ذكرياتي في رمضان 🌙
ومع النفحات الروحية العطره لشهر رمضان المبارك يفوح شذا عطر الإيمان وتحلو الذكريات الجميلة لشهر الصوم .. وعبر بوابة الجمهورية أون لاين عبر نافذة “المساء” يتجدد اللقاء كل يوم مع رمز من رموز أبناء مصرنا الغالية من العلماء والمفكرين والأدباء والإعلاميين وأساتذة الجامعات.
🌄
»» مصر بلد الجمال والطقوس الرمضانية الحلوة والعادات المحببة
بقلم ✍️ د. وداد معروف (أديبة وروائية)
يعد رمضان بالنسبة لنا نحن المصريين روحا تسري فينا وفيما حولنا، فتجده يصبغ الحياة بصبغته الجميلة، في مدن مصر وقراها على السواء، له طقوس ألِفناها، وامتزجت بدمانا، تبدأ ذكرياتي مع رمضان بالمسحراتي وصوتِه الذي كان يأتيني وأنا بعدُ طفلة صغيرة، فأتخيله صوتا بلا جسد، كان ينادي على سكان الشارع كلا باسمه، ويدق مع ندائه على طبلته الرنانة، كل ذلك وأنا متدثرة بغطائي لا أجرؤ على أن أقوم لاكتشفه، حتى كانت ليلة وقفت في النافذة ساعة مروره فوجدته رجلا إنسانا مثلنا، فكانت مفاجأة لي، فصوته الذي يسري مع الليل كان يمثل لي عالما غيبيا لا أعرفه ولا أفهمه.
أما الذكرى الثانية مع شهر رمضان، فهي وجبة السحور، كانت بالنسبة لي وجبةً مدهشة، حيث كان توقيتها عجيبا بالنسبة لي، فكانت تثير شغفي لأقوم وأشارك إخوتي هذه الوجبة وأتمتع بهذا الجو الجميل، وكان المؤذن الشيخ حامد يمر من شارعنا كي يؤذن لصلاة الفجر في المسجد الكبير المجاور لبيتنا، وكنت أحرص على أن أقف في النافذة لأشاهده وهو يمر، كانت متابعتي له تغمرني بالسعادة؛ أن الشيخ حامد الذي مر أمامي الآن هو الذي يأتينا صوته بعد قليل رافعا لأذان الفجر، أحيانا كانت تنقطع الكهرباء فيصعد إلى المئذنة ليرفع الأذان، فكنت أصعد إلى السطح لكي أراه وأنا دهِشة، وهو يعتلي أعلى شرفة في المئذنة، يا له من مشهد ساحر بديع.
أما المشهد الثالث الذي كلما جاء رمضان تذكرته، فهو قبيل أذان المغرب، وبعد أن كبرت قليلا وصمت اليوم كله، كنت أخرج أنا وبنات الجيران لانتظار أذان المغرب على سلم جامع المسجد الكبير بقريتنا شرباص، ننتظر قدوم الشيخ حامد ليرفع أذان المغرب، وكنا نتسلى بأن نفصِّصَ القطن فنُخرج منه البذور، فقد كانت قريتنا حينها تزرع القطن، وكانت إحدى بنات الجيران تأتي معها بكمية معقولة من القطن الذي سيكون حشو فرش أختها العروس التي ستتزوج في العيد، وكانوا يسهرون أماسي رمضان في تنقية هذا القطن من البذور، فتعطيها أمُّها كل يوم في رمضان هذه الكمية لننظفها من البذور معا، ويأتي الشيخ حامد بطلته البهية فنلقاه بالفرح والصياح الضاحك ونحن نقول له: (الشيخ حامد جه، الشيخ حامد جه، يلَّا يا عم الشيخ حامد أذِّن بقى)، فتملأه السعادة بمشهدنا الفرِح ويصعد سُلَّم المسجد، وبعد قليل ينطلق صوته مدويا بأذان المغرب وننطلق نحن كلٌ إلى بيته لنلتهم وجبة الإفطار الشهية، فأجد أنا الطبلية قد أُعدت وعليها ما لذَّ وطاب من أطعمة رمضان الشهية، وألمَحُ بعيني صينية الكنافة اللذيذة التي ستفرغ حتما بعد الإفطار.
مصر بلد الجمال والروح الحلوة، بلد الطقوس والعادات المحببة، وقد أحب العرب رمضان بنكهته المصرية، وكان لبعضهم حرصٌ على تقضية بعض أيام رمضان في مصرنا الحبيبة للتمتع بهذه الأجواء العريقة الأصيلة المحببة.