم يرد حتى في أحلامنا، سيؤدي الى ظهور وظائف تتناسب مع المرحلة مثل فني صيانة الروبوت ومعالج ومدرب الروبوت وكذلك مصمم أزياء للروبوت وغيرها من الأنشطة التي سيتم استحداثها حسبما تستدعي الحاجة وستسحب البساط من تحت أقدم البشر.
وعلى طريقة أفلام الخيال العلمي الأمريكية، سيكون الروبوت في كل مكان، ومثلما يحمل كل منا الموبايل الخاص به سيمتلك أيضاً الروبوت الخاص الذي يساعده في انجاز كل شيء، من المهام المنزلية الخاصة بربة البيت الى كافة الأمور الحياتية وربما الجلوس معك على المقهى ليطرح عليك فكرة أو حتى نكتة.
لن يكون غريباً في المستقبل القريب جداً أن تذهب الى جراح ماهر ولكنه روبوت وليس انساناً ليجري لك عملية جراحية كاملة من البداية الى النهاية دون الحاجة الى طبيب بشري للمساعدة أو التوجيه، مع العلم أن هناك عمليات جراحية تتم الآن بمساعدة روبوت صغير بدقة الشعرة، لكن الأمر سيتطور الى حد الإستغناء عن البشر أو بالأحرى القطاع الأكبر منهم.
كما سيظهر المهندس الروبوت والمحامي الروبوت والضابط الروبوت والمعلم الروبوت الخ، وقد أظهرت الأزمة الأخيرة وانتشار جائحة كورونا حول العالم أنه يمكن الإستغناء بنسبة كبيرة عن المعلم التقليدي والإستعاضة عنه ببرامج مسجلة والتوسع في نظام التعليم عن بعد.
مع الوضع في الإعتبار أن مناهج التعليم في المستقبل القريب جداً ستكون متاحة للطلاب حول العالم على شبكة الإنترنت ومن ثم سيتم الإستغناء عن العنصري البشري بشكل تدريجي حتى يختفي تماماً لتصبح الغلبة والسيطرة للروبوت في كل مناح الحياة من عامل النظافة الى الطبيب والمهندس الى الشيف الذي يصنع لك الطعام.
في الأفلام الأمريكية يقودنا هذا التطور المذهل الى حرب حتمية بين الإنسان والآلات.. لكننا لسنا مشهداً من فيلم هوليودي، ومن ثم فإن المستقبل قد يشهد مفاجآت لايعلمها إلا الله خالق العقل البشري الذي أوصلنا الى هذا التقدم المذهل والمخيف.
أيمن عبد الجواد