»» رمضان بين الحنين للماضي وواقع اليوم.. هل فقد الشهر الكريم سحره؟!
ومع النفحات الروحية العطره لشهر رمضان المبارك يفوح شذا عطر الإيمان وتحلو الذكريات الجميلة لشهر الصوم .. وعبر بوابة الجمهورية أون لاين عبر نافذة “المساء” يتجدد اللقاء كل يوم مع رمز من رموز أبناء مصرنا الغالية من العلماء والمفكرين والأدباء والإعلاميين وأساتذة الجامعات.
🌄
بقلم ✍️ د.آية طارق عبدالهادي
(مُدرس بقسم الإعلام المسموع والمرئي – المعهد الكندي العالى لتكنولوجيا الإعلام الحديث CIC)
رمضان ليس مجرد شهر في التقويم، بل حالة روحانية وطقوس تتوارثها الأجيال، وكان لرمضان قديمًا طابع خاص يضفي عليه سحرًا فريدًا، ففي الماضي، كانت الشوارع تتحول إلى لوحة فنية من الزينة الورقية التي يصنعها الأطفال بأيديهم، وكانت الفوانيس تضيء الأزقة، يحملها الصغار فرحين، ويرددون أغاني رمضان التقليدية مثل “وحوي يا وحوي” و”رمضان جانا”. كان صوت المسحراتي جزءًا لا يتجزأ من ليالي رمضان، يجوب الحارات بطبلته، ينادي بأسماء الجيران، فيستيقظ الناس على نغمة مألوفة تنسج ذكريات جميلة، وكان الإفطار لحظة مقدسة تجتمع فيها العائلة كلها حول مائدة واحدة، بلا هواتف ولا انشغال بأي شيء سوى الأحاديث الدافئة والطعام الذي أُعد بحب.
أما اليوم، فقد تغير المشهد، وأصبحت الزينة تُشترى جاهزة دون أن تكون هناك لمسة شخصية تجمع بين الجيران والأهل أثناء صنعها. الفوانيس لم تعد كما كانت، وتحولت إلى ألعاب إلكترونية تصدر ألحانًا مسجلة، فاقدة سحرها القديم؛ فالمسحراتي لم يعد يطوف الشوارع، وحلّت محله تنبيهات الهواتف الذكية التي تذكر الصائمين بوقت السحور دون ذلك النداء الحميمي الذي كان يضفي لمسة دافئة على ليالي رمضان. حتى موائد الإفطار لم تعد كما كانت، فبينما كان الجميع يلتفون حول السفرة بانتظار الأذان، أصبح كل فرد منشغلًا بمسلسله المفضل أو بهاتفه، وأصبحت زيارات الأقارب أقل، بحجة الانشغال وضيق الوقت، مما جعل رمضان يفقد جانبًا مهمًا من روح الترابط العائلي الذي كان يميزه.
لم تتوقف التغيرات عند العادات الاجتماعية فقط، بل امتدت إلى الجانب الروحي، حيث كانت صلاة التراويح في الماضي مشهدًا يوميًا لا غنى عنه، يجتمع فيه الأهل والجيران في المساجد بروح جماعية، بينما اليوم، أصبحت هذه العادة تتراجع بسبب الإيقاع السريع للحياة، وضغوط العمل، والزحام الذي جعل الكثيرين يفضلون الصلاة في المنزل، حتى مظاهر التكافل الرمضاني لم تسلم من التغير، فبعدما كانت موائد الرحمن تنتشر في كل شارع لاستقبال المحتاجين وعابري السبيل، أصبح التبرع يتم عبر التطبيقات الإلكترونية، مما أفقده جزءًا من التفاعل الإنساني المباشر الذي كان يعزز مشاعر العطاء والتكافل.
رمضان لم يتغير، لكنه بات يعيش في زمن مختلف، فالتكنولوجيا غزت حياتنا وغيرت عاداتنا، وجعلت الكثير من الطقوس الرمضانية تبدو وكأنها مجرد ذكريات من الماضي. ربما فقدنا بعض التفاصيل، لكن لا يزال بإمكاننا استعادة روح الشهر الكريم إذا حاولنا إعادة إحياء العادات التي صنعت أجمل ذكرياتنا، وإذا تذكرنا أن رمضان ليس فقط عن الصيام والطعام، بل عن الألفة، والروحانيات، والدفء الذي كان يجعل هذا الشهر مختلفًا عن أي وقت آخر، والسؤال الحقيقي هنا: هل تغير رمضان أم أننا نحن من تغيرنا؟.














